مهاجرو المتوسط... معضلة خنق أوروبا منظمات الإنقاذ

مهاجرو المتوسط... معضلة خنق أوروبا منظمات الإنقاذ

14 مايو 2024
على متن سفينة إنقاذ لمنظمة أطباء بلا حدود بين ليبيا وإيطاليا (سيموني بوكاشيو/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الدول الأوروبية تواجه تحديات سياسية وأخلاقية في التعامل مع أزمة الهجرة السرية، حيث تثير عمليات الإنقاذ التي تنفذها منظمات غير حكومية جدلاً حول واجبها الإنساني مقابل تشجيع الهجرة.
- سياسات صارمة مثل تلك المتبعة في إيطاليا ضد منظمات الإغاثة تعرض حياة المهاجرين للخطر وتنتهك القانون البحري الدولي، مما يؤدي إلى تأخير الرعاية الطبية والمساعدات اللازمة.
- تختلف استجابات الدول الأوروبية لأزمة الهجرة، بين دعم عمليات الإنقاذ كأولوية إنسانية وفرض قيود صارمة، مع تحديات في تحقيق التنسيق الفعال بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

تواجه دول أوروبية معضلة سياسية وأخلاقية في التعامل مع عمليات الإنقاذ البحري المرتبطة بأزمة الهجرة السرّية الجماعية عبر البحر المتوسط التي تنفذها منظمات دولية غير حكومية، خصوصاً أن المنظمات تتحدث عن انتهاكات للقانون الدولي، وتطالب الاتحاد الأوروبي بالمساعدة.
وفعلياً، اعتمدت دول أوروبية عدة، مثل إيطاليا، سياسات أكثر صرامة ضد النشاطات الإنسانية للمنظمات التي تنفذ مهام الإنقاذ البحري، حتى إن بعض الحكومات اتهمت جيرانها بتمويل أنشطة المنظمات. ويحتدم النقاش في القارة العجوز حالياً حول ما إذا كانت مهام إنقاذ المهاجرين في البحر واجباً إنسانياً أم عاملاً يجذب المهاجرين الفارين من مناطق الحروب والأزمات. 
ويحتج العديد من منظمات الإغاثة الأوروبية، التي تنفذ عمليات للإنقاذ البحري، على احتجاز سلطات دول أوروبية، بينها إيطاليا، سفنها، وعلى عدم السماح لها بالإبحار بأريحية. أما السلطات فتتهم المنظمات بـ"جلب اللاجئين من البحر المتوسط إلى الشاطئ بعد نقلهم من أعالي البحار"، وهو ما تنفيه المنظمات مؤكدة أن "هذه المزاعم تبقي مهام الإنقاذ خارج منطقة العمليات، وتؤخر بشكل غير مبرر تنفيذ مهام إنقاذ يحتاجها ناجون لتلقي مساعدات طبية حيوية على الأرض، ورعاية مناسبة للبحث عن مأوى".

تحتج منظمات إغاثة على احتجاز سلطات دول أوروبية سفنها

وفي ظل هذا الواقع، تتفاقم الآثار الضارّة لاتهامات الحكومات الأوروبية المنظمات، والتي تترافق مع تدابير ميدانية قاسية، بينها تخصيص موانئ بعيدة لإنزال سفن هذه المنظمات الأشخاص الذين أنقذوا، وهو ما يحصل مثلاً في شمال إيطاليا، علماً أن بعض موانئ الإنزال محددة في مناطق يستغرق بلوغها إجراء رحلة لمدة 5 أيام، وقطع مسافة أكثر من 1600 كيلومتر من موقع عملية الإنقاذ. 
وتنتهك هذه الممارسات الحكومية القانون البحري الدولي، الذي ينص على نقل الأشخاص الذين يجرى إنقاذهم من محنهم في البحر إلى مكان آمن في أسرع وقت.
ويفيد موقع منظمة "سي واتش" بأن سفن الإنقاذ اضطرت العام الماضي إلى قطع إجمالي مسافة إضافية تجاوزت 150,500 كيلومتر للوصول الى موانئ حددتها سلطات دول أوروبية في مواقع نائية، في حين كان يمكن تجنب ذلك عبر النزول في موانئ أكثر قرباً مثل صقلية ولامبيدوزا. 
ويذكر موقع "ستاتيستا" أنه حتى نهاية العام الماضي، غرق حوالي 29098 شخصا في البحر الأبيض المتوسط. وأعلن خفر السواحل القبرصي، مطلع إبريل/ نيسان الماضي، إنقاذ 270 شخصاً أبحروا من لبنان.

الصورة
سفينة منظمة "أوبن آرمز انترناسيونال ووترز" تنقذ مهاجرين قبالة إسبانيا (خوسيه كولن/ الأناضول)
سفينة منظمة "أوبن آرمز" تنقذ مهاجرين قبالة إسبانيا (خوسيه كولن/الأناضول)

ولمحاولة وقف عرقلة أنشطتها، طالبت منظمات بينها "سي وتش" و"إس أو إس" و"سي آي"، وتلك التابعة لأطباء بلا حدود، في بيان مشترك، بضمان حماية الحقوق الأساسية للمهاجرين التائهين في البحر من خلال منح سفن الإنقاذ القدرة على تقديم مساعدات كاملة لهم، وإنزال من أنقذوا في أقرب مكان من أجل منع المزيد من الخسائر في الأرواح في البحر. كما دعا البيان الاتحاد الأوروبي إلى إنهاء كافة أشكال الدعم المادي والمالي لخفر السواحل الليبي، وايضاً للحكومات المسؤولة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وشدد البيان على أن إنقاذ السفنِ الأشخاصَ المنكوبين واجب استناداً إلى القانون البحري الدولي، واعتبر أن "اللعبة السياسية لا تنتهك القانون الدولي والأوروبي فحسب، بل تقلّص القدرة على تنفيذ مهام الإنقاذ، ما يتسبب في عواقب كارثية قد تجعل البحر الأبيض المتوسط أحد أخطر طرق الهروب في العالم". 
وقد تدفع منظمات الإنقاذ غير الحكومية التي تنتهك القوانين الإيطالية غرامة تصل إلى 10 آلاف دولار، مع احتجاز سفنها 20 يوماً على الأقل، وصولاً إلى احتمال مصادرتها. في المقابل، لا تزال الحكومة الفيدرالية في ألمانيا تلتزم بالأولويات الإنسانية التي تعتبر أن السماح بغرق طالبي اللجوء ليس خياراً مبرراً بالنسبة إلى الدول الدستورية الغربية. ولم تتوانَ لجنة الميزانية في البرلمان الألماني "بوندستاغ" في مواصلة تمويل المنظمات التي تنفذ عمليات إنقاذ في البحر المتوسط بنحو 8 ملايين دولار حتى عام 2026.
وبحسب الحكومة الفيدرالية الألمانية، أنقذت منظمات الإغاثة التابعة للبحرية الألمانية نحو 4900 شخص من البحر الأبيض المتوسط العام الماضي. ووسط التناقض القاسي والاختلافات الكبيرة في توجهات الدول الأوروبية في التعامل مع أزمات المهاجرين السرّيين، يعتبر المحلل السياسي نيكولاس بوسيه أن "ألمانيا لا يجب أن تضع أي أعباء اضافية على دول جنوب أوروبا"، معتبراً أن "الإصلاحات معقدة جداً رغم إبداء مرونة في شأن ضرورة وضع حلول". ويشدد على أن استهداف المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط لا يقلل حوافز مشاركتهم في عمليات عبور خطيرة، كما يساهم ربما في زيادة نشاط المهربين وأساليبهم باستغلال هؤلاء المهاجرين. 

الصورة
سفينة إنقاذ في ميناء لامبيدوزا بإيطاليا (فاليريا فيرارو/ الأناضول)
سفينة إنقاذ في ميناء لامبيدوزا بإيطاليا (فاليريا فيرارو/الأناضول)

وزادت حالات الدخول غير الشرعي إلى ألمانيا العام الماضي مقارنة بعام 2022، وسجلت الشرطة الفيدرالية الألمانية دخول 128 ألف مهاجر سرّي، بزيادة نحو 39 في المائة عن عام 2022. وتخلص تعليقات إلى أن السياسيين الألمان يجب أن يدرسوا إذا كان من الحكمة فرض أعباءً غير مباشرة على شريك مهم في الاتحاد الأوروبي مثل إيطاليا. وتشير إلى أنه إذا كان الائتلاف الحاكم في ألمانيا سيمضي في دعم عمليات الإنقاذ البحري، فيجب أن تنظم دول التكتل هذا الأمر أو تساهم على الأقل في مساندة المهاجرين.
يُشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يحاول تحسين تنسيق عمليات الإنقاذ البحري، وأسس لهذه الغاية العام الماضي مجموعة اتصال لعمليات البحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط، والتي عقدت عدة اجتماعات من دون أن تحقق نتائج حاسمة أو مثمرة.
ولا تزال تتعالى الأصوات التي تعترض على الانتهاكات التي تطاول اللاجئين مع توثيق الاستغلال والعنف على نطاق واسع، خصوصاً تلك التي يواجهها الفارون من ليبيا والمغرب وتونس، ما يشكل جرائم ضد الإنسانية وفقاً للأمم المتحدة، علماً أن دولاً مثل ايطاليا واسبانيا متهمة بالتواطؤ فيها. 
وكانت أعلى محكمة في إيطاليا أكدت أخيراً أن "ليبيا ليست مكاناً آمناً، وأن إعادة مهاجرين إليها بمثابة جريمة جنائية". 
وتزداد الانتقادات حول الأطر غير القانونية المعتمدة وعمليات الإعادة القسرية من قوات خفر سواحل تشارك دول أوروبية، خصوصاً إيطاليا ومالطا، في تمويلها.
ورصدت وكالة حقوق الإنسان التابعة للاتحاد الأوروبي حوادث عدة لتهديد رجال إنقاذ تابعين لمنظمات غير حكومية، أو على الأقل لإعاقة عملهم رغم أن همهم ينحصر في إنقاذ الأرواح.

وتشير قراءات لوسائل وقف الدخول السرّي للمهاجرين والسيطرة على الظاهرة إلى أن الأمر يتطلب اعتماد مقاربة مختلفة للمشكلة، مثل منع من يصلون من دول آمنة من الدخول من الحدود مباشرة لأنه لا يحق لهم طلب حماية، وأيضاً إعادة أولئك الذين دخلوا من بلدان أوروبية أخرى إلى بلدانهم الأصلية بعد رفض طلباتهم أو انتهاء الحرب، أو إلى مراكز لجوء في دول ثالثة آمنة، والأهم فرض قيود حقيقية على الخدمات الاجتماعية ومنح تصاريح إقامة دائمة أو جنسية. 
وتشير منظمة "بروازول" التي تدافع عن حقوق اللاجئين إلى أن ظروف المهاجرين في الدول الواقعة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي غير إنسانية وتفتقر إلى أدنى الحقوق. وتقول مسؤولة الشؤون القانونية في منظمة "بروازول" فيبكه جوديث: "طالما أن هذه هي الحال، ولا طرق قانونية إلى ألمانيا وأوروبا، سيبقى اعتماد اللاجئين على مهربين لا يرحمون". 
وترى أنه "يصعب تقييد حركات الهجرة السرّية إلى ألمانيا في المستقبل، في وقت تتنامى ظاهرة عبور آلاف اللاجئين سيراً على الأقدام عبر حدود الدول بدلاً من الشاحنات المكتظة". وتتحدث شبكة "إيه آر دي" عن أن مهربي البشر باتوا أكثر قسوة، وأن العمليات باتت أكثر تعقيداً، ما يزيد المخاطر التي يتعرض لها اللاجئون. وقد ارتفع عدد الدعاوى ضد المهربين أمام المحاكم في ألمانيا وأوروبا.

المساهمون