هكذا يتحايل التونسيون على أزماتهم

هكذا يتحايل التونسيون على أزماتهم

08 ديسمبر 2014
المصاريف تخنق التونسيين والديون تحاصرهم (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
لم يعد يخفى على أحد الحالة المادية التي وصل إليها التونسيون. بمجرد أن تراقب مدخل أحد المصارف في العاصمة، يمكن بسهولة التكهّن بالحالة الماديّة للشخص، وهو يغادر مهموماً ومثقلاً بدين جديد أو مضطرباً من إنذار وجّهه إليه المصرف إثر تأخّره عن سداد أقساط القرض.
هكذا يتحايل المواطنون على الظروف المعيشية من خلال مواجهتها بطلبات قروض من المصارف التجارية. وهذه الحال طالت الطبقة الوسطى، التي تتآكل يوما بعد يوم مع اشتداد الأزمة الاقتصاديّة وتواصل موجة التضخّم وغلاء الأسعار.

قروض وأكثر
قبيل الثورة، ومع التغيّرات الكبرى التي شهدها نمط الاستهلاك المحليّ، استثمرت المصارف الظرف عبر تقديم خدمات القروض المتنوّعة، بدءاً من القروض الاستهلاكيّة، وصولاً إلى قروض السيّارات والمسكن. لاقت هذه العروض إقبالاً قوياً.
وإن كان الإقبال على القروض قبل ثورة 14 يناير/كانون الثاني أمراً طبيعياً، فإن استمرار الإقبال رغم الأزمة الاقتصاديّة يعد أمراً مستغرباً.
تؤكد الخبيرة الماليّة نجوى همّامي، أن هناك ارتباطاً بين ارتفاع نسق القروض واشتداد الأزمة الاقتصاديّة الراهنة، فقد أثّر التضخّم على المستوى المعيشيّ للتونسيّين من محدودي الدخل. وتقول لـ "العربي الجديد": وصلت قيمة القروض التي أسندتها المصارف إلى زبائنها خلال الثلثين الأولين من عام 2014 إلى نحو 42 مليونا و852 ألف دينار، أي بتطوّر نسبته 3.74% مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2013. وقد استفادت منها 800 ألف أسرة تونسيّة أي ما يعادل 30.7% من مجموع الأسر.
إلى ذلك، فإن الأرقام الصادرة عن حجم الديون والقروض من المصارف لا تعكس واقع الاستدانة بحسب الهمّامي، إذ إن التونسي يقترض أيضا من الصناديق الاجتماعية وداووين الخدمات الجامعية، ويستعمل صيغة الشراء بالتقسيط ويستدين من العائلة والأصدقاء.
يؤكد الموظف في وزارة الصناعة فراس علي، لـ "العربي الجديد" أن التونسيين باتوا يعيشون تحت تراكم الديون خاصة، الموظّفين محدودي الدخل. ويقول: "لا تأخذ الوزارة بالاعتبار المتغيرات الاقتصادية، ليظل راتب الموظف محدودا وثابتا. وذلك ما يضطرّه إلى اللجوء إلى المصارف كي يستطيع الإيفاء بالتزاماته العائليّة. ويضيف: "لا يكفي الراتب لتأمين المصاريف الضرورية، فكيف يمكن تأمين نفقات التعليم وشراء سيارة وغيرها من دون قرض من المصرف؟". ويشير إلى أن المصارف تعمد إلى رفع نسب الفوائد والتقليص في عدد الأقساط الشهرية وفرض عمولات باهظة".
وبحسب التقرير الأخير للمعهد الوطني للإحصاء، فقد بلغت نسبة التضخم السنويّة خلال السنوات الثلاث الأخيرة ما يناهز 10% بالنسبة للموّاد الغذائيّة و7% بالنسبة للمحروقات. وارتفعت مؤشرات أسعار الألبسة والأحذية بنسبة 7.1%، وشهد مؤشر السكن والطاقة المنزلية ارتفاعاً بنسبة 5.8% مقارنة بالشهر نفسه من السنة الماضية. حيث تستأثر هذه المواد 70% من قيمة استهلاك التونسيّين الشهريّة.
ويشير العضو في الجامعة التونسية للمصارف فاضل عمران، إلى أن المصارف تعاني من ضغوط تتعرّض لها من قبل البنك المركزي التونسيّ، ويقول: "شملت ارتدادات الأزمة الاقتصاديّة الجميع من دون استثناء، فالقطاع المصرفيّ يعاني بدوره من نقص السيولة وصعوبة في استرجاع الديون من أصحابها، خصوصا في الفترة الأولى التي تلت الثورة وعمّت فيها الفوضى، بالإضافة إلى ما لحق بعض الفروع المصرفية من أضرار، ناتجة عن الحرق والسرقة".
ويؤكد أن المصارف تقوم بمجهود كبير لإرضاء عملائها، حيث تضطرّ في أحيان كثيرة للاستدانة من بعضها بعضا لتلبية طلبات القروض. خاصة الاستهلاكيّة التي تصل نسبتها إلى 75%، وقروض السيّارات التي تصل إلى 18% وقروض السكن التي تصل إلى 7%. وعن نسب الفوائد وآجال التسديد، يشير إلى أنّ هناك معايير تقرّرها الدولة عبر البنك المركزيّ.

المساهمون