من ألقى المفتاح في النهر؟

من ألقى المفتاح في النهر؟

30 يوليو 2015
الحبّ ثقيل جداً على الحديد (فرانس برس)
+ الخط -
وأنت تقطع نهر الراين، تقطعك الأقفال الملونة وتمضي، تنزل، تحملُ لهفتك وفضولك، وتبدأ بإحصاء أنفاسك التي ستصبح أسرع، قطعةٌ معدنية معلقةٌ في الهواء يسمونها جسراً تفصل بينك وبين السقوط الذي كان مصير المفاتيح الحزينة الغارقة، وأنت تقضي وقتاً طويلاً في تأمل الحكاية علك تصير قفلاً لا مفتاحاً، المعدن المتروك للصدأ خيرٌ من الغارق!


جثثٌ مصلوبةٌ لأقفال لا تنطقُ قصصها، آلافٌ مؤلفةٌ من حكايا الحب معلقةٌ للناس وعاريةٌ للهواء إلا من ألغازها، وتنظر بحرقةٍ نحو النهر لتبحث عن مفاتيحها الغارقة، جسرٌ للحب، من ضفة ما قبل الشهقة إلى ما بعدها، تظنّ أن القصة فقط عن أصحاب القفل والمفتاح إلاّ أنها ليست كذلك.

المفتاح ذاتٌ غارقةٌ بسرّها وبصماتِ أصحابها، لا أحد يعرفُ، إن تكرّرت البصماتُ على مفاتيحَ أخرى سوى أصحابها والمفاتيح، الفقاعات المنتشرة تحت الجسر ليست من السمك، لا أسماك هنا بين السفن ومحرّكاتها، الفقاعاتُ فضائحُ العشاق ترويها المفاتيحُ وتتركها زبداً.

الأقفال الصماء لا تنزعجُ من مداعبات المارّة لها، ولا من أصوات القطارات السريعة التي تجعل الجسر يرتعش، ولا تعطي بالاً لنداءات استغاثة المفاتيح التي تحاول أن تجتمع لتصنع برجاً يطفو على الماء وينتقم، الأقفالُ تحمل أسماء أصحابها، وليس بالضرورة أن تكرّر الاسم على أكثر من قفل أن يكون في الأمر سوء، إنه تشابه أسماء لا أكثر، ولا مجال، أيضاً، للحديث عن حركة نسوية قامت بها الأقفال ضد ذكورية المفاتيح، فكلا المكلومين يمكن له أن يكون ذكراً أو أنثى، أو لا يكون أصلاً، الفائدة من هذه الكينونة، هي الكتابة عن اشتياق الأول للثاني، الأول -أي القفل- يريد الثاني، و لو أنه ربما لا يريد منه تحريره من صلبه، و الثاني -أي المفتاح- يريد الأول، و لو أنه ربما لا يريد له أن ينقذه من الغرق، المشكلة الأكبر: إذا تفرق أصحاب القفل و المفتاح، هل سيجرؤون على فكّ قيد القفل و رميه إلى زوجه؟

أسماء مختلفة وجنسياتٌ مختلفة، منها يعود إلى ما قبل أربعين عاماً، الأسماء العربية حاضرةٌ ولو قليلاً، لا نعرف مصيرَ أصحابها، دينهم، طائفتهم، لونهم، أحياء أم أموات، تفرقوا كالقفل والمفتاح أم ما زالوا سوياً، نجوا من الحرب أم لا، ولا تعرف موقفهم من الربيع العربي حتى! إلا أنني أعرف، أن كثيراً من هذه القصص كانت حزينة أو انتهت نهاية حزينة، ولم تكن دائماً بجمال ألوان أقفال الجسر.

يوماً ما.. ستنتهي قصة هذا الجسر أيضاً، فقد أصبحت قصص الحبّ ثقيلةً، الجسرُ مهدد بالانهيار، لا تضعوا قصصكم هناك، الحبّ ثقيل جداً على الحديد. 

(فلسطين)

دلالات

المساهمون