مرصد العدالة الإجتماعية: انتخابات تونس

مرصد العدالة الإجتماعية: انتخابات تونس

20 أكتوبر 2014
+ الخط -
منذ الدقائق الأولى لإعلان انطلاقة حملة الانتخابات التشريعية في تونس المقررة ‏في 26 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، تسارعت وتيرة الاجتماعات واللقاءات الشعبية للأحزاب ‏السياسية التونسية. تعددت وجهات النظر واختلفت أساليب طرح البرامج والأفكار، ‏ومع ذلك تكررت الوعود نفسها في كل اجتماع، وعود تنظّر بقيامة جديدة لتونس، لغة تصخب فيها الأرقام والمصطلحات المعقّدة والبرامج التي تفتقر لآليات التطبيق. ‏
حين تستمع إلى خطابات قيادات "حركة النهضة" في الأحياء الفقيرة، لا بد أن ‏تشعر وأنك ستعود إلى زمن حكم عمر بن الخطاب، إلى زمن يجوع فيه الحاكم ‏وتشبع فيه الرعية. وحين تتقدم قليلاً نحو إحدى خيم اليسار التونسي تنتقل إلى مرحلة تشي غيفارا، وتظن ‏لوهلة أن العدالة ستعم العالم. إنها الوعود ذاتها، منذ أن ‏كانت هذه الأحزاب معارضة لنظام بن علي، منذ أن اندلعت الثورة، منذ انتخابات ‏‏23 أكتوبر 2011 ... خطوات فقط تأخذك إلى عالم الليبرالية المالية، حيث تجد أعضاء حزب النداء ‏وقياداته وقواعده الحزبية، يبشرون بانتقال اقتصادي لا نظير له، بسياسة تشاركية ‏ومنوال تنمية عادل بين جهات البلاد من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، تتوهم ‏أن تونس باقتصادها ستسيطر على العالم بعد عام من الآن.‏ وبين ليبرالية النداء وماركسية الجبهة ورفاقها وتباشير "النهضة" وأخواتها، تختلط ‏في ذهن المواطن حبال التنمية والإصلاحات الاقتصادية والوعود الاجتماعية ‏المتباينة.‏

الأحزاب في وادي الأرقام
يرى إخوان تونس إجمالاً، أنهم قادرون في المرحلة المقبلة على الحفاظ على ‏التوازنات المالية، وخفض عجز الموازنة، وترشيد نفقات الدعم الحكومي، والحد ‏من التضخم المالي، ورفع حجم الاستثمارات خاصة مع المصادقة على مجلة ‏الاستثمارات الجديدة وبعث مشاريع البنية التحتية. وذلك إضافة إلى تشغيل نصف ‏خريجي الجامعات المعطلين عن العمل... ويستهدف برنامج النهضة الاقتصادي رفع ‏معدل النمو الاقتصادي بشكل تدريجي إلى 6%، وذلك بتحقيق نمو بواقع 5%، ‏خلال السنوات الثلاث الأولى من الحكم.‏
كما يهدف برنامج النهضة إلى التحكم في معدل التضخم، حتى لا يتجاوز 4%، ‏فضلاً عن تحجيم المديونية حتى لا تتعدى 45% من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة ‏إلى توفير 320 ألف موطن شغل على امتداد خمس سنوات... واعتماد 50% من ‏الصكوك الإسلامية واعتماد سياسة "أسلمة المصارف".‏
في المقابل، يتحدث عضو المكتب السياسي لحركة نداء تونس محسن مرزوق عن ‏البرنامج الاقتصادي للمرحلة الانتخابية المقبلة. ويقول لـ "العربي الجديد": "لن نقدم ‏وعوداً كاذبة للتونسيين، بل سنلتزم بكل مقترحات البرنامج الاقتصادية، التي ‏تستجيب لمطالب الثورة الاقتصادية من خلال توفير الشغل والتنمية الجهوية ‏والكرامة ومقاومة الفقر، ومن بين أهداف الحزب في حال وصوله إلى الحكم، إحداث ‏‏16 مركزاً تكنولوجيا وتنفيذ 800 كلم من طرقات السيارات و20 ألف كلم من ‏الألياف الضوئية، ومنح مليار دينار قروضاً بدون فوائد للشبان، وإطلاق عشرين ‏مشروعاً صناعياً كبيراً، ووالوصول إلى تحقيق استثمارات بمليارات الدولارات". ‏
وعن البرنامج الاقتصادي للجبهة الشعبية، يقول عضو مجلس أمناء الجبهة أحمد ‏الصديق لـ "العربي الجديد" إن الخيار الاقتصادي لتونس في المرحلة المقبلة مبني ‏أساسا على إدخال إصلاحات في القطاع المصرفي، ومراجعة بعض قرارات الزيادة ‏في الأسعار للمواد الاستهلاكية التي أثقلت كاهل التونسي صاحب المقدرة الشرائية ‏الضعيفة، مضيفاً أنه من الضروري مراجعة قوانين الأجور والزيادة بطريقة لا ‏تضر بالموازنة الاقتصادية للبلاد.‏
وفي حين تحضر عبارة "العدالة الاجتماعية" في غالبية خطابات وبرامج الأحزاب التونسية المرشحة للانتخابات، تغيب آليات تحقيق هذه العدالة وتحويلها إلى واقع ملموس.

المواطنون في وادي الواقع
إلا أن استطلاع آراء التونسيين، يظهر هوة سحيقة وواسعة بين مطالبهم البسيطة، ‏وشعارات الأحزاب التي تغرد بعيداً عن الأزمة المعيشية ‏والحياتية في تونس، والمطالب التي تدور حول تأمين العدالة وتكافؤ الفرص. يتحدث علي، وهو بائع متجول عن طموحه، فيما يتعلق ‏بمستقبل اقتصاد تونس في المرحلة المقبلة، ويقول بكل بساطة تغلفها السخرية: ‏‏"طموحي أن يتقلص سعر البيض والزيت والهريسة قليلاً، حتى أستطيع مواصلة ‏هذا العمل الصعب. وأتمنى لو أن دولتنا الموقرة تمن علي بمكان أو فسحة صغيرة ‏تحميني وعائلتي من برد الشتاء، وحرارة الصيف، وتأمين فرص عمل لأعيل ‏عائلتي الصغيرة". ويضيف: "هذا أقصى طموحي، أما الشعارات فلا تعنيني، لأني ‏أعتبر نفسي أعيش في هذا الوطن، ولا يحق لي المطالبة بحقوقي كمواطن".‏
‏"أريد من الحكومة القادمة أن تمنحني بطاقة علاج مجانية وكوخا صغيرا يؤويني من ‏برد الإسفلت"، هذا ما تريده شهلة، وهي مسنة تعيش على التسوّل. وتتابع: "فتؤمن ‏لي دولتي المسكن، أما قوتي فليس من شأن الدولة، فأنا أعيش على فتات الشعب ‏البسيط، فهو من يطعمني ويسقيني طول اليوم". وتشير شهلة بغضب وحركة ‏لامبالاة بيدها: "الأحزاب ليست إلا كذبة، والحاكم الفعلي لهذه البلاد المسكينة هو ‏الشعب "الزوالي" البسيط".‏
أما إبراهيم، وهو بائع مجلات وجرائد، فيقول: "لا أنتظر شيئاً من هذه الأحزاب، ‏ورزقي على الله لا على الدولة المتداعية للسقوط، ثم إني لا أطمح لشيء بعد اليوم ‏سوى أن يتركوا لي هذه المساحة من أرضنا الطيبة أقتات منها، وأعيش على ‏مداخيل بيع الجرائد".‏
إلا أن بشير، وهو موظف في شركة خاصة، فلا يزال يأمل خيراً، ويقول: "عندي ‏أمل في الحكومة المقبلة، وأتمنى أن توفر للمواطن الشغل ولأولادي الجامعيين ‏المستقبل الهانىء، وأن تخفض أسعار المواد الاستهلاكية، وتزيد الأجور وتحاول ‏المواءمة بين المقدرة الشرائية وغلاء الأسعار... ننتظر أن تحقق لنا الثورة فعلا ‏أهدافها من شغل وحرية وكرامة وطنية".‏
أما محمد، وهو طالب جامعي، فتؤرقه فكرة الهجرة، ويشرح أنه "أتمنى أن أجد ‏عملا يليق بشهادتي الجامعية، وأتمنى ألا أجد نفسي يوماً ما أفكر في الهجرة ‏الشرعية أو غير الشرعية... شخصيا لا تعنيني برامج الأحزاب، ما يعنيني هو أن ‏أستطيع تحصيل لقمة عيش بكرامة أنا وعائلتي".‏

المساهمون