"اللحوم أصبحت من المحرمات في أيام الحرب هذه". بهذا تعبّر أم رامي فضل عن عدم قدرتها على شراء اللحوم لأطفالها. هي تعيش في مدينة عدن (جنوب اليمن) التي تشهد اشتباكات مستمرة منذ شهرين ونصف الشهر. وتختصر أم رامي افتقاد الأسرة اليمنية المحاصرة للحوم بسبب ارتفاع أسعاره إلى مستويات قياسية.
وكانت الأسر اليمنية بمعظمها في مدينتي عدن وتعز (وسط) قد امتنعت عن شراء لحوم الأبقار والأغنام نظراً لندرتها، بسبب إغلاق المسلحين الطرقات. بالتالي وصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى أربعة آلاف ريال يمني (نحو 20 دولاراً أميركياً) في بعض أحيائهما.
يخبر عبد القوي الحمري من محافظة عدن، بأنه لم يشترِ اللحوم لأسرته منذ أكثر من شهرين على الرغم من أن هذه السلعة أساسية. يقول: "الأهالي هنا اليوم يفضلون شراء الدجاج، وإن كانت أسعارها مرتفعة مقارنة بالسابق. وقد امتنع الناس عن اللحوم الحمراء لغلاء أسعارها أو لاستحالة تخزينها بسبب الحر الشديد وانقطاع الكهرباء المستمر".
بالنسبة إلى علوية الريمي من العاصمة صنعاء، "لم تعد اللحوم لنا، بل للمسؤولين (الأغنياء) فقط". وتؤكد أن أسرتها لم تعد قادرة على شراء أي من أنواع اللحوم كما اعتادت، إذ إن موازنة الأسرة لم تستطع مجاراة ارتفاع أسعارها الجنوني. وتقول: "كان زوجي يعمل في إحدى شركات الاستيراد والتصدير، لكنها أقفلت أبوابها منذ بدء المواجهات وفرض الحظر الجوي والبحري على حركة التجارة مع الخارج". بالتالي، هو غير قادر على توفير معظم احتياجات المنزل الأساسية. وتشير إلى أنه "في السابق كنا نأكل اللحوم مرتين في الأسبوع، لكننا امتنعنا عنها نهائياً. وأحياناً نكتفي بشراء الوزف (سمك صغير مجفف) كبديل، ونستخدمه في عدد من الأطباق، بما فيها السلته أو في أطباق الأرز".
من جهته، يشتري فتح الآنسي ما يسمى بلحم الفقراء، أي العدس "لاحتوائه على فوائد غذائية مشابهة لما تحتويه اللحوم". كذلك يلجأ إلى الكوارع الأقل ثمناً، كبديل للحوم يوفر له المرق أسبوعياً على الرغم من أن أسعارها مرتفعة مقارنة بالسابق. ويلفت إلى أن الحرب أثرت سلبياً
على إمكانياته المادية، الأمر الذي دفعه إلى اللجوء إلى بدائل أرخص ثمناً.
تجدر الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من الأسر تعمد إلى شراء أحشاء الذبيحة مثل الكلاوي والأمعاء والكروش، نظراً إلى أسعارها المتدنية مقارنة بأسعار اللحوم. لكن الإقبال المتزايد عليها تسبب في ارتفاع أسعارها أيضاً. وتختلف أسعار اللحوم بناء على نوعيتها أو مكان بيعها. في صنعاء، وصل سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الأغنام إلى 2600 ريال (12 دولاراً)، وهو أيضاً سعر الكيلوغرام الواحد من لحم العجل. أما سعر لحم الأبقار، فوصل إلى 2000 ريال (10 دولارات).
إلى ذلك، وفي بعض المحافظات الريفية، حافظت أسعار لحوم الأبقار والماعز على استقرارها وقد فسّر تجار المواشي ذلك بأن هذه المحافظات تتميز بثروتها الحيوانية، بالإضافة إلى أن غلاء أسعار اللحوم ناتج عن ارتفاع تكاليف النقل.
يشكو اللحام علي حيان من تراجع كبير في الإقبال على شراء اللحوم منذ اندلاع الحرب في أواخر مارس/آذار الماضي. يقول: "ما من إقبال على شراء اللحوم. ومن كان يشتري في السابق كيلوغراماً واحداً، أصبح الآن يشتري نصفه. ومن كان يشتري نصف كيلوغرام، يشتري اليوم ربع كيلوغرام". ويشير إلى أن عدداً كبيراً من الأهالي في محافظة المحويت (غرب) لم يعودوا يشترون اللحوم.
ويعيد حيان أسباب ارتفاع أسعار اللحوم في المدن إلى صعوبة التنقل وارتفاع أسعار المحروقات وفقدانها من الأسواق لفترات طويلة، لكنه يلفت إلى أن أسعار المواشي انخفضت في المناطق الريفية بسبب عدم قدرة أصحابها على نقلها إلى المدن وبيعها.
اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة: احتياجات اليمن الإنسانية تتزايد بلا استجابة