جدل حول الاستشارة الوطنية لإصلاح التعليم في تونس

تونس: جدل حول استشارة إصلاح التعليم وسط مخاوف من التوظيف السياسي

06 أكتوبر 2023
استهجن كثيرون إجبار التلاميذ على المشاركة في الاستشارة (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

تثير الاستشارة الوطنية لإصلاح نظام التربية والتعليم التي أعلن عنها الرئيس التونسي قيس سعيّد الكثير من الجدل في تونس بشأن إجبار التلاميذ على المشاركة فيها، وسط تحذيرات من توظيفها سياسياً.

واستهجن كثيرون إجبار التلاميذ على المشاركة في الاستشارة التي تمتدّ من 15 سبتمبر/ أيلول إلى غاية 15 ديسمبر/ كانون الأول 2023، على حساب الدروس وتجنيد المدرسين والمعلمين من قبل الوزارة لتعميمها.

إلى ذلك حذّر سياسيون ونشطاء من محتوى الاستشارة الذي قد يزيد من الضرر اللاحق بمنظومة التعليم العمومي المهترئة.

واعتبر وزير التعليم محمد علي البوغديري في تصريحات صحافية أن هذه الاستشارة خطوة نحو إصلاح منظومة التعليم والتربية، داعيا أيضا إلى "المشاركة المكثفة والفاعلة في الاستشارة والتعبير عن الرأي، وتقديم المقترحات البناءة من أجل نظام جديد للتربية والتعليم يضمن مستقبلا أفضل للناشئة ويحقق عزة تونس ومناعة شعبها"، بحسب توصيفه.

وتُعدّ هذه الاستشارة الثانية التي يطلقها الرئيس سعيّد في سياق تنفيذ مساره، كانت الأولى بهدف تغيير النظام السياسي ودستور البلاد، في يناير/كانون الثاني من العام الماضي وقد منيت بمقاطعة واسعة ولم يشارك فيها سوى نصف مليون تونسي، وسط انتقادات واسعة بتوجيه الأسئلة نحو نظام رئاسي ومنظومة حكم كما يريدها سعيد.

من جهتها، أصدرت المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط بيانًا سابقاً، سجّلت فيه بعض الاحترازات التقنية والفنية التي تشوب الاستشارة الوطنية حول إصلاح التعليم، مندّدة بـ"إقحام التلاميذ فيها بطريقة عشوائية".

وجاء في بيان المنظمة أنها "عاينت كمًا من الفوضى التي تصاحب هذه الاستشارة ما قد يفقدها قيمتها وجدّيتها"، رافضة في هذا الإطار، تعليق الدروس في المؤسسات التربوية بحجة تنظيم يوم الاستشارة وإجبار التلاميذ على الحضور والمشاركة فيها".

واعتبر رئيس حزب الائتلاف الوطني التونسي ووزير التعليم السابق ناجي جلول، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الاستشارة إهدار للوقت وللمال العام لأنه تم إنجاز حوار وطني شامل وعام بين الأساتذة والمعلمين والمربين والتلاميذ والأولياء ومجتمع مدني وسياسي ونقابي وشارك فيه جميع المتدخلين ونتائجه موجودة في مكاتب وزارة التعليم، أطنان من الاستمارات وقد تم تلخيصه في كتاب أبيض يتضمن التشخيص والحلول".

واستدرك جلول بأن "ما يقوم الرئيس هو ما قام به في تغيير الدستور والحياة السياسية، أي عقلية الانطلاق من الورقة البيضاء وهدم كل ما قبله وكأن كل ما سبقه خراب وفاسد وهو سيبني من جديد بالبناء القاعدي والعلو الشاهق، وفي هذا السياق جاءت الاستشارة والدستور الجديد وكل شيء يبدأ معه"، حسب تعبيره.

وأفاد بأن "هناك بعض الأسئلة فيها توجيه سياسي، وفي آخر المطاف هذه فترة الإنكار والإلهاء، بإنكار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في مقابل إلهاء الناس باستشارة ودستور وانتخابات وأقاليم... بل نحن في فترة تدمير كل ما بنته الدولة الوطنية منذ عقود".

واعتبر الباحث الجامعي زهير إسماعيل، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "إصلاح منظومة التربية والتعليم تحوّلت إلى فكرة مبتذلة ودالاً بلا مدلول، فقد استُهلك العنوان حين لم يتمّ تصريفه إلى عملية إصلاح فعلي يكون لها أثر عملي على جودة التعليم والتكوين التقني والعلمي المتين، لتَحُطّ عند جامعة تنتج المعرفة والقيمة المضافة ومقدّمة لمجتمع المعرفة المنشود". 

وتابع "نرى أنّ مشاريع الإصلاح التي عرفت انطلاقتها مع دولة الاستقلال كانت كلّها دون الأفق الوطني. ونعني أنها جميعا صيغت في مواجهة خصم سياسي وإيديولوجي مشيطن ومن ثم مستبعد من المشاركة في رسم سياسات البلاد ومستقبل أجيالها. فكان إصلاح المسعدي في مواجهة الزيتونة رغم أنّ جزءا من خريجيها وكوادرها العلمية استعملوا في عملية الإصلاح ضمن رؤية لم يشاركوا في صياغتها. وكان إصلاح محمد مزالي في مواجهة اليسار، وكان إصلاح محمد الشرفي في مواجهة الإسلاميين".

وأفاد بأنه "مع الانقلاب وشطب مسار الانتقال الديمقراطي انتهينا إلى استحالة عملية الإصلاح المطلوبة. وتحوّلت مع المجلس الأعلى للتربية إلى عنوان إيديولوجي شعبوي مشدود إلى صراع الانقلاب مع الحركة الديمقراطية وتيار استئناف مسار الانتقال. ومع ما تم من مصادرة للحقوق والحريات وهدم للمؤسسات الديمقراطية تنتفي كل إمكانية لإصلاح فعلي. وسيكون مصير الاستشارة حول إصلاح منظومة التربية والتعليم كمصير الاستشارة والاستفتاء والانتخابات البرلمانية وما عرفته من مقاطعة واسعة من الناس كانت نتيجتها مؤسسات صورية وبلا دور".

وشدد على أن "الإصلاح الحقيقي لا تتوفر شروطه اليوم وأول هذه الشروط استعادة الديمقراطية واستقرار نظامها حتى يكون له بعده الوطني خارج كل فئويّة ومتحررا من الصراع الإيديولوجي المعطّل".

يذكر أن الاستشارة الوطنية تنقسم إلى 5 محاور كبرى، هي: التربية في مرحلة الطفولة المبكرة والإحاطة بالأسرة وبرامج التدريس ونظام التقويم والزمن المدرسي، والتنسيق بين أنظمة التربية والتكوين المهني والتعليم العالي والتكامل بينها، وجودة التدريس والتكنولوجيا الرقمية، وتكافؤ الفرص والتعلّم مدى الحياة.