عمال عراقيون تحت الشمس: الحاجة لا ترحم

10 يوليو 2024
يعملون في ذروة الحرارة المرتفعة (مرتضى السوداني/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **العمل في ظروف قاسية:** يضطر العديد من العراقيين للعمل في درجات حرارة تتجاوز 45 درجة مئوية خلال الصيف، ويختارون أوقات العمل المناسبة لتفادي الحرارة الشديدة.

- **تحديات العمال وغياب القوانين:** يواجه العمال تحديات كبيرة بسبب عدم وجود قانون يفرض مراعاة ظروف العمل، مما يعرضهم للخطر، خاصة في أوقات الذروة.

- **إجراءات السلامة والمبادرات الحكومية:** رغم غياب القوانين، اتخذت الحكومة بعض الإجراءات مثل تقليص ساعات الدوام وتكثيف جولات التفتيش، بينما يتخذ بعض أصحاب المشاريع تدابير لحماية العمال.

رغم أن درجات الحرارة قد تتجاوز 45 درجة مئوية خلال فصل الصيف في العراق، ما لا يسمح بالبقاء في مناطق مكشوفة عموماً، يعمل عراقيون كثيرون وسط هذه الأجواء بسبب ظروفهم الخاصة وحاجتهم الملحّة إلى عمل. ومن البديهي أن يطالب بعضهم بقانون يُلزم مراعاة عملهم خلال فترات الطقس الحارّ.
وقد يختار من يزاولون أعمالاً خاصة في مشاريع البناء تحديداً العمل في فترات ما بعد الظهر لتفادي الحرارة الشديدة، لكن بعضهم يعملون من الفجر حتى الظهيرة، وآخرين من المساء إلى الفجر.
يقول المقاول عقيل العلوان الذي يدير مشاريع بناء في مناطق ببغداد، لـ"العربي الجديد": "أخصص بداية اليوم أو آخره لإدارة المشاريع، بحسب استعدادات العمال والجاهزية واحتياجات العمل ووقت تنفيذ المهمات".

ويوضح أنه ينفذ أعمال البناء غالباً خلال وقت المساء ما بعد غروب الشمس إذا كانت مواقعها في مناطق غير مأهولة بالسكان في شكل كبير من أجل تجنّب إزعاج الناس. وعندما تكون الأعمال في حي سكني اختار وقت الفجر من الساعة الخامسة حتى الساعة الثانية عشرة أو قبل ذلك بساعة.
ويعرف العمال العراقيون منذ سنوات أوقات العمل في مشاريع البناء، بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد" فهد عايش الذي يقود فريق عمل متخصصاً في تنفيذ أعمال الهدم ورفع أنقاض المباني وأخرى تحتاج إلى قوة بدنية.
ويوضح أنه يستعين بعشرة عمال أو أقل في مهمات تتطلب قوة بدنية تشمل حمل ورفع ونقل أنقاض أو مواد بناء وأعمال هدم وحفر وغيرها. ويلفت إلى أن "هذه الأعمال شبه يومية، وفي وقت الصيف نعمل خارج أوقات النهار، أو نتجنب فترة الحرارة الشديدة التي تستمر من الساعة 12 ظهراً حتى الرابعة".
وإذا كان بعض أصحاب المشاريع يضعون قواعد تتناسب مع قدرات من يعملون معهم وتحافظ على سلامتهم، فإن عمالاً كثيرين يتضررون من عدم وجود قانون يفرض مراعاة أصحاب صحتهم، ويمنع إجبارهم على تأدية مهمات في أوقات الذروة خلال النهار.
ويقول عمر عزيز الذي يعمل في البناء لـ"العربي الجديد": "أقضي غالبية أيام فصل الصيف من دون عمل، فبعض أصحاب المشاريع يحاولون تسريع إنجاز أعمالهم بشتى الطرق، حتى إذا حصل ذلك على حساب صحة العمال، ويفرضون أن يستمر العمل خلال ساعات الظهيرة حتى في أماكن مكشوفة، لذا من الضروري أن تفرض الدولة قانوناً يحمي العمال".

ينقل بضائع تحت الشمس الحارقة (مرتضى السوداني/ فرانس برس)
ينقل بضائع تحت الشمس الحارقة (مرتضى السوداني/ فرانس برس)

فعلياً لا يفرض القانون في العراق أي شروط خاصة بمراعاة ظروف العمل، رغم أن الحكومة تدرك جيداً الآثار السلبية لارتفاع درجات الحرارة. وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أمر بتقليص ساعات الدوام لموظفي الدولة، لكن هذا القرار لا يشمل القطاع الخاص والأعمال الخاصة.
كذلك أمر وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي في 27 يونيو/ حزيران الماضي الجهات المسؤولة في الوزارة بتكثيف جولات تفتيش مواقع العمل لمتابعة تطبيق إجراءات السلامة المهنية وسبل الوقاية، خاصة من ضربات الشمس والإجهاد الحراري.
ويؤكد محمد العبيدي، وهو طبيب يعمل في الإسعاف الفوري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "العمال يتعرضون لإصابات مختلفة في الأجواء المفتوحة خلال فصل الصيف، فتزداد مهمات الإسعاف الفوري التي تتعامل مع تداعيات ارتفاع درجات الحرارة من ضربات شمس وإجهاد حراري". يتابع: "تحدث إصابات خطيرة نتيجة عدم التركيز في ظل العمل تحت أشعة الشمس".
ويخبر بشير السيد الذي يدير أعمال حدادة في مواقع خارجية "العربي الجديد" إنه متعاقد مع مكاتب هندسية لإنجاز مشاريع في أماكن عدة تقع في أطراف بغداد، ويوضح أن "الاضطرار إلى العمل في أوقات النهار يجعلني اتخذ إجراءات عدة لحماية العمال، أبرزها توفير معدات حماية، مثل قبعات وخوذ واقية وملابس فضفاضة وخفيفة ونظارات شمسية، وإنشاء مناطق مظللة للراحة والاستراحة خلال العمل، وتوفير مياه وعصائر وصيدلية تحتوي على كل ما يحتاجه الشخص في الحالات الطارئة، إضافة إلى طعام".

في المقابل لا يكترث كثيرون، بسبب الحاجة إلى عمل، بارتفاع درجات الحرارة والشمس القاسية في خلال الصيف. ويقول بدر عمران (38 عاماً) الذي يعمل حمّال بضائع في سوق جميلة شرقي بغداد لـ"العربي الجديد": "الحاجة لا ترحم. لم أجد عملاً مريحاً يساعدني في سدّ احتياجات أسرتي، في حين أن الظروف المعيشية صعبة جداً، وقد تنقلت بين أعمال عدة ثم وجدت عملاً مستقراً وجيداً في نقل البضائع".
ويخبر بدر أنه ينقل البضائع المختلفة في السوق باستخدام عربة خاصة يتطلب جرها بذل جهد كبير، ويقول: "تختلف أوزان البضائع بحسب الكمية، وقد تصل إلى 200 كيلوغرام في النقلة الواحدة وتتكرر مرات يومياً، ما يعني أنني أجرّ أكثر من طنين يومياً أحياناً رغم أن بنيتي الجسدية ضعيفة".

المساهمون