وحدة ألمانيا: ربع قرن من فوارق الشرق والغرب

07 أكتوبر 2015
مسيرة احتفالية في الذكرى الـ 25 للوحدة (Getty)
+ الخط -
في الثالث من أكتوبر 1990 توحدت رسمياً "جمهورية ألمانيا الديمقراطية DDR" مع "الجمهورية الاتحادية (ألمانيا الغربية)"، وهو توحد أخذ عاماً من التفاوض بعد سقوط جدار برلين ووضع الحرب الباردة لأوزارها عند الحدود الفاصلة لعاصمة البلدين المقسمة طيلة عقود بتأثيرات داخلية وخارجية.

وبالرغم من الاتحاد المحتفى به رسمياً وشعبياً، مع استثناءات غير راضية، فإن مشاعر وتعبيرات الانقسام ما تزال قائمة "وخصوصاً في المجال الاقتصادي"، بحسب ما يعبر خبراء في الشؤون الألمانية مثل بيرغيت فراوك ستويبر، الأستاذة الضيفة في "مدرسة الاعمال في كوبنهاغن" CBS.

مع تدفق عشرات، بل مئات آلاف المهاجرين نحو ألمانيا الموحدة، يسري انطباع بأن ظروف ألمانيا ربما تكون ضامنة اقتصادية لهؤلاء اللاجئين والمهاجرين، لكن نظرة متفحصة لماهية الواقع وما يخرج به الخبراء تعكس شيئاً مختلفاً.

تستشهد بيرغيت ستويبرغ على تلك الفوارق بين شرق وغرب ألمانيا بالقول إن "مستوى الحياة في الغرب ما يزال أعلى من مثيله في الشرق الألماني".

فروقات اقتصادية
ما تزال فروقات "الأجور والرواتب" واضحة، ففي الشرق تنخفض الرواتب وترتفع نسب البطالة ومتوسط الأعمار. وتظهر تقارير وأرقام العام الماضي فقط، بعيداً عن احتفالية هذا العام بمرور يوبيل فضي، كم هو الفارق في الأجور بين الشرق والغرب. في برندبورغ فإن الأجور هي 20 بالمئة أقل في المتوسط مما هي في ولايات الغرب، وبرندبورغ هي الولاية التي تحيط بالعاصمة الألمانية برلين. هذا مع غياب الكثير من الخدمات في تلك المقاطعة التي هجرها الكثير من الشباب، إما نحو برلين أو بقية الولايات الغربية. تلك الهجرة يطلق عليها الألمان الشرقيون "هجرة الأدمغة" وخصوصا لوصف الالتحاق بالجامعات في الغرب الألماني، وتحديدا لمن يبحث عن دراسة الفيزياء والكيمياء والرياضيات.

بعد ربع قرن، ما تزال تعيش شرق ألمانيا ضعفاً في الحياة النقابية التي تأخذ على عاتقها الكفاح من أجل رفع مستوى حياة العمال والموظفين كما تفعل في الجزء الغربي. الشركات الغربية في مجملها تعتمد على تشغيل الألمان "الشرقيين" بأجور متدنية. وبحسب أرقام نشرتها "زايت أونلاين" فإن الدخل الذي يحصل عليه الشرقي والغربي يصرف في ذات الاتجاه. فحوالي نصف الدخل يذهب لسداد أجرة المنازل، آخذين بالاعتبار بأن ألمانيا هي من أكثر الدول الأوروبية التي يعيش سكانها في منازل وبيوت مؤجرة وليست مملوكة على عكس إيطاليا وإسبانيا مثلا، والطعام واللباس في الجانبين.

مشروع هيلموت كول
حين تتذكر الصحف ووسائل الإعلام هيلموت كول، كالأب الروحي لوحدة ألمانيا، يحضر برنامجه المسمى "برنامج النقاط العشر"، الذي لم يستشر حوله المستشار المحافظ دول حليفة له كفرنسا ولا حتى حلفاءه في الحكومة الغربية، معتبرا إياه "برنامج التنمية الوطنية". ذلك البرنامج الطموح لهيلموت كول تجاوزته فواتير التنمية بمرات وعجز عن إزالة الفروق الاقتصادية بسرعة وأصبحت العملية أبطأ مما تمناه وهو ما ذهب إليه معهد الاقتصاد "ايفو" في درسدن، حيث كلفت الوحدة صرف المقاطعات الشرقية 1.5 بليون يورو زيادة عما كان مخصصاً لها ولمواطنيها.

تلك المصاريف الإضافية دفعها المواطن الألماني من خلال ما سمي "صندوق التضامن" كمساهمة بنسبة 5.5 بالمئة من دخله بهيئة ضرائب، وهو أمر سيتوقف بعد 4 سنوات.
الاستقطاعات كانت تذهب لبنية تحتية في القسم الشرقي وتجديد المؤسسات والمقاطعات كما حدث في دريسدن ولايبزيغ. وبالرغم من انخفاض البطالة في 2005 في ألمانيا والقسم الشرقي إلا أنها في الأخيرة تبقى فوق المعدل الوسطي لبقية الجمهورية الاتحادية.

اللافت أن تقاليد سوق العمل في ألمانيا الشرقية السابقة كانت وما تزال أكثر تفوقا من ناحية انخراط المرأة فيه، وخصوصاً بعد أشهر قليلة من وضع المواليد وذلك بعكس ما يحصل في الغرب مع إجازات أمومة طويلة. بل إن بعض المتخصصين في الديموغرافيا الألمانية يعترفون بأنه في الشرق منها ما تزال أرقام الولادات أعلى مما هي في الغرب وهذا يعني الحاجة إلى روضات وحضانات أطفال أكثر من مثيلاتها في الغرب.

اقرأ أيضا:25 عاماً على الوحدة... أوروبا أصبحت ألمانيّة

تقارير أوروبية مختلفة، ومنها أوكسفام، تحدثت عن اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء في أوروبا، وتصاعدها خصوصا في منطقة اليورو حيث لوحظ وجود "50 مليون إنسان في عام 2013 غير قادرين في أوروبا على تدفئة منازلهم في الشتاء أو تغطية مصاريف طارئة"، إلا أن ألمانيا شهدت أيضا فروقا في الدخل والأجور بين النساء والرجال. في التقرير المشار إليه لأوكسفام ترتفع نسب الفقر في ألمانيا إلى 12 بالمئة، وأغلب تلك النسب هي في الشرق الألماني.
في قليل من الدول الأوروبية، يمكن ملاحظة الفروق الكبيرة التي توجد في ألمانيا لناحية الثروات وتوزعها غير السوي، ففي الغرب الذي يحتوي على حوالى 66 مليون مواطن ما يزال المواطنون يملكون ضعف ما يملكه 16 مليون ألماني شرقي. وليس بالضرورة أن يكون الألمان الغربيون هم الأغنى أوروبيا، لكن أمام الفقر الشرقي سيبدو سكان ومواطني ألمانيا الغربية كذلك هذا بحسب مستويات الغنى والفقر الغربية في الاتحاد الأوروبي تحديدا.

السعادة
يعتبر مؤشر السعادة واحداً من المقاييس التي تبحث في مدى رضى أو عدم رضى الشعوب من البنى القائمة في مجتمعاتها، وخصوصا في المقاييس الاقتصادية لحياة المواطن، ورغم ذلك الجهد الألماني لتبوء المكانة الرفيعة بعد الوحدة والرضى العام إلا أن نتائج مقاييس السعادة للعام 2014 ذهبت إلى أرقام تبين الفارق بين شرق وغرب ألمانيا، بدرجات معيارية تستخدمها مؤسسات القياس الأوروبية والعالمية نجد بأن شرق ألمانيا تحتل أرقاما تتراوح من 6.5 إلى 6.8 في مقاطعاتها الجنوبية بينما في الغرب تتراوح من 6.9 و7.1 كلما اتجهنا شمال غرب نحو هامبورغ وبريمن. المقياس من 10 يوضح درجات الافتراق حتى في مسألة السعادة بين المقاطعات وليس بين الدول كما في قياس السعادة بين السويد والدنمارك كبليدين مستقلين وان انتميا لنفس الخلفية الإسكندنافية.

اللغة
وبالرغم من مرور 25 سنة على الوحدة فإن ظاهرة مثيرة بحق أن يذهب علماء اللغة للنبش في الفوارق اللغوية التي يستخدمها الشرقيون والغربيون في ذات البلد. ويستند هؤلاء إلى ما يسمونه "مؤثرات الثقافة" التي عاشها الشعبان. ففي حين يسمي الألمان الشرقيون متاجر البيع الكبيرة "كاوفهالي" KAUFHALLE فإن سكان الغرب يسمونها سوبرماركت، وهي مفردة لا يستخدمها الألمان الشرقيون حتى يومنا. بل هناك كلمات كثيرة متعلقة حتى بوصف الطعام تختلف بين الشرق والغرب، حيث تطور الشعبان في اتجاهين مختلفين. ولأجل التقارب ألف مختصون باللغة معاجم بمفردات ألمانية شرقية تحتوي على 3000 كلمة خاصة لايجاد مرادفات غربية لها، وقد علق الصحفي الألماني في "داي فيلت" DIE WELT ماتياس هيني بأن ذلك يعتبر "3 بالمئة من اللغة الألمانية احتاجت لمعاجم بين الألمان في عصر الوحدة".

وما تزال الكلمات الشرقية منتشرة مع انتشار الاختلاف في إطلاق الأسماء على المواليد حتى ففي الشرق يطلقون "دورين" وفي الغرب "دورثي" على المولودات الجدد.

ويعترف الألمان بأن مواطنيهم من الجزء الشرقي ما يزالون متأثرين بثقافة الحقبة الاشتراكية، حتى في مجال متابعة التلفزة وتقصي المعلومات ففي مقاطعة ساكسن يقضي المواطن بالمتوسط 277 دقيقة مشاهدة يومية للتلفزيون كمصدر رئيسي للترفيه والمعلومات. ويعترف هؤلاء بأنهم يتعرفون على أخوتهم في الغرب من خلال التلفزيون. أما في الناحية الشبابية فلا يوجد فروق كبيرة بين الشرقيين والغربيين من ناحية الشعور بالانتماء المشترك لبلدهم وذلك بحسب دراسة قدمتها ديرشبيغل في أكتوبر العام الماضي حيث قال 44 بالمئة من شباب الغرب بأنهم تعرفوا على الشباب الشرقي من خلال التلفزيون. وما يراه الشباب الألماني من فروقات هو ليس بين الشرق والغرب بل بين الشمال والجنوب في بلدهم بحسب ذات الدراسة لدير شبيغل للفئة العمرية 16 إلى 29 سنة.

اقرأ أيضا:الرئيس الألماني: اندماج اللاجئين سيتمّم الوحدة الداخلية للبلاد
المساهمون