حيوانات أليفة... هوى فرنسي يتطلب تضحيات أحياناً

27 ديسمبر 2019
رافقها كلبها حتى إلى الاحتجاجات (فاليري هاش/ فرانس برس)
+ الخط -
يؤكد نصف الفرنسيين أنّهم يملكون حيواناً أليفاً، لا سيما الكلاب والقطط، فيما يشير 18 في المائة من النصف الثاني منهم إلى أنّهم يفكرون في امتلاك حيوان أليف في المستقبل. تعتبر فرنسا البلد الثاني في أوروبا، في عدد هذه الحيوانات في البيوت. فقد كانت بيوتها عام 2017 تضم نحو 13 مليون قط أليف، مقارنة مع 8 ملايين في بريطانيا العظمى. ولا يسبق فرنسا، في القارة العجوز، سوى روسيا، التي يوجد فيها أكثر من 22 مليون قط في المنازل.

وبحسب الإحصاءات التي ينشرها موقع "ستاتيستا" فإنّ نحو 30 في المائة، من البيوت الفرنسية كانت تؤوي عام 2016، قطّاً واحداً، على الأقل، بينما 22 في المائة من البيوت تتوفر، في نفس السنة، على كلب واحد على الأقل، بالإضافة إلى بيوت أخرى تقتني أسماكاً، وتصل إلى 10 في المائة منها.

من يتحدث عن هذه العلاقات بين البشر وهذه الحيوانات فلا بدّ من أن يستعرض مختلف الجوانب، لا سيما التضحيات التي يجب تحملها، فالحيوانات، خصوصاً الكلاب، تحتاج، بين الفينة والأخرى، إلى هواء الحدائق، وهو ما يدفعها لقضاء حاجاتها، مع كلّ ما يتوجب على مالكيها من امتلاك أكياس خاصة لجمعها، مخافة التعرض لغرامات صارمة. وفي ما يخص القطط، فهي تحتاج بين الحين والآخر إلى التنفس، ولهذا يُفضَّل أن يكون لدى مالكها حديقة، وإلا ستلجأ إلى العنف، خصوصاً مع الأطفال، بالإضافة إلى الكتب والجرائد التي تمزقها بعنف، وتكون ضحيةً للتوتر ومختلف أنواع الأمراض، التي تستلزم مراقبة طبية.

من الصحيح أنّ الحيوان الأليف يغمر صاحبه بسعادة نادرة، خصوصاً الأشخاص الذين يجنحون للعزلة، كما يُسعد الأطفال، أيضاً، لكنّ لهذا الوجود ضرائبه. وبما أنَّ الفرنسيين، وبفضل تحسن الشروط الاقتصادية، وبفضل الإجازات، يسافرون، فإنّ 90 في المائة من هؤلاء يفضّلون، بحسب إحصاء سنة 2014، اصطحاب حيواناتهم، من كلاب وقطط، معهم في إجازاتهم.

وتترك نسبة من العشرة في المائة الباقية هذه الحيوانات مع بعض الجيران، وتقرر نسبة أخرى، التخلص من هذه الحيوانات، التي تقوم جمعيات الرفق بالحيوان بجمعها في مراكز مختصة ثم البحث عن مالكين جدد لها. ومن شدة علاقة القرب بين المواطنين وحيواناتهم الأليفة، لم يُخفِ 44 في المائة من الفرنسيين، سنة 2016، رغبتهم في اصطحاب حيواناتهم إلى مكان عملهم، ويتعلق الأمر، هنا، بالكلاب.

يشرح جوزيف شوفاليي، وهو طبيبٌ بيطري، في عيادة بضاحية باريس، لـ"العربي الجديد" أنّ العلاقات تزداد عمقاً مع الحيوانات مع تقدم مالكيها في السن، إذ يصبحون أكثر ميلاً للصمت والعزلة، وأكثر حاجة إلى رفقة أقل إزعاجاً، وهو دورٌ يقوم به الكلب خير قيام. ويتعقد الأمرُ حين يضطر الرجل أو المرأة العجوز إلى الانتقال إلى دور العجزة، وهنا يُعبّر كثيرون منهم عن رغبتهم في اصطحاب حيواناتهم معهم، وهو ما ترفضه هذه الدور، بشدة. وبحسب إحصاء في سنة 2016 فإنّ 86 في المائة من الفرنسيين عبروا عن الرغبة في اصطحاب كلابهم إلى تلك الدور.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ كثيراً من المشردين في شوارع باريس ومدن فرنسا، يلجؤون إلى رفقة الكلاب، التي تمنحهم بعض الدفء كما تحميهم عند الضرورة. وهو ما يؤكَّده خالد، لـ"العربي الجديد" وهو مشرد في الشوارع الباريسية، منذ خمس سنوات. يقول إنّه من أصول مغربية، وإنّ ظروف الشارع الصعبة، بعد تجارب عديدة مع كثير من المشردين، دفعته إلى العثور على كلب، وهو يرافقه أينما حلَّ وارتحل. وفي لغة ساخرة ومريرة، يعترف: "أنا أتسول، كي أعيش، وهو معي، ولست أدري كم ممن يساعدونني يفعلونها من أجلي، علماً أنّ كثيرين يشفقون على كلبي". ومع سؤاله عن حجم التضحية، يجيب: "بلا حدود، فكثيراً ما أرفض في الأيام الباردة جداً والخطيرة، اللجوء إلى مراكز الإيواء الحكومية، حين يفصلونني عن كلبي".

ومن الطريف أنّ الإنسان لا يمكنه أن يَمُنَّ على هذه الحيوانات، فليست هي وحدها المستفيدة من الدفء والطعام الخاص بها، فهي تملأ البيوت سعادة وسكينة، وإلاّ فما الفائدة من ضيف ثقيل ومزعج، بل ومكلف، مادياً، سواء تعلق الأمر بالأكل أم الطبابة؟ وهنا يرى 90 في المائة من الفرنسيين، في إحصاء سنة 2016، أنّ وجود حيوان في بيوتهم يجعل أبناءهم أكثر سعادة، كما أنّ 74 في المائة، يرون أيضاً أنّ هذا الوجود لهذه الكائنات في بيوتهم حسَّن من صحتهم الجسدية. كذلك، اعترف 91 في المائة من الفرنسيين، ممن يمتلكون حيواناً أليفاً، أكان قطاً أم كلباً، سنة 2016، أنهم أحسّوا بالطمأنينة والرفاهية، بفضل هذا الحضور. واعتبر 89 في المائة أنّ القطط والكلاب الأليفة تحمل دروساً في الحياة للإنسان.

ليس سراً أنّ امتلاك كلب أو قط يستوجب ميزانية خاصة، فهذه الحيوانات تحتاج إلى أكل خاص. ويرى موقع "كابيتال" أنّ قطّاً واحداً يستوجب، عند وصوله إلى البيت الجديد، في مستلزمات النظافة والأمن والنوم والتلقيحات الأساسية، نحو 463 يورو، فيما يكلف الكلب الواحد، عند وصوله لسيده الجديد، ما يقرب من 491 يورو. ويكلف القط أصحابه، سنوياً، 750 يورو، بينما يكلف الكلب، الصغير الحجم (5 كيلوغرامات) أقلّ بكثير، إذ يصل المبلغ إلى نحو 281 يورو، سنوياً. ويواصل الكلب، مع ازدياد وزنه، استنزاف أصحابه، وهكذا يكلف كلبٌ يزن 30 كيلوغراماً نحو 950 يورو، سنوياً، يذهب معظمها إلى الطعام.


تبقى الإشارة إلى أنّ طبيعة التعامل مع الكلاب وتدليلها تبقى مرتبطة بالظرف الاجتماعي الطبقي لصاحبه، فالأغنياء يدللون كلابهم وقططهم، بشكل مبالغ فيه أحياناً، ويجلبون لهم المأكولات الفاخرة المخصصة لطبقة محددة، فيما يكتفي الفقراء بالبحث في أيّ سوبرماركت عن طعام الحيوانات الأرخص. كذلك، فإنّ بعض الأثرياء، ومن بينهم عرب، يشترون قبوراً لحيواناتهم حين موتها، وهو ما فعله سفير لإحدى الدول العربية في اليونسكو قبل زمن.

يتذكر المشرد المغربي الأصل خالد، سعادته العميقة، حين فاجأته مُسنّة فرنسية بكيس فيه أكل الكلاب، وابتهج حين رأى كلبَه وهو يُقْبل عليه بشهية وبراءة: "كنت غالباً ما أقتسم معه رغيفي والشطائر التي أحصل عليها تسولاً أو شراء".
دلالات