فتاوى خدمة الطغيان: السيسي رسولاً

08 فبراير 2014
+ الخط -

"ابتعث الله رجلين، كما ابتعث وأرسل من قبل موسى وهارون، وأرسل رجلين ما كان لأحد من المصريين أن يتخيل أن هؤلاء من رسل الله، وما يعلم جنود ربك إلا هو".
هذان الرجلان هما وزير الدفاع المصري، الفريق عبد الفتاح السيسي، ووزير الداخلية، اللواء محمد إبراهيم، على حد قول أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر، الدكتور سعد الدين هلالي. يتمادى هلالي فيؤكد أن وزير الدفاع ووزير الداخلية قد "خرجا لتحقيق قول الله، وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله".

سبقه من قبل مفتي مصر السابق، الدكتور علي جمعة، قبل ثلاثة شهور، قائلاً إن "السيسي مؤيد من الله ورسوله والشعب المصري".
هكذا وصل حملة المباخر ذروتهم في تلميع رجالات النظام الحالي أن جعلوهم في مرتبة الأنبياء والرسل. حتى قال أحدهم في معرض الدفاع عن ترشيح السيسي رئيساً لمصر على الرغم من خلفيته العسكرية:  "النبي محمد صلي الله عليه وسلم كان نبياً بخلفية عسكرية".

فتاوي بتطليق الاخوانية وأخرى تدعو الى قتل أعضاء الجماعة

بدأ الإعلاميون الحملة بتلميع وزير الدفاع وتصويره على أنه منقذ مصر، وتلقفها المثقفون وزادوا بأنه "حرر" مصر، في تعبير يوحي بأنها كانت محتلة، ثم صوروا أنه لا مستقبل لمصر من دون السيسي حتى دخل رجال الدين على الخط.

من رجال الدين من بدأ عمله مبكراً في الخفاء بتحميس جنود وضباط الجيش على قتل المعتصمين السلميين وتصويرهم على أنهم أعداء الوطن، فوكيل وزارة الأوقاف، الشيخ سالم عبدالجليل، وصفهم بأنهم "بغاة يجب قتلهم". وعلي جمعة حرَض علانية على قتل المعتصمين وقالها صريحة، في حفل تكريم وزير الداخلية على فضه ميداني رابعة والنهضة، "طوبى لمن قتلهم وقتلوه".

سقطات هؤلاء النفر من رجال الأزهر وغيرهم كثير، وكأنهم يتسابقون في ماراثون تقديس السيسي وتحريف الآيات عن مواضعها حتى وصل الشطط ببعض إلى التفريق بين الخصوم السياسيين وبين أزواجهم  لانتماءاتهم السياسية.

الطلاق على الهوية
"كل زوج يجد زوجته تابعة للإخوان عليه أن يطلقها". هكذا أفتى الشيخ مظهر شاهين، إمام وخطيب مسجد عمر مكرم، على غير دليل من الكتاب والسنة بإباحة تطليق "الزوجة الإخوانية"، مكرساً بذلك القطيعة المجتمعية التي يسعى إلى بثها النظام الحالي ضد فصيل كبير من أبناء هذا الوطن، مضيفاً أنه "من غير المعقول أن تكتشف أن زوجتك التي تنام جوارك هي خلية نائمة تابعة للجماعة الإرهابية وأنت لا تعلم»،
وشط شاهين في فتواه العجيبة: "لا مانع أن يضحي الرجل بزوجته إذا كان هذا في مصلحة الوطن، فالتضحية بالأشخاص واجبة في سبيل الوطن". ويزيد الطين بِلّة فيربط ذلك بالمصلحة الوطنية ويتحدث بلسان رجل الأمن فيقول: "لو تعارضت مصلحة الزوجة مع المصلحة الوطنية يأتي البلد أولا، وهذا ما يسمونه فقه الأولويات، ويعني أن أضحي بمراتي ولا أضحي بمصر". وكأن العمل لدى أجهزة المخابرات من أساسيات الزواج.

فسخ الخطبة
في اليوم التالى لهذه الفتوى، التي أثارت عاصفة من ردود الأفعال المستهجنة، خرجت علينا الدكتور سعاد صالح، عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني وعميد كلية الدراسات الإسلامية بنات في جامعة الأزهر سابقاً، والملقبة بـ "مفتية النساء"، بفتوى تبيح "فسخ خطبة الشاب من خطيبته إذا كانت تنتمي إلى جماعة "الإخوان المسلمين"، بدعوى الحفاظ على الأسرة والدين ومصلحة العائلة والوطن.

الغريب أن هذا الشطط الفكري والتسييس الشديد للفتوى أحرج المسؤولين أنفسهم، فاضطر وزير الأوقاف، الدكتور محمد مختار جمعة، إلى أن يتبرأ من فتوى "مظهر"، قائلاً: إن فتواه بضرورة تطليق الزوجة الإخوانية هي فتوى سياسية،  قالها بعيداً عن المسجد ولا علاقة للأوقاف بها، مؤكداً أن الجهة المختصة بالفتوى هي دار الإفتاء وهيئة كبار العلماء.

استهجان فتوى الطلاق
يأتي تعليق وزير الأوقاف بعد عاصفة من ردود الأفعال من الشباب الغاضبين من هذه الفتوى التى تبث الكراهية بين أبناء المجتمع،  خاصة وأنها جاءت تخدم فئة سياسية وتهاجم أخرى، فدارت تعليقات الشباب على هذه الفتوى حول مضمون تعليق واحد استخدمه الشباب لاستهجانها وروجوه بأسلوب الكوميكس او الكاريكتير أو التعليق المباشر، مذكرين صاحب الفتوى والفئة التي يدعمها "إذا كانت زوجتك إخوانية طلقها ولو كانت نزلت الاستفتاء امسك لها الصاجات"، في إشارة إلى ظاهرة رقص النساء والفتيات أمام لجان الاستفتاء الأخير.

أمام هذه العاصفة تراجع شاهين عن فتواه، قائلاً إنه كان يقصد الزوجة "الإرهابية" لأنها تبث الكراهية فى المجتمع، لكنه عاد في اليوم نفسه ليطالب وزير الأوقاف بالتراجع عن تصريحه باستنكار فتواه والقول إنها سياسية. حتى خالد الجندي، الداعية الشهير والمعروف بتأييده الشديد لنظام مبارك، استنكر فتوى سعاد صالح قائلا لوكالة "آكي" الإيطالية للأنباء" إن "هذا الكلام ليس بفتوى ولكنه رأي شخصي، فالإسلام أباح الزواج بالكتابية المختلفة معه في الملة، فكيف لا يبيح الزواج بالمرأة المختلفة معه في الفكر السياسي".

اقتلوهم ولكم الأجر
الدكتور أحمد كريمة، صاحب التوجه الصوفي، وأستاذ الشريعة في جامعة الأزهر، تسابق هو الآخر في هذا الميدان فوصف أعضاء "جماعة الإخوان المسلمين" بأنهم "أحفاد الخوارج" الذين قتلوا عثمان بن عفان، ثالث الخلفاء الراشدين، وخلفه علي بن أبي طالب، محرضاً على قتلهم، امتثالاً لأمر النبي، على حد قوله. وكتب كريمة، وهو أحد الموالين للسلطة الحالية في مصر التي أطاحت الرئيس محمد مرسي في الثالث من يوليو/تموز، عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، "خوارج المسلمين قديماً وحديثاً نهجهم دموي تعصباً وتحزباً لآرائهم التي يرونها فوق الحق زورا، حاصروا منزل عثمان – رضي الله عنه – وقتلوه شر قتلة، وتربصوا بسيدنا علي – رضي الله عنه – واغتالوه وهو في محراب الصلاة". وأضاف، أن "نبي الإسلام، صلوات الله وسلامه عليه، حذر وأنذر منهم بقوله: يخرج في آخر الزمان قوم حداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فمن لقيهم فليقتلهم، فإن في قتلهم أجر عند الله يوم القيامة".

وفي إشارة إلى "الإخوان المسلمين"، تساءل كريمة: "فما ينتظر من أحفاد قتلة خيار الصحابة وآل البيت – رضي الله عنهم؟  وما الذي ينتظر من أحفاد قتلة النقراشي والخاذندار وماهر؟ وما الذي يتوقع من قتلة الرئيس السادات ومخططي اغتيال عبدالناصر؟ هل ينتظر من الحنظل العسل؟ من الأشواك الحرير؟ من السموم الحليب؟".

تطرف في التعبير
"الجديد" سألت أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة عين شمس، الدكتور حمدي ياسين، عن رأيه في هذه الظاهرة فأجاب: "أعتقد أن ما يقوم به أمثال هؤلاء العلماء غير مقبول وأرى أنهم جانبهم الصواب في استخدام هذه المفرادت"،  ويصف هذه الحالة بأنها "تطرف فى التعبير" لأنه باستخدام قليل من الكياسة والحكمة كان بوسعهم أن يعبروا عن تأييدهم بلغة أقل من تلك التى تشبه الناس العاديين بالرسل والأنبياء. واستنكر سعيهم إلى ذلك بالقول "إنه ليس من دور رجل الدين وليست من وظيفته ان يقوم بمدح السياسيين فضلا عن وضع حلة من القداسة حولهم داعيهم في الوقت نفسه أن يقتدوا بالشيخ الشعرواي رحمه الله حين وقف موقفا أبى أن يمدح فيه الرئيس مبارك، فكيف هم يفعلون والسيسي لم يصل بعد الى رئاسة الجمهورية".

بلعام بن عوراء
من جهته، استهجن عضو الرابطة العالمية لخريجي الازهر الشريف، الدكتور خالد سعيد، ما يقوم به هؤلاء العلماء قائلا هؤلاء كهنة يؤكدون استمرار ارتباط الديكتاتورية بالكهانة، وهم الذين بمتهنون تجارة الدين ويرمون أبناء التيار الإسلامي بهذه التهمة في حين يحترفون هم هذه المهنة.
وأضاف سعيد لـ "الجديد": "إن هؤلاء العلماء يسقطون الأزهر ويلوثون سمعته"، مطالباً علماء الازهر الشرفاء أن ينتفضوا لظاهرة "بلعام بن عوراء" ابن عم النبي موسى، الذي كان يستصدر الفتوى لفرعون لقتل أبناء بنى اسرائيل واستباحة نسائهم، مؤكدا أن هؤلاء العلماء يكرسون لعبادة الفرد، وهذا المعبود لابد له من كهنة، وهم يسعون لهذا الدور بل ويقومون به.

بدوره، استغرب الداعية الإسلامي، محمد إدريس، تسابق العلماء في مدح رجالات النظام الحالي ومهاجمة الخصوم. وتساءل باستغراب، ألم يكن أولى بهم أن يسألوا الحكام عن الدماء التي تسال فى الشوارع بغير ذنب؟ لم يكن أجدر بهم أن ينصحوهم أو يسعوا في عصمة دماء المسلمين ولا يغضوا الطرف عن نصحهم؟

 

المساهمون