هل تختزن الخفافيش أسرار مكافحة الشيخوخة؟

27 اغسطس 2021
تتميّز الخفافيش بقدرتها على العيش لفترة أطول بصحة جيدة (أميلي بوتولييه-دوبوا/ فرانس برس)
+ الخط -

ليست الخفافيش أو الوطاويط من الحيوانات المستحبّة لكنّها تعرف كيف تتجنّب شرّ آثار الشيخوخة، وهي تحتضن فيروسات من قبيل فيروس إيبولا وفيروس كورونا (الفيروس التاجي) من دون أن تُصاب هي بالأمراض ذات الصلة من قبيل كوفيد-19 الذي يتفشّى اليوم في العالم ويرهقه.

في كلّ عام، تأخذ إيما تيلينغ، الباحثة المتخصصة في علم الوراثة في جامعة "يونيفرستي كولدج" في دبلن (أيرلندا)، وفريقها، عيّنات من دماء خفافيش في كنائس ومدارس في غرب فرنسا وخزعات من أجنحتها، على أمل أن تفيد بأبحاثها البشر حول أسرار العمر المديد لهذه الثدييات الطائرة. وتقول العالمة بحماسة: "تتيح لنا هذه التجارب وضع تصوّرات تساعدنا على العيش لمدّة أطول بصحة جيّدة ومكافحة الأمراض بشكل أفضل". ويُعَدّ طول عمر الخُفّاشيّات (فصيلة حيوانيّة من الثدييّات مُجَنّحات الأيدي قادرة على الطيران في الليل، من أشهر أنواعها الخفّاش) لافتاً بالنسبة إلى ثدييات بمثل صغر حجمها.

وتوضح تيلينغ لوكالة "فرانس برس" أنّه في الطبيعة، "من الممكن التنبؤ غالباً بالأجل المتوقّع لحيوان ما بالاستناد إلى حجمه. فالأنواع الصغيرة تنمو بسرعة وتنفق باكراً مثل الفئران، في حين أنّ تلك الكبيرة تنمو ببطء وتعيش لمدّة أطول مثل الحيتان ذات الرؤوس المقوّسة". تضيف تيلينغ أنّ "الخفافيش فريدة من نوعها، فهي من الثدييات الأصغر حجماً لكنّ في وسعها العيش لفترات مذهلة". يُذكر أنّ الخفّاش الفأري كبير الحجم الذي لا يتخطّى حجمه ثمانية سنتيمترات قد يعيش عشرة أعوام أو حتى 20 عاماً. وفي عام 2005، أمسك باحثون في سيبيريا بخفّاش فأري من نوع "براندت" كان قد تمّ وسمه قبل 41 عاماً، أي أنّه عاش لمدّة أطول بعشر مرات ممّا هو متوقّع بالنسبة إلى حجمه.

وتقرّ تيلينغ بأنّ "الخفافيش بحسب ما يبدو، تعتمد آليات تُبطئ من وتيرة الشيخوخة" لدرجة أنّه من شبه المستحيل معرفة سنّ الحيوان عندما يصير بالغاً. وبهدف قطع الشكّ باليقين، استند فريق دبلن إلى برنامج منظمة "بروتانيي فيفانت" غير الحكومية التي تزوّد خفافيش فأرية كبيرة الحجم صغيرة السنّ بشرائح للرصد. وتتيح هذه الشرائح معرفة سنّ كلّ حيوان يُعاد الإمساك به بعد أعوام، من أجل العمل لاحقاً على تحليل المؤشّرات البيولوجية المختلفة الخاصة بالشيخوخة في عيّنات الدم المأخوذة من هذه الثدييات. ومن هذه المؤشّرات، التيلوميرات أو القسيمات الطرفية، وهي أجزاء صغيرة من الحمض النووي على أطراف الكروموسومات أو الصبغيّات تتقلّص عند تكاثر الخليّة. لكنّ الحال ليست كذلك بالنسبة إلى الخفافيش الفأرية كبيرة الحجم. وتقول تيلينغ إنّ "تيلوميرات هذه الخفافيش لا تتقلّص مع التقدّم في السنّ، ما يعني أنّ في وسعها حماية الحمض النووي الخاص بها. ومع الوقت، تعزّز كذلك قدراتها على ترميم حمضها النووي".

ومن محاور البحث الأخرى المثيرة للاهتمام أنّ هذه الثدييات تحمل فيروسات عدّة من دون أن تصاب بالأمرض المرتبطة بها، "وهي قادرة على تكييف استجابتها المناعية"، بحسب ما تؤكد تيلينغ. وقد كشف وباء كورونا المسبّب لكوفيد-19 أنّ هبّة التهابية مفرطة تؤدّي دوراً رئيسياً في بروز الحالات الخطرة من كوفيد-19 عند البشر، مردّها إلى "فورة من بروتين سيتوكين" يشهدها المرضى بعد أيام من ظهور الأعراض الأولية. أمّا الخفافيش، بحسب تيلينغ، فهي تعرف كيف "توازن بين الاستجابة المضادة للفيروسات وتلك الكابحة للالتهابات. وإذا ما نُقل إنسان يتمتّع بنظام الخفّاشيات الأيضي إلى المستشفى، فإنّ حالته لن تتطلّب بتاتاً جهاز تنفّس صناعي".

وتسعى تيلينغ، التي تشرف على مشروع تحديد مجين 1400 نوع من الخفافيش، بالتعاون مع باحثين آخرين في العالم، إلى تطوير أدوات تتيح للبشر الانتفاع من مزايا الخفّاشيات. ولا تقضي الفكرة بـ"التلاعب بجينات البشر أو التوصّل إلى إنسان وطواط بل بإيجاد سبل تتيح لنا التحكّم بتفاعل جيناتنا للحصول على النتائج عينها"، بحسب ما تقول الباحثة، التي تأمل بالتوصّل إلى تطبيقات طبيّة في غضون عشرة أعوام أو أقلّ. وتشدّد على أنّ المسألة ليست كذلك بلوغ الخلود، "فكلّ شيء ينفق في نهاية المطاف". تضيف أنّ "ما يميّز الخفافيش ليس الشباب الأزلي إنّما قدرتها على العيش لفترة أطول بصحة جيدة"، بلا سرطانات أو أمراض مرتبطة بالشيخوخة.

(فرانس برس)

المساهمون