يمن العجائب: 90% نسبة من يديرون البلد بلا كفاءات

16 مارس 2015
طفل يمني يتحدى بالعلم سياسات اقتصادية فاسدة(محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
تبدو صورة الاقتصاد اليمني قاتمة تماماً، وفق ما يصوره الكثير من النقاد، ويستندون بذلك إلى توقعات نضوب النفط والمياه. في حين أن المعاناة الحقيقية للاقتصاد ليست ناجمة عن نقص الموارد، بل عن السياسات الخاطئة والمفتقرة إلى التنمية المؤسسية، حيث تغيب الكفاءات عن إدارة الدولة وتحضر الولاءات الضيقة والمحسوبية في التعيينات لشغل المناصب. 

يقول المدير التنفيذي لمركز التنمية الاقتصادية الاجتماعية، مرزوق عبد الودود محسن، إن التعيينات التي تتم عن طريق الوساطة والمحسوبية والولاءات المذهبية والمناطقية غالباً ما تكلف الدولة والمجتمع خسائر كبيرة جداً من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما أنها تسهم في تغييب الكفاءات وتجعلها بعيدة عن القيام بدورها في تطوير أداء الدولة.

الكفاءات 10% فقط
ويشرح محسن، لـ"العربي الجديد"، أن "ما يحدث الآن أنه يتم تعيين أشخاص بلا تأهيل ولا كفاءة ولا يمتلكون إمكانيات لإعداد خطط تطويرية للمؤسسات والجهات والمراكز التي يشغلونها. ومن الواضح أن المشروعات في اليمن متعثرة وفاشلة بسبب هذه التعيينات التي تتم وفق حسابات ضيقة جداً. حيث نلاحظ أن من يرأس مرفقاً أو مؤسسة حكومية يأتي بأعداد كبيرة من الموظفين التابعين له، وقد يعمل على تغيير طاقم كبير في المرفق أو الجهة الحكومية التي يرأسها".


وعن حجم هذه الظاهرة، يقول مرزوق محسن بأنها كبيرة جداً، وهي ليست وليدة اليوم وإنما بدأت منذ ما يزيد عن 35 عاماً، حيث إن من يديرون البلد ويشغلون مناصب قيادية وهم ليسوا من أصحاب الكفاءات يستحوذون على نسبة 90%، ويتم تعينهم وفق المحسوبية والمناطقية والولاءات، ومن هم في الأماكن الصحيحة لا تتعدى نسبتهم 10%". ويضيف أنه "في ظل النظام الفاسد كانت تتم التعيينات وفق المحسوبية بعيداً عن أية معايير مهنية وعلمية، وجاءت حكومة الوفاق في 2012 أيضاً بعيداً عن الكفاءات بسبب المحاصصة الحزبية في إدارة الدولة، كما في معظم التعيينات، إضافة إلى أن الكثير من الموظفين يعملون في أماكن لا تتناسب مع تخصصاتهم ومؤهلاتهم العلمية".

ويرى مرزوق محسن أن هذا النوع من الفساد الذي تعانيه اليمن خاصة في هذا الجانب المهم والمتمثل في إدارة الدولة، يتطلّب معالجات تتمثل في إيجاد توصيف وظيفي لشغل الوظائف العامة وفق الكفاءة، وتفعيل الأجهزة الرقابية، كالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، إضافة إلى تفعيل دور المنظمات المدنية المعنية بمكافحة الفساد.

من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي، عامر محمد عبد الوهاب، أن اليمن تمتلك الكثير من الثروات ولديها احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي المُسال، والثروات المعدنية، إضافة إلى العديد من الفرص الاستثمارية في المجالات الأخرى، إلا أنها تفتقر إلى الإدارة الكفوءة. ويشير، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن مالك القرار في اليمن منذ سنوات طويلة لم يبحث عن إدارة الموارد بنظام عادل، وإنما لجأ إلى توزيع مناصب إدارة الدولة للولاءات الحزبية والقبلية والطائفية من أجل ضمان بقائه في الحكم.

هدر الثروات والعقول
ويبيّن عبد الوهاب أن اليمن بدأت استخراج النفط منذ الثمانينيات من القرن الماضي وتم التعامل مع هذه الثروة بصورة عشوائية، وأهدرت مختلف الموارد دون أن يتم تسخيرها من أجل التنمية، الأمر الذي جعل اليمن اليوم بهذه الصورة من المعاناة الاقتصادية التي أجبرتها للعيش على المساعدات الخارجية، في حين أنها قادرة، في حال فسح المجال للكوادر المؤهلة لإدارة الدولة، على تحقيق تطورات اقتصادية كبيرة.


وفي السياق ذاته، يشير الباحث الاجتماعي، عمار السعيدي، إلى أن سيطرة فئات معينة على الوظائف العامة للدولة، خاصة القيادية، ولّدت الكثير من الاحتقانات في النسيج المجتمعي، وأسهمت في خلق فجوة كبيرة في هذا النسيج، حيث يستحوذ أشخاص لا يملكون الكفاءات العلمية على مناصب هي في الأساس من نصيب أصحاب الكفاءات الذين معظمهم هاجروا بعيداً عن الوطن.

ويقول السعيدي، لـ"العربي الجديد"، إن ظاهرة ظلم الكفاءات وتسييس الوظيفة العامة للدولة باتت تشكل ظاهرة اجتماعية واقتصادية تهدد العملية التنموية في البلد، حيث تحصد الولاءات والمناطقية والمحسوبية نسبة تزيد عن 85% من مقاعد إدارة الدولة في اليمن.

الخسائر بالملايين
وفي دراسة للخبير الاقتصاد الدكتور طه الفسيل، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، طالبت بضرورة رفع الكفاءة المؤسسية والإدارية والتنظيمية للجهاز الإداري للدولة، من خلال مواصلة تنفيذ برنامج تحديث الخدمة المدنية، وتطوير شبكة المعلومات بين مؤسسات وأجهزة الدولة، وتعزيز التنسيق والتكامل بينها. إضافة إلى الفصل الكامل بين الوظيفة العامة وممارسة الأعمال والأنشطة التجارية بصورة عامة، حيث تعاني اليمن من التزاوج بين السلطة والمال، وهو ما يراه خبراء الاقتصاد بأنه من أبرز أشكال الفساد التي تهدد التنمية الاقتصادية، إضافة إلى أن ذلك يجعل إدارة البلد تخضع للمصالح التجارية التابعة لمَن هم في السلطة.

وكان تقرير رسمي قد قدّر خسارة اليمن بنحو 24 مليون دولار سنوياً نتيجة هجرة الكفاءات وذوي الاختصاصات العلمية والنادرة، كما يشير التقرير في إحصائياته إلى أن نحو 30 ألف شخص من حَمَلَة المؤهلات الجامعية وحملة الشهادات العليا والمعاهد المتوسطة يعملون في دول الجوار وبعض الدول الأخرى. كما أن القطاع الصحي يعاني نقصاً كبيراً في الكادر الطبي، في الوقت الذي يفضّل فيه الأطباء اليمنيون العمل في دول الجوار لتحسين مستوى دخلهم. وحذر التقرير من استمرار الوضع كما هو وما سينجم عنه من استنزاف لعقول اليمن، بينما البلاد في حاجة ماسة إليها.

وتواجه اليمن، وفق مصادر "العربي الجديد"، حالة من الفوضى في تعيينات غير قانونية في مناصب قيادية للدولة، "حيث تعمل جماعة الحوثي على فرض عناصرها بالقوة في أماكن مختلفة من مؤسسات الدولة، بعدما سيطرت على مختلف مؤسسات ومرافق الدولة".

إقرأ أيضا: قطط مسروقة للبيع في سوق العصر التونسيّة 
المساهمون