رقصٌ حتى الصباح

رقصٌ حتى الصباح

16 اغسطس 2014
قتل العشرات بسنجار بينهم 40 طفلاً (مجاهد محمد/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

لم تكتب شيئاً على الورقة البيضاء التي وضعتها المعالجة النفسية أمامها. تأملتها طويلاً. راحت تفكر في الكلمة المناسبة لتبدأ سرد حياتها...

أخبرتها عن ذلك الديك الذي كان يزورها ليلاً حين تخلد إلى النوم. كان ضخماً، يقف في زاوية الغرفة مبتسماً، ويحمل فرشاة أسنان. يتأملها طويلاً. كان قادراً على رؤية الخوف في عينيها. مع ذلك لا يغادر سريعاً. عرفت الأرق منذ ذلك الوقت. والخوف أيضاً.

أخبرتها أنها امتهنت الرقص في خيالها، لأنها لم تُحقّق حلمها بتعلّم "الباليه". هناكَ من أصرّ على منع جسدها من التصرّف على طبيعته. و"الباليه" طبيعة. يستمتع به الحضور كما يستمتعون بالورود والعصافير. كلّما شعرت بالتعب، تُشغّل الموسيقى في ركن خاص في رأسها، وترقص حتى تُفرغ تلك الحمولة الجاثمة فوق صدرها. الفرق أنها في المكان الجديد، لا تتعبُ من الرقص.

أخبرتها أنها تتوقُ إلى الجلوس في حضن والدها. لكنّ قدميها تتجمدان في مكانهما كلّما أرادت أن تفعل ذلك. نقلت حضنه إلى مخيّلتها أيضاً. تمارسُ حقها كطفلة ومراهقة وامرأة باكتشاف أنوثتها في هذه المراحل الثلاث مع الرجل الأول في حياتها. لم تكن تريد إلا تطبيق بعض من نظريات "فرويد". أرادت عاطفة فقط.

قالت أشياء كثيرة. تبحث دائماً عن البدايات. إلا أنها تجد نفسها عالقة في الوسط دائماً. تدور حول نفسها. تقترب من الحدود فتُهدّئ من روعها. ثم ما تلبث أن تعود إلى الوسط، وتدور حول نفسها من جديد. لكنها نقلت كلّ شيء إلى مُخيّلتها. في كوكبها هذا، لا تعيش إلا البدايات.
---

بعيداً عن أحداثها هي، تجري حولها أحداثٌ كثيرة. في سنجار (غرب الموصل) المحاصرة من الدولة الإسلامية "داعش"، قالت منظمة "يونيسيف": إن العشرات قتلوا، بينهم أربعون طفلاً. سُبيت نساء أيزيديات ومسيحيات تمهيداً لبيعهن. ونزحت نحو 50 ألف عائلة إلى جبل سنجار، من دون أن تنجو من الحصار. بعض العائلات لجأت إلى رمي أطفالها من قمم الجبال، كي لا يموتوا خوفاً أو عطشاً أو ذبحاً.

في قطاع غزة، ارتفعت حصيلة شهداء العدوان الإسرائيلي إلى أكثر من 1945، بينهم نحو 449 طفلاً. الموت يلاحق مناطق أخرى أيضاً. عرسال اللبنانية وغيرها.
---

تحزنُ قليلاً قبل أن تعود إلى أحداثها هي. لا تعتب كثيراً على نفسها. تؤمن أن البشر أنانيون. كما أنها عاجزة إلا عن البكاء على حالهم، أو منحهم بعض الثياب القديمة. لم تُحسم الحرب في داخلها بعد، لتنتقل إلى حروب الآخرين. مع ذلك، باتت كالرحالة تتنقل بين الأحداث. لكنها وجدت الحل. صارت تنقلهم معها إلى مخيلتها. لا موت هناك. فقط رقصٌ حتى الصباح.

المساهمون