هل يُفقد التغير المناخي الحيوانات القدرة على التواصل؟

05 يوليو 2023
تغير المناخ يؤثر بوضوح في الاتصالات الكيميائية للكائنات الحية (Getty)
+ الخط -

تتواصل الحيوانات عادة في ما بينها من خلال إشارات مُحدّدة، وإنتاج مواد كيميائية تساعدها على التأقلم والتكيف. إلا أنّ هذه المواد الكيميائية التي تُعَدّ وسيلة أساسية للتواصل والعيش، قد تتأثر كثيراً بسبب التغيّر المناخي، وهو ما أظهره بحث علمي تقوده ماهاسويتا ساها، عالمة البيئة الكيميائية البحرية في مختبر بليموث البحري البريطاني، ونشرته صحيفة "ذا كونفرزيشن"، أمس الثلاثاء.

ووفقاً للبحث، فإن التغير المناخي يؤثر بنحو واضح في الاتصالات الكيميائية للكائنات الحية، وتحديداً الكائنات البحرية، وهو ما سيكون له تأثير مباشر بحياة الإنسان.

أظهر البحث أن النمل، على سبيل المثال، يكافح كثيراً في تواصل بعضه مع بعض، بسبب تحلل مادة كيميائية للتواصل فيما بينهم تُعرَف باسم الفيرمونت، كذلك إن تأثير هذه المواد الكيميائية يلعب دوراً في عدم قدرة الأسماك على الهروب من مفترسيها. وتُعرَف الفيرمونت بأنها كيماويات تتركب من جزيئات عضوية معقدة، تستعمل لنقل الإشارة من حيوان لآخر.

ووفقاً للدراسة، فإن تغير الظروف المناخية يساهم في تعطل الاتصالات الكيميائية داخل النظم البيئية، ويمكن أن تؤدي الاضطرابات في الاتصالات الكيميائية إلى إحداث فوضى في الأنواع والنظام البيئي.

ما هو الاتصال الكيميائي؟

تعرِّف الجمعية الأميركية لعلم النفس التواصل الكيميائي بأنه الصلة التي تستخدمها الحيوانات للتواصل في ما بينها، وبحسب التعريف، تستخدم الروائح كأداة لنقل المعلومات بين الأفراد. تمتلك العديد من الحيوانات غير البشرية غدداً عطرية متخصصة لإنتاج الرائحة، وسلوكاً متخصصاً في ترسيب الروائح. ومن مزايا الاتصال الكيميائي أن الإشارات يمكن أن تبقى لفترة طويلة بعد مغادرة جهاز الاتصال. وعليه، يلعب الاتصال الكيميائي دوراً أساسياً في النظم البيئية.

قد تكون التفاعلات من خلال ما يُسمى "المواد الكيميائية المعلوماتية" أقدم أشكال الاتصال وأكثرها انتشاراً على هذا الكوكب. كذلك فإنها تساعد في تشكيل النظم البيئية الطبيعية من خلال الحفاظ على توازنها، ومن خلال القيام بذلك، فإنها تدعم توفير العديد من الأشياء ذات الأهمية الكبيرة للإنسان، بما في ذلك الغذاء والمياه النظيفة.

تؤثر المواد الكيميائية بمجموعة واسعة من الوظائف والسلوك، مثل العلاقة بين المفترس والفريسة. على سبيل المثال، تستخدم أسماك القرش هذه المواد الكيميائية "لشمّ" فرائسها على مسافات كبيرة.

يشير البحث إلى أن تغير إنتاج هذه المواد الكيميائية الحاملة للمعلومات مثل الفيرومونات، له انعكاسات سلبية على الحياة البيئة. فقد أظهر البحث العلمي أن التغيرات في درجات الحرارة وثاني أكسيد الكربون في المياه، على سبيل المثال، تؤثر بكل جانب من جوانب العمليات الأساسية التي تستخدمها الكائنات لتواصل بعضها مع بعض.

وأظهرت التجربة أن تغير المناخ ساهم في تقليل السلوك المضاد للحيوانات المفترسة لدى بعض أنواع الأسماك. عادة تطلق العديد من الأسماك مواد كيميائية معينة عندما تتضرر من قبل حيوان مفترس أو تكون في خطر، وتستخدم باقي الأسماك هذه المواد كنوع من التحذير، ولكن العلماء وجدوا أنه عند امتصاص المزيد من ثاني أكسيد الكربون في المياه وانخفاض مستوى الأس الهيدروجيني (درجة الحموضة)، يتغير مؤشر الإنذار الأكثر شيوعاً بشكل لا رجعة فيه، وتجد الأسماك صعوبة في اكتشافها.

تأثيرات متنوعة

تغير المناخ لا يؤثر فقط بالأنواع الفردية. يشير عدد متزايد من الدراسات إلى أن الضغوطات المرتبطة بتغير المناخ، التي تعدل هذه التفاعلات الكيميائية، تسبب اضطراب المعلومات عبر النظم البيئية بأكملها، فقد أظهرت على سبيل المثال دراسة بقيادة جامعة "هال" البريطانية، أن تغير الظروف المناخية يعطل الاتصالات الكيميائية داخل النظم البيئية البحرية والمياه العذبة وحتى النظم البرية.

أوضح فريق الباحثين الدولي، أن تغير المناخ له تأثير مماثل بالتواصل في البيئات الأرضية والمائية، على الرغم من أن كلتا البيئتين لها ضغوط مختلفة.

وفقاً للمؤلف المشارك في الدراسة، الدكتور يورج هارديج، مع استمرار تغير المناخ، نحتاج إلى مزيد من البحث للتنبؤ بالعواقب على مستوى تفاعل الأنواع. وأشار إلى أننا بحاجة إلى البحث في بيئات الأرض والبحر والمياه العذبة لفهم كامل لكيفية عمل الأنواع مع التغييرات القادمة.

فيما خلصت حينها الدكتورة كريستينا روغاتز، الباحثة الرئيسية في الدراسة التابعة لجامعة "هال" إلى أن هذه الورقة هي بمثابة "دعوة للاستيقاظ"، لأن البشر جزء من النظام البيئي ويعتمدون عليه في الوظائف الأساسية، مشيرة إلى أن انهيار الاتصال سيؤدي إلى عواقب وخيمة على كل أشكال الحياة على الأرض.

وذهبت دراسة أخرى نشرتها مجلة C&EN الأميركية المتخصصة بالهندسة وعلوم الكيمياء، في وقت سابق، إلى أنه بحلول عام 2100، من المتوقع أن ينخفض الرقم الهيدروجيني، أي حموضة المياه PH للمحيط (حالياً هو عند حوالى 8.1) إلى 7.7، إذا استمر ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في الارتفاع. على مدى العقد الماضي، كشفت الأبحاث عن مدى حساسية أنظمة الاستقبال الكيميائي وكيف يمكن أن تتعرض لضربة من الأنشطة البشرية. على سبيل المثال، يؤدي ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الماء إلى فقدان الأسماك القدرة على العثور على الطعام، وبالنسبة إلى الأسماك المهاجرة، مثل السلمون، قد تعني الحساسية الشمية المنخفضة صعوبة في الملاحة في الأنهار من أجل التبويض.

المساهمون