أمثلة وهمية

22 نوفمبر 2016
هي وهم بالنسبة إليك (دان كيتوود/Getty)
+ الخط -
الانسلاخ عن الواقع بات أسهل بكثير في أيامنا هذه، وأكثر انتشاراً عمّا كان من قبل. حتى التلفزيون الذي كان السالخ الأبرز، وقد أطاح بالمجلات والجرائد والكتب، بات اليوم في درجة متخلفة عن الإنترنت وما فيها من معلومات متطايرة هنا وهناك حول أمثلة يراد لها أن تكون مثالية، فتغدو مجرد وهم في عدم واقعيتها... أي في عدم القدرة على تحقيقها في واقعنا الاجتماعي تحديداً.

هي ربما موجودة وواقعية بالنسبة إلى مجتمعها، لكنّ إسقاطها إسقاطاً خارج بيئتها الاجتماعية التاريخية، يجردها من تلك الواقعية، ويحولها إلى مجرد وهم.

تلك السيارة التي يبلغ ثمنها مليوناً ونصف مليون دولار موجودة في مكان ما... لكنّها وهم بالنسبة إليك. وهم يتعبك الغرق فيه. هو ليس حلماً تطير فيه مع رغباتك المحبوسة باحتراف وتلقائية منذ اصطدمت بواقع عدم قدرتك على شراء دراجة هوائية أو "ووكمان" أو حتى حذاء رياضي. هو واقع، وأنت خارجه. وطالما لجأت إلى الحلم في سبيله فإنّه واقع وهمي تعترف ضمنياً بوهمه، وتعرف أنّك بعيد جداً عن أولئك الذين لا يكون وهماً بالنسبة إليهم.

الوهم متعب حين تغرق فيه من دون إدراك، لكنّه ليس كذلك حين تدركه ولا تخوض فيه. دعه هناك راقداً لا حول له ولا قوة من دونك. أنت لست في تلك السيارة. هي وهم بالنسبة إليك كونك لست قادراً على اقتنائها، ولا تملك تلك القابلية حتى. أنت تعرف نفسك. تعرف أنّك موجود، وبما أنّك موجود فإنّك لست وهماً.

ضع وجودك والسيارة في ميزان بكفتين متقابلتين، وستميل كفتك إلى أقصى حد. الحلم والطموح حليفان مزعجان لئيمان مضللان يحملان إليك بشاعة في وجه جميل. يعدانك بما لا تستطيع أن تفعل. يرشدانك إلى طريق سار عليها مالك السيارة المليونية فوصل إليها وإلى قصور وشركات وملايين في البنوك معها. يقولان لك: خذ "تسلّم أول الخيط". هيا ابدأ "درب الألف ميل يبدأ بخطوة". و"كلّ من سار على الدرب وصل".

أساساً، نحن لا نذكر إلاّ الواصلين على قلتهم، ونغفل عن ملايين المحاولين الذين أخفقوا في الوصول. أولئك لا مصلحة لنا في تذكرهم خلال عملنا في إعادة إنتاج الحلم المضلل نفسه.
إذاً، أنت بالذات أين وصلت؟ لا مكان محدداً، ما زلت هنا، لا أرغب أساساً في تلك السيارة وإن أردت أن أصل إليها فهي ليست هدفاً. قد يكون الهدف منع أيّ كان من التباهي بملكيتها.

لكنّها وهم لا أكاد أراه، وإن رأيته صدفة فهو غير ذي صلة بدربي المختلف عن درب إعادة إنتاج الضلال. دربي الذي لا يصل، بل يفعل وهو في مكانه بالذات، فإن انتقل طولاً وعرضاً وأعلى وأسفل، فإنّه يتغير من حال إلى حال، ولا يرتبط بمدار أزلي مرسوم، يحكم الجميع بالدوران في إطاره ويمنعهم من الخروج عنه.

المساهمون