المتنزهات المجانية ملجأ المصريين

05 يونيو 2016
لا شواطئ مجانية مناسبة في الإسكندرية (العربي الجديد)
+ الخط -
لم يجد ياسر الموظف في إحدى الهيئات الحكومية في محافظة الإسكندرية، شمال مصر، وسيلة للتخفيف من حرّ الصيف وقضاء عطلة يوم الجمعة وأول أيام الإجازة الصيفية التي حصل عليها من عمله، غير كورنيش المدينة الساحلية، بعدما تحول ارتياد المصايف إلى رفاهية لا يمكنه تحمل نفقاتها.

لم يكن ياسر وأسرته وحدهم الذين يرون في الجلوس على كورنيش المدينة الساحلية متنفسهم الوحيد للتنزه بأقل كلفة في ظل الظروف الاقتصادية المتعثرة، بل تحرص الغالبية العظمى من الأسر المصرية على الخروج إلى المتنزهات والحدائق العامة المجانية في كثير من المناسبات والأعياد.

يقول: "الجلوس على الكورنيش متعة من نوع خاص وبديل مناسب لمحاولة رسم البسمة على وجوه أبنائي الأربعة وتعويضهم عدم قدرتي على دخول الشواطئ والمطاعم الخاصة. فالكورنيش لا يتطلب مصاريف أو رسوماً عالية لرؤية البحر والاستمتاع بنسمات الهواء".

يضيف: "لسنا وحدنا من يفضل قضاء ليلته في الهواء المنعش على الكورنيش الذي جذب الكثير من المصطافين. مئات الأسر تفعل الشيء نفسه مع إنهاء أولادها مدارسهم، فالأمر لا يتطلب جهداً أو وقتاً للاستعداد لها. تكفي بعض السندويتشات المنزلية والمشروبات لإمضاء أجمل فسحة على الكورنيش".


تلتقط الحديث زوجته منى عرفة وهي ربة منزل. تقول: "الكورنيش يمثل للبسطاء فسحة رخيصة الثمن مقارنة بأسعار الشواطئ المرتفعة جداً، والتي تتطلب ميزانية خاصة". توضح: "لا شواطئ مجانية مناسبة في الإسكندرية وإن وجدت فهي من دون خدمات أو دورات مياه. والغالبية تغيب عنها الرقابة الحكومية ويتم استغلال المصطافين بإجبارهم على استئجار المظلات والكراسي بالإضافة إلى شراء المشروبات، وهو ما يمثل عبئاً على مواطن لديه أسرة مكونة من 5 أفراد مثلنا".

أما المهندس مجدي سليم فيرى أنّ الأسعار ليست وحدها التي أجبرته على هجرة الشواطئ، إنّما فرحة زوجته وأولاده بالمشي على الكورنيش، ومشاهدة غيرهم من الأسر والأطفال. وهو مشهد يريح الأعصاب ويزيل الهموم والمتاعب ويخفف من ضغوط العمل، كما يقول.

يطالب سليم الحكومة بمراعاة "الغلابة ومحدودي الدخل"، وذلك عبر تخفيض أسعار الدخول إلى الشواطئ. ويؤكد أنّ البحر هو المتنفس الوحيد للفقراء في فصل الصيف، ولا يمكن أن يضاهيه أيّ مكان آخر.

بدوره، يجد المتقاعد الحاج جابر منصور، وهو من مرتادي الكورنيش، أنّ الأخير متنفس لعامة الناس، وليس الأكثر فقراً فقط. لكن، تضايقه السلوكيات السلبية لبعض المواطنين. يعتبر "اللمّة" على كورنيش المدينة مع أسرته بديلاً مناسباً عن الإجازة الطويلة، وفرصة للتصييف في الوقت الحالي، بعد تقلص المساحات الشاطئية المخصصة لـ"الغلابة" على البحر وظروفهم الاقتصادية السيئة، بالترافق مع بدء شهر رمضان الذي يحتاج إلى نفقات وحده.

يتابع أنّ الملفت هذا العام حالة الازدحام وحرص العديد من الأسر من مختلف المستويات الاجتماعية على التواجد، وأمامهم أطفالهم، يمرحون، إلى جانب توافر العديد من الخدمات والأنشطة الترفيهية بالقرب منهم. فهناك من يبيع المثلجات والمشروبات والأطعمة، وغيرها من الاحتياجات التي تلزم المتنزهين بأسعار مناسبة.

من جهته، لم يجد حمادة رضوان، وهو عامل بناء، وسيلة للهروب من أجواء الحرّ التي تشهدها محافظة الإسكندرية، هو وأسرته، إلا الاستقرار أمام شاطئ البحر في منطقة المنشية. وهو شاطئ غير مجهز لارتياد المصطافين. لمواجهة الحرارة المرتفعة، شيّد خيمة أمام إحدى الصخور، وافترشوا الأرض، وارتدى الجميع ملابس البحر، فيما يلعب الأطفال في المياه وحدهم، بعيداً عن الشواطئ والكراسي والشماسي. وهكذا لا يتحمل رضوان أي نفقات أو رسوم إجبارية.

يتهم المحامي يوسف أبو سيف، وهو ناشط في حملة "مواطنون ضد الغلاء"، الأجهزة الحكومية بالاستمرار في سياسات من شأنها حصار الفقراء ومحدودي الدخل، في بيوتهم، ومنعهم من استغلال كلّ ما هو ترفيهي من حدائق أو شواطئ أو مسارح إلّا بعد دفع مقابل كبير جداً.

يقول: "طالبنا مراراً وتكراراً بإتاحة الحدائق والشواطئ العامة بأسعار مخفضة، خصوصاً أنّ استمرار الكبت يخلق بيئة خصبة للأفكار العدائية والإجرامية والإرهابية داخل النفوس، وهو ما لا تستطيع الدولة التعامل معه أو السيطرة عليه في ما بعد". كما يشير إلى رصد العديد من المخالفات في أسعار رسوم الدخول والخدمات المقدمة لمرتادي المتنزهات العامة من شواطئ وحدائق وغيره، وإبلاغ الجهات المختصة بها.