بفارغ الصبر، ينتظر الأهل ولادة أبنائهم. لكن كثراً لا يحسبون حساب الوضع المبكر أو معاناة أحد هؤلاء الصغار حديثي الولاة من مشكلة صحيّة، ما يستوجب توفّر حاضنة خاصة. ويكبر الهمّ وسط أزمة حقيقيّة في الحاضنات في مستشفيات الإسكندريّة.
لم يشعر محمود إبراهيم بالفرحة عندما أبصر طفله البكر النور، بعد انتظار طال ثمانية أعوام. ولا يعود ذلك إلى نقص في النموّ من جرّاء ولادته قبل أوانه فحسب، وإنما لعدم توفّر حاضنة له. طبيب الصغير المعالج في أحد مستشفيات الإسكندريّة، أعلمه بأنه في حاجة ماسة إلى حاضنة. وفي حال لم تتوفّر، فإن صحّته سوف تتدهور أكثر مع الوقت، الأمر الذي يشكّل خطراً على حياته.
ومع مرور الوقت، تحوّل غياب فرحة الوالدَين إلى خوف وقلق، بعدما أدركا أن ما من مكان متوفّر لاستقبال "ضناهما" الوحيد في المستشفيات الحكومية. ثمّة عجز كبير في عدد الحاضنات بالمقارنة مع عدد الأطفال الذين يحتاجونها، إما لأنهم مبتسرون أو مصابون بأمراض تستوجب ذلك.
ومعاناة محمود بدأت عندما شعرت زوجته بآلام المخاض قبل الأوان. حينها، رفض المستشفى استقبالها قبل توقيع الزوج على إقرار بتحمّله مسؤولية توفير حاضنة إذ إن المستشفى معفى تماماً من ذلك، أو نقل الولّادة إلى مستشفى آخر.
يروي محمود رحلة بحثه المضني عن حاضنة، بينما الحزن يخنقه وعيناه مغرورقتان بالدموع. يقول: "وقّعتُ على إقرار للحفاظ على الأم والجنين، وبدأت اتصالات ماراثونية مكثفة بجميع الأهل والأصدقاء والمسؤولين، بحثاً عن حاضنة شاغرة. للأسف، باءت كلها بالفشل، وهو ما زاد خوفي على حياة ابني الذي كان يتنفّس بصعوبة بالغة والذي بدأ لونه يتغيّر مع الوقت، في حين كنت عاجزاً عن إنقاذه". يضيف: "مع قلة حيلتي وتكرار عبارة كامل العدد في معظم المستشفيات التي طرقت أبوابها، توجّهت إلى أحد المراكز الطبية الخاصة. فوجئت بالأسعار الخيالية التي لا تتناسب وإمكانياتي. كانت تتراوح ما بين 500 وألف جنيه مصري (64 - 128 دولاراً أميركياً) في الليلة الواحدة على أقل تقدير. ولأن ما من حلّ آخر، اضطررت إلى الاستدانة لتجاوز الأزمة".
حكاية إبراهيم ليست معزولة. فالخشية على حياة حديثي الولادة الذين يحتاجون إلى عناية خاصة في الحاضنات، تتكرر يومياً مع أسر مختلفة.
اقرأ أيضاً: الألعاب قد تقتل أطفال مصر
في السياق، يشير نقيب الأطباء السابق الدكتور محمد البنا إلى أن "بيانات وزارة الصحة تفيد بأن المستشفيات الحكومية غير قادرة على مواجهة الطلب المتزايد على الحاضنات، في وقت يعاني معظمها من نقص في الإمكانيات وندرة الكفاءات البشرية من أطباء وهيئات تمريضيّة". ويؤكد أن "أزمة نقص الحاضنات تحوّلت إلى كابوس مخيف، ساهم في تفاقم معاناة كثيرين من ذوي الدخل المحدود. فالمستشفيات خصوصاً تلك الحكوميّة، ترفض إبقاء الأطفال المبتسرين فيها". يضيف أن "نصف الرضّع حديثي الولادة يحتاجون إلى حاضنات، والمتوفّر لا يكفي إلا 10% منهم. فيعرّض معظم هؤلاء للموت".
ويوضح البنا أن "المستشفيات الخاصة والجمعيات الأهلية توفّر حاضنات، إلا أنها ليست على المستوى المطلوب ولا تلبّي المعايير والمواصفات المطلوبة ولا تخضع للرقابة الكافية من قبل الدولة. وهو ما يبدو واضحاً في شكاوى المواطنين الذين يشيرون إلى غياب العناية والكوادر الطبية اللازمة المدرّبة على التعامل مع الأطفال حديثي الولادة. وهو ما يعدّ من أهم تحديات قطاع العناية الفائقة باختلاف أنواعها".
من جهتها، تقول إحدى الممرضات - رفضت ذكر اسمها - العاملات في مستشفى الشاطبي للنساء والتوليد إن "الأطباء يعمدون إلى ما يسمّونه المدفأة كبديل عن الحاضنات، لمساعدة الأطفال في انتظار شغور حاضنة. ودرجات الحرارة التي توفّرها، تساعد في استقرار حالة الطفل". وتلفت إلى أن "المدفأة حلّ مصري خالص، لا يتوفّر في أي دولة أخرى. هو ببساطة لا يقدم ولا يؤخر، لا بل على العكس يؤدّي في أحيان كثيرة إلى تشوّهات ومستجدات لا يحمد عقباها، في حال ترك الطفل فترات طويلة فيها أو وضع بين آخرين في الجهاز نفسه. ذلك من شأنه أن يعرّضه إلى عدوى ما أو سقوطه مثلما حدث في مرات كثيرة". وتوضح الممرضة أن "رواتب الهيئات التمريضية في المستشفيات الحكومية والجامعية، هزيلة ولا تتناسب مع المجهود والضغوط النفسية. وهو ما يضطر العاملين إلى تفضيل المستشفيات الخاصة".
إلى ذلك، تقول أستاذة طب الأطفال وحديثي الولادة الدكتورة هويدا النمكي إن "المستشفيات تستقبل في كل يوم آباءً كثيرين يلهثون بحثاً عن حاضنة. أما الردّ فيكون ضرورة الاتجاه إلى الحاضنات الخاصة، على الرغم من ارتفاع أسعارها وعجز الفقراء عن تحمّل كلفتها". وتلفت النمكي إلى أن أحد الأسباب الأساسيّة لتفاقم أزمة نقص الحاضنات هو النقص في العنصر التمريضي. الممرضة ترعى ما لا يقل عن ثماني حالات بين حرجة وبسيطة في حاضنات المبتسرين، وتواجه صعوبات كثيرة، خصوصاً إذا كانت الخبرة تنقصها أو لم تتلق تدريباً كافياً". وتطالب وزارة الصحة بتحمل مسؤوليتها تجاه الآباء والأمهات، "وعدم تعريضهم إلى التسوّل من أجل توفير حاضنة لأبنائهم حديثي الولادة". تضيف: "إما أن توفر الوزارة الحاضنات أو توقّع بروتوكولات إجبارية مع المستشفيات الخاصة لاستقبال عدد معين من الحالات يومياً، على أن يكون ذلك من ضمن شروط تجديد تصاريح عملها".
من جهته، يقرّ وكيل وزارة الصحة في الإسكندرية الدكتور مجدي حجازي بـ "أزمة العجز الكبير في عدد الحاضنات، الذي غالباً ما يهدد الأطفال حديثي الولادة ويعرّض حياتهم للخطر"، مؤكداً أنه تلقى تقارير وشكاوى مواطنين تضرّروا من جرّاء ذلك. ويقول إن "البحث عن حاضنة شاغرة في أقسام المبسترين هو مسؤولية إدارة المستشفيات بالتنسيق مع غرفة الطوارئ في المديرية"، مشدداً على أنه "من غير المقبول أن يعمد أهل الطفل بأنفسهم إلى البحث وكأنهم يتسوّلون للحصول على الخدمة الطبية. هذا يتعارض مع القانون والأعراف الطبية والإنسانية". ويلفت حجازي إلى إطلاق صفحة إلكترونية على شبكة الإنترنت للتنسيق اليومي بين مسؤولي الطوارئ في المديرية والمستشفيات لمعالجة الوضع، بالإضافة إلى المضيّ في دراسات حول الموضوع.
اقرأ أيضاً: للشقيانين في مصر رمضانهم