نساء الحديدة الحوامل في خطر

14 اغسطس 2018
قليلات اللواتي يحظينَ بعلاج (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -


شدّد صندوق الأمم المتحدة للسكان على أنّ الوضع المتفاقم في الحديدة يعرّض النساء إلى خطر كبير، لا سيّما الحوامل منهنّ اللواتي ينتظرنَ أن يلدنَ خلال الأشهر التسعة المقبلة، ويُقدّر عددهنّ بنحو 90 ألف امرأة.

لا تنتهي مخاوف سكان الحديدة، غربيّ اليمن، من تصاعد حدّة الحرب ووصولها إلى وسط المدينة، لا سيّما بين النساء اللواتي يصنّفنَ من الفئات الضعيفة في المجتمع واللواتي لا يستطعنَ الصمود أمام الحرب وتبعاتها. وتُعَدّ مخاوف اليمنيات الحوامل الأبرز من بين النساء عموماً، في ظلّ نظام صحي شبه منهار في المدينة من جرّاء المواجهات المسلحة والنزوح المستمر والوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي.

أميرة (23 عاماً) في أواخر الشهر السابع من حملها، تخشى عدم حصولها على الرعاية الصحية اللازمة في المستشفى. وتقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الناس لا يستطيعون الوصول إلى المستشفيات، وإذا نجحوا في ذلك فإنّهم لا يجدون أطباء ولا أدوية. وأخشى لو بدأ المخاض ألا أحصل على الخدمات الطبية التي من شأنها مساعدتي، لا سيّما أنّ ولادتي تكون من خلال عملية قيصرية". وتشير أميرة إلى أنّها لم تستطع مغادرة الحديدة لأنّها لا تملك تكاليف الانتقال والعيش بعيداً عن منزلها الواقع في حارة الحوك في المدينة، وبالكاد تملك ما تحتاج إلى إنفاقه خلال الولادة. تضيف: "أنا حامل بطفلي الثالث، وربّما تحدث لي مضاعفات صحية مثلما جرى عندما وضعت الطفلَين السابقَين، وقد توفي أحدهما بعد ولادته بساعات". وتتابع أنّ "حالتي النفسية سيئة، فإذا استمرّت الحرب قد أعجز عن الوصول إلى المستشفى وألد بالتالي في المنزل. حينها، سوف أموت بدون شك".

المخاوف نفسها تسيطر على مريم (27 عاماً) الحامل في شهرها الثامن والمعرّضة إلى تسمم حمل، بالتالي فهي غير قادرة على وضع طفلها من خلال ولادة طبيعية بحسب إفادة الطبيبة التي تتابع حالتها. وتعاني مريم من احتقان السوائل في أنحاء مختلفة من جسدها مع ارتفاع في ضغط الدم، وتستهلك بالتالي أدوية باستمرار لتجاوز مشكلتها. وتقول مريم لـ"العربي الجديد": "في بعض الأحيان لا أستطيع النوم من شدّة الخوف كلّما شعرت بآلام المخاض. وهذا ما يجعلني ألحّ على زوجي بأنّ ينقلنا إلى صنعاء حتى ألد على أن نعود بعدها إلى الحديدة. فالمواجهات قد تندلع في أيّ لحظة وبالتالي لن نتمكّن من الخروج من المنزل إلى المستشفى".




والظروف الأمنية ليست وحدها التي تؤرّق الحوامل في مدينة الحديدة، إنّما تكاليف المستشفيات المرتفعة التي تُعَدّ من الأسباب التي تهدد حياة نساء حوامل كثيرات. يقول إبراهيم فتيني في السياق إنّه اضطر إلى بيع بعض مواشيه بهدف توفير تكاليف ولادة زوجته في أحد المستشفيات الخاصة بعد رفض المستشفيات الحكومية استقبالها. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "المستشفيات الحكومية مزدحمة جداً، وقد رفض المعنيون استقبال زوجتي. لكنّي استطعت توفير نحو 53 ألف ريال يمني (نحو 210 دولارات أميركية) من خلال بيع بعض رؤوس الغنم لإدخالها إلى مستشفى خاص. واليوم تجاوزت مرحلة الخطر بعدما وضعت طفلنا من خلال عملية قيصرية". ويؤكد فتيني أنّ "الحرب قضت كلياً على الأعمال في الحديدة، فلا تجارة ولا صيد ولا وظائف حكومية. كلّ شيء توقف. لذا فإنّ وضعنا المالي صعب للغاية، ولو لم أبع الأغنام كنت سأفقد زوجتي وهي تلد. لا مرافق صحية قريبة من مسكننا تقدّم خدمات علاجية مجانية".

في السياق، تؤكد الطبيبة ندى هاشم المتخصصة بالتوليد والأمراض النسائية، على "أهمية تحسين خدمات الصحة الإنجابية للنساء الحوامل للحدّ من وفيات الأمهات في اليمن عموماً والحديدة خصوصاً". وتقول لـ"العربي الجديد" إنّ "المعارك في الحديدة تفاقم معاناة الحوامل، لا سيّما أنّهنّ محرومات من العناية الصحية اللازمة على الأغلب". تضيف أنّ "النساء في الحديدة يعانينَ من أوضاع صعبة منذ سنوات، خصوصاً في المناطق الريفية، وقد ازدادت الأوضاع سوءاً بعد تصاعد الحرب التي تشهدها المحافظة"، لافتة إلى أنّ "نساء حوامل كثيرات يعانينَ من سوء التغذية وفقر الدم وهذه عوامل تتسبب في مضاعفات صحية خطيرة لهنّ قد تؤدي الى وفاتهنّ، في حال لم يجرِ إسعافهنّ إلى المستشفى لتلقّي الرعاية الضرورية". وتتابع هاشم أنّ "عدم حصول النساء والفتيات على خدمات الصحة الإنجابية يؤدي إلى "عواقب وخيمة على صحتهنّ وصحة أطفالهنّ، كذلك فإنّ كثيرات يجهضنَ بسبب الخوف والحالة النفسية المتدهورة من جرّاء القصف وأصوات الانفجارات".




تجدر الإشارة إلى أنّ صندوق الأمم المتحدة للسكان أوضح في بيان أصدره أخيراً أنّ من بين المتضررين 750 ألف امرأة وفتاة في سنّ الإنجاب، من بينهنّ نحو 14 ألف امرأة حامل معرّضة لمضاعفات، وهو ما يعرّض حياتهنّ إلى خطر مباشر إذا لم يحصلنَ على الأدوية وعلى رعاية صحة الأمومة العاجلة والمنقذة للحياة. ودعا البيان أطراف النزاع في اليمن إلى وقف القتال في الحديدة وحماية المدنيين وضمان حصولهم على المساعدات الإنسانية على النحو المنصوص عليه في القانون الإنساني الدولي.