لا يمكن للمسلمين في أوروبا إلا أن يشعروا ببعض الغربة خلال شهر رمضان، في ظل اختلاف العادات والتقاليد ومواقيت الإفطار وغيرها. وتبدو وطأة هذا الشعور أكبر لدى أولئك الذين استقرّوا حديثاً في أوروبا، على عكس أولئك الذين اعتادوا العيش في بلدانها.
في البلدان العربية والإسلامية، عادة ما يحتفي الناس بقدوم شهر رمضان. يقصدون الأسواق لشراء كل ما يحتاجونه لإعداد وجباتهم المفضلة، خصوصاً تلك التي يشتهر بها هذا الشهر، على غرار العصائر والحلويات. وينجزون بعض أعمالهم بعد الإفطار، أي خلال الليل، علماً أن قوانين بعض البلاد تراعي الموظفين خلال هذا الشهر.
أما في البلدان الأوروبيّة، يتوجّب على المسلمين تدبّر أمورهم بأنفسهم. ونادراً ما تلحظ قوانين العمل احتياجات المسلمين الصائمين. لكن يعد هذا الأمر بسيطاً، خصوصاً أن مواقيت الإفطار في رمضان عادة ما تحلّ بعد الساعة التاسعة مساء، حين يكون غالبية الناس قد أنهوا أعمالهم.
إلى ذلك، تبدأ المشاكل المتعلّقة بصيام رمضان مع بداية الشهر الفضيل. ينقسم الناس في فرنسا بين من يصوم مع السعودية، أو يتبع الجمعية الإسلامية في مسجد باريس أو مسجد ليون وغيرهم. في هذا السياق، يقول أنس أبو عثمان، وهو مواطن فرنسي من أصل سوري، يعيش في بلدة صغيرة جنوب شرق باريس منذ نحو عشرين عاماً، إنه يحرص على الحفاظ على بعض طقوس هذا الشهر، لافتاً إلى وجود نسبة لا بأس بها من المواطنين العرب في مدينته، غالبيتهم من منطقة المغرب العربي. يضيف أنه نادراً ما تشهد البلدة الصغيرة التي يعيش فيها نشاطات جماعية. لكن في التجمّعات الكبيرة، تنشط المساجد والجمعيات الإسلامية خلال هذا الشهر، مشيراً إلى أن العائلات تدعو بعضها بعضاً لتناول الإفطار معاً، خصوصاً أولئك الذين يتحدرون من البلد نفسه. أما بالنسبة للسوريّين، فما زالوا قلّة ولم يشكلوا مجتمعاً متجانساً بعد.
يتابع أبو عثمان أن دور الجامع الصغير في البلدة ما زال محدوداً في ما يتعلّق بترسيخ القيم المشتركة بين المسلمين، وتكاد أنشطته تقتصر على إقامة الصلوات كما هو الحال في الأشهر الأخرى، وإن كان الإقبال على المسجد يتزايد بشكل ملحوظ خلال شهر رمضان. يلفت إلى أن الفرنسيّين يدركون أهمية شهر رمضان بالنسبة للمسلمين، ويحاول بعضهم مراعاة ذلك. يلفت أبو عثمان إلى أهمية أن "تُدرّب العائلات المسلمة أطفالها على الصيام"، لافتاً إلى أن من لا يصوم في صغره سيجد الأمر صعباً حين يكبر. كذلك، هناك الكثير من المغريات التي تجعل الشباب يخالفون دينهم.
من جهته، يقول محمد الحاج علي، وهو لاجئ سوري قدم إلى فرنسا قبل عام ونصف العام، ويعيش في إحدى ضواحي باريس حالياً، إن كلّ شيء هنا مختلف حتى إننا "لا نشعر بشهر رمضان. لا جيران أو أقارب يمكن مشاركتهم بعادات هذا الشهر. لا جامع يؤذّن أو محطة تلفزيونية تنقل الأذان. نعتمد على الساعة لتقدير موعد الإفطار". يرى أن طقوس شهر رمضان لا تكتمل إلا من خلال التسوق، وشراء كل ما يلزم لإعداد العرقسوس والتمر الهندي و"القطايف".
أما سعيد، وهو مواطن فرنسي من أصل مغربي، يقيم في فرنسا منذ أكثر من عشرين عاماً فيقول إن غالبية المسلمين هنا يعتمدون على المساعدات، نظراً إلى قلة فرص العمل، لافتاً إلى أن هذا يجعل رمضان شهراً للكسل بشكل عام. يمضي كثير من الناس غالبية أوقاتهم في بيوتهم، مع إغلاق المقاهي العربية والتركية أبوابها خلال هذا الشهر. يرى أن شهر رمضان يبقى من دون نكهة في البلدان غير الإسلامية، لأنّ الجو العام لا يساعد على إحياء التقاليد الإسلامية في ظلّ قلّة المبادرات بين المسلمين أنفسهم، وانكفائهم إلى شؤونهم الخاصة، مع غياب جهات فاعلة تحيي نشاطات مشتركة بين العرب والمسلمين في هذا الشهر.
في هذا الإطار، يقول فراس، وهو مواطن عراقي قدم إلى ألمانيا قبل نحو عامين، إنه لم يستطع حتى الآن التكيّف مع البلد الجديد، خصوصاً في شهر رمضان. يعرب عن اشتياقه إلى أيام رمضان التي عاشها طوال أربعة عقود في بغداد. يضيف فراس، والذي التأم شمل عائلته قبل فترة قريبة، أنه سعيد كونه يقضي رمضان هذا العام في كنف عائلته، ما منحه بعض الدفء خلافاً للعام السابق. مع ذلك، يشير إلى أنه لا يمكن المقارنة بين أجواء بغداد وألمانيا، لافتاً إلى أن العائلات العربية التي تقيم في البلدة التي يعيش فيها قليلة. كذلك، يلفت إلى أن بعد المسافة بين هذه العائلات يجعلهم عاجزين عن تبادل الزيارات، فيمضي غالبية وقته مع عائلته.
أما ختام التي تعيش وزوجها في إحدى القرى النائية في السويد، فتشكو من طول فترة الصيام التي تصل إلى عشرين ساعة يومياً. تشير إلى أن هذا الأمر يفقد الشهر نكهته، عدا عن غياب السهر بين الأقارب والأصدقاء، وصلاة التراويح، وغيرها.
لا يختلف رأي عبدو أبو زيد، الموجود في هولندا، عمّا قالته ختام. أكثر ما يزعجه عدم وجود لحم حلال في غالبية المحال، ما يجعله يقضي الكثير من الوقت باحثاً عن لحم حلال. كذلك، فإن الجوّ العام لا يعدّ مشجعاً.
تبقى المساجد والمراكز الإسلامية الجامع الأبرز للمسلمين في البلدان الأوروبية، وتمنحهم فرصة للتلاقي والتعبير عن أنفسهم وثقافتهم.