حديقة "أم السنيم"... أطول ممشى خارجي مكيّف في العالم
تنتشر الحدائق داخل الأحياء السكنية في أنحاء قطر، وتعرف بـ"حدائق الفرجان"، وقبيل انطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم، التي أقيمت لأول مرة على أرض عربية، دشنت في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، حديقة "أم السنيم"، والتي اكتسبت اسمها من المنطقة التي تقع فيها بالقرب من العاصمة الدوحة.
تتميز الحديقة بأنها تضم أطول مسار خارجي مكيف للجري والمشي في العالم، والذي يبلغ طوله 1143 متراً، وجاءت فكرة تكييف الممشى للتغلب على درجات الحرارة المرتفعة والرطوبة الكثيفة خلال فصل الصيف، وقد استنسختها هيئة الأشغال العامة "أشغال" التي أنشأت الحديقة، في ملاعب "مونديال قطر 2022"، وفي الشارع المكيف في الحي الثقافي "كتارا"، بعد أن استعانت بدراسات هندسية أجرت عليها بعض التعديلات، وسجلت براءة اختراع بها، ثم نفذتها.
يقول وزير البلدية القطري، عبد الله بن عبد العزيز السبيعي، إن حديقة "أم السنيم" مجهزة بأعلى المواصفات، سواء لأماكن ألعاب الأطفال، أو مسارات المشاة المكيفة، وهي تتمتع بأقصى درجات الاستدامة، فالتصميم يتحكم في إعادة تجديد الهواء، واستخدام الطاقة الشمسية، فضلاً عن الاهتمام بزراعة الأشجار، وبنوعيتها؛ نظراً لدورها البيئي الكبير.
تستوعب الحديقة نحو 6 آلاف زائر يومياً، وتمتد على مساحة تتجاوز 130 ألف متر مربع، وتمتد المسطحات الخضراء على مساحة 88 ألف متر مربع، وتحتوي على 912 شجرة من 18 نوعاً، إضافة إلى حوائط خضراء بطول 820 متراً، فضلاً عن المسار الخارجي المكيف، وهو يتخذ الشكل الدائري، ويلف الحديقة، وقد جرى تسجيله في موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية من قبل هيئة الأشغال العامة (حكومية)، كما تضم الحديقة مساراً للدراجات الهوائية بطول 1135 متراً، بالإضافة إلى 3 مناطق لتمارين اللياقة البدنية، وصالة رياضية (بوكس فيتنس) تتيح ممارسة الرياضة من خلال شاشة يظهر عليها مدرباً للتمارين الرياضية، كما تتوفر منطقتين لألعاب الأطفال، إحداهما للأعمار من سنتين حتى خمس سنوات، والأخرى من عمر ست سنوات إلى 12 سنة، مع تخصيص عدد من الألعاب للأطفال ذوي الإعاقة.
أم السنيم.. أول حديقة مكيفة في العالم في #قطر pic.twitter.com/aEOFDylBoN
— العربي الجديد (@alaraby_ar) June 19, 2023
وتتوفر بالحديقة سبعة أكشاك خدمية، ستة منها لتقديم الأطعمة والمشروبات، والسابع خاص بتأجير الدراجات الهوائية، ومواقف للدراجات الهوائية، فضلاً عن توفير أثاث من مقاعد مصنعة محلياً من الخرسانة الليفية والبلاستيك المقوى بالزجاج، إلى جانب أعمدة إنارة موفرة للطاقة، ومواقف للسيارات، وسبعة مشارب للماء، ومصليات ودورات مياه.
وحسب بيانات وزارة البلدية القطرية، تساهم منظومة تكييف مسار المشي والجري في توفير نظام صديق للبيئة، يعتمد في توليد 60 في المائة من الكهرباء المطلوبة لتشغيل أجهزة التكييف على الألواح الشمسية، كما تستهلك كميات قليلة من الكهرباء، للحصول على درجات حرارة تصل إلى 26 درجة مئوية، ويمكن تشغيل أحد النظامين في حال صيانة النظام الآخر، وتعمل المنظومتان أيضاً على زيادة وزن الهواء بنسبة 1 إلى 2 في المائة، مما يعمل على الحفاظ على الهواء البارد داخل المكان حال وجود رياح.
واستقطبت حديقة "أم السنيم" آلافاً من المشجعين الذين حضروا إلى قطر لمتابعة مباريات بطولة كأس العالم لكرة القدم، والتي احتضنتها البلاد في الفترة من 20 نوفمبر/تشرين الثاني حتى 18 ديسمبر/كانون الأول 2022، ليستمتعوا بمرافق الحديقة، وخاصة أدوات ممارسة الرياضات الخفيفة المجانية، كما وفرت الحديقة شاشات عملاقة لبث المباريات مباشرة، وزاد من المتعة أجواء الشتاء اللطيفة، بعيداً عن حر الصيف والرطوبة المرتفعة.
ويرى المهندس الزراعي، علي المحمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن توفير الهواء البارد في الأماكن المفتوحة، عبر تعديل درجات الحرارة إلى نحو 26 درجة مئوية، والذي يطلق عليه "التكييف"، ليس عملية بسيطة، بل هو تحد حقيقي نظراً لما يتطلبه ذلك من دراسات هندسية، وتجارب ميدانية قد تمتد لسنوات، لافتاً إلى أن "إنجاز ممشى حديقة أم السنيم بما يتماشى مع قوانين البيئة الخضراء، واستخدام الطاقة النظيفة، إنجاز يحسب لهيئة الأشغال العامة في قطر".
وتحمل الحديقة اسم المنطقة التي تقع بها، والتي تتبع بلدية الريان، الملاصقة للعاصمة الدوحة، و"السنيم" هو نبات نجيلي بري ينمو في قطر، وهو من نباتات الأعلاف التي تأكلها الإبل، وكان هذا النبات يسمى قديماً في أمهات الكتب العربية "الإِسنامة"، وذكر ابن منظور في معجم "لسان العرب" أن الإمام أبو حنيفة، قال إن الإسنامة هو ما كان من ثمر الأعشاب شبيهاً بثمر الإذخِر والقصَب، وأفضل السّنم سنم عُشبة تسمى "الأسنامة".
وكانت منطقة "أم السنيم" عامرة بهذا العشب البري، واعتبرت منطقة مراع خصبة على مدار قرون، لذلك أخذت اسمها منه، وفقاً للمراجع التاريخية.
وتضاعفت الرقعة الخضراء في قطر نحو 10 مرات منذ عام 2010، بعد التوسع الكبير في إنشاء الحدائق والمتنزهات والمسطحات الخضراء، وقفز عدد الحدائق العامة من 56 حديقة في 2010، إلى 143 حديقة في عام 2022، بنسبة زيادة بلغت 164 في المائة، كما ارتفعت حصة الفرد من المساحة الخضراء من متر مربع واحد إلى 16.2 متراً مربعاً بنهاية العام الماضي، ووفقاً لمدير إدارة الحدائق العامة بوزارة البلدية، محمد علي الخوري، فقد بلغ إجمالي عدد الأشجار التي زرعت على مستوى الدولة خلال السنوات العشر الماضية 1.193 مليون شجرة.
ويشار إلى أن قطر دخلت موسوعة "غينيس" عبر تسجيلها العدد الأكبر من الجنسيات المشاركة في حملة تشجير في وقت واحد، إذ زرع أشخاص من 66 جنسية مختلفة أشجاراً في فعالية نظمتها لجنة الإشراف على تجميل الطرق والأماكن العامة الحكومية، في يوم التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2021، وذلك على طريق دخان غربي البلاد.
وزرع كلّ مشارك من جنسية مختلفة شجرة واحدة خلال خمس دقائق، مع اتّباع خطوات دقيقة وُثّقت بكاميرات نُصبت في الموقع خلال الفعالية، ثمّ قُيّمت عملية الزرع ومدى موافقتها مع المعايير والشروط الخاصة للحصول على اللقب، وأعلن محكّمان رسميان لـ"غينيس"، استحقاق لقب أكبر عدد من الجنسيات المشاركة في زرع الأشجار في وقت واحد.
