عقوبات بديلة في تونس

15 نوفمبر 2019
خارج أحد السجون في تونس (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
تسعى تونس إلى توسيع دائرة العقوبات البديلة للحد من اكتظاظ السجون وتمكين المحكومين بعقوبات سالبة للحرية من الحصول على "عقوبات بديلة" تضمن إمكانية اندماجهم في المجتمع، من خلال استبدال أحكام السجن بالعمل للصالح العام، في انتظار تصديق البرلمان على قانون جزائي جديد يعتبره المتخصصون في الشؤون القانونية نقلة نوعية في المنظومة الجزائية في البلاد.

وأخيراً، أعلنت وزارة العدل عن فتح مكاتب مصاحبة جديدة لتسهيل تعويض الأحكام السجنية بتوجيه المحكومين بالسجن نحو العمل للصالح العام، في إطار مراقبة هذه المكاتب التي تعمل في ست محافظات، في انتظار استكمال خطة لتعميمها على كل الولايات. وتقوم المكاتب المصاحبة التي تعمل وزارة العدل على نشرها بالتنسيق بين قاضي العقوبات والمؤسسات السجنية والمحكومين، الذين تنطبق عليهم شروط العمل للصالح العام، تحديد أماكن العمل ونوعية المهام الموكولة للمحكومين بدل السجن، فضلاً عن مراقبة مدى التزامهم بإتمام الأعمال المسندة إليهم.

ويعمل في المكاتب المصاحبة موظفون تابعون لإدارة السجون والإصلاح، ومتخصصون في العمل الاجتماعي والنفسي والإداري. هؤلاء يعملون تحت إشراف قاضي تنفيذ العقوبات، ويتابعون تنفيذ الإجراءات القضائية المتخذة ضد المحكوم عليهم، وإعلام السلطات القضائية بسيرها، والسهر على احترام الالتزامات التي فرضت عليهم.



ويقول ن. ب، الذي تم تعويض عقوبته السجنية بالعمل لمدة ستة أشهر في أعمال زراعية في محافظة سوسة، إنه لا يجد أية صعوبات في القيام بمهامه بعدما اتفق مع مكتب المصاحبة على أن تكون ساعات العمل نهاية الأسبوع وبمعدل أربع ساعات يومياً (السبت والأحد). ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ العقوبة البديلة ساعدته في الحفاظ على عمله بقية أيام الأسبوع، كما مكنته من الحفاظ على استقرار أسرته. يضيف أنّ العقوبات البديلة حل جيد للمحكومين في حال ارتكبوا جنحاً ليست خطيرة، مشيراً إلى استفادته من خلال الانفتاح على تجربة اجتماعية جديدة سترافقه نتائجها في مراحل حياته المقبلة. ومنذ سنوات، انخرطت تونس في برنامج استبدال العقوبات السالبة للحرية بعقوبات العمل للصالح العام أو السوار الإلكتروني، في إطار برامج تعاون مع منظمات دولية تعمل على مساعدة تونس على تطوير التشريعات الجزائية وتحسين ظروف المساجين.

ويفترض أن ينظر برلمان تونس الجديد في قانون جزائي جديد (مجلة جزائية) تحظى فيها البدائل السجنية بأهمية كبرى في كافة المراحل.

وبحسب مشروع القانون، هناك 18 بديلاً كالإقامة الجبرية وغيرها. كما تضمن نظام السجون المفتوحة في بعض الجرائم غير الخطرة إذا ما تعهد المحكوم عليه بجملة من الشروط، ما يسمح له بممارسة عمله ومقابلة أسرته. كما تمّ اقتراح نظام النصف حرية الذي يمكّن قاضي تنفيذ العقوبات من أن يحجر على المحكوم عليه الاتصال بالمتضرر أو مقابلة بعض الأشخاص أو ارتياد بعض الأماكن، ويترتب عن الإخلال بها الرجوع في تلك الوسيلة العقابية.

إضافة إلى نظام السوار الإلكتروني، يسمح المشروع الجديد باستبدال العقوبة السجنية بغرامة مالية يومية. ويمكن لقاضي تنفيذ العقوبات بعد موافقة المعني بالأمر على تعديل عقوبة السجن المحكوم بها، والتي لا تتجاوز عاماً سجنياً، استبدالها بغرامة مالية لا تقل عن 500 دينار (نحو 175 دولاراً)، يراعى عند تقديرها الإمكانيات المادية للمحكوم عليه، وطبيعة الجريمة المرتكبة.



ويقول الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للسجون سفيان مزغيش، إن ما لا يقل عن 2500 محكوم حصلوا على عقوبات بديلة بالعمل للصالح العام، مشيراً إلى أن وزارة العدل بصدد التحضير لتوسعة شبكة المكاتب المصاحبة لتشمل ما لا يقل عن 6 محافظات جديدة العام المقبل، ليرتفع عددها إلى 12 مكتباً. ويقول مزغيش لـ "العربي الجديد" إن تجربة مكاتب المصاحبة لمتابعة تنفيذ العقوبات السجنية بالعمل للصالح العام انطلقت عام 2013 في محافظة سوسة، وتمكن المكتب من مصاحبة ألفي محكومة استبدلت عقوباتهن بالصالح العام، وتم توجيههن للعمل في جمعيات خيرية أو مؤسسات عامة أو أعمال التنظيف والطلاء وغيرها.

يضيف مزغيش أن الهدف الأساسي من توسعة العمل للصالح العام هو أنسنة العقوبات، مؤكداً أن التمتع بهذا الحق يكون وفق شروط يقدرها قاضي تنفيذ العقوبات، وهي ألا تتجاوز العقوبة السجن مدة عام، وألّا تكون خطرة على المجتمع، وأن يكون ملف السجين خالياً من عقوبات سابقة. ويوضح أن مصادقة البرلمان على مشروع القانون الجزائي ستفتح مجالات جديدة للقضاء لاستبدال العقوبات السالبة للحرية بعقوبات جديدة تخدم الصالح العام، وتحد من نسبة العودة إلى الجريمة، مؤكداً أن هذه العقوبات تحقق أهدافها الإصلاحية أكثر من عقوبة السجن.