تبدأ التونسية ربيعة يومها في الساعة الخامسة صباحاً، لتقضي أكثر من تسع ساعات في العمل بإعداد الوجبات التقليدية، ومنها الكسكسي، والمدفونة، والملوخية، والطاجين، تجهز وجبات تكفي عشرة أشخاص على الأقل.
تقوم بتوفير ما تحتاجه من خضراوات ومواد غذائية لصنع الأطباق، ثم تنشر ما تجهزه على مواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى أكبر عدد من الزبائن الذين يفضلون أكل البيت على المطاعم، سواء العائلات أو الطلبة الذين يعيشون بعيداً عن أهلهم.
كانت ربيعة تطمح منذ صغرها في تنفيذ مشروع امتلاك مطعم للأكلات التقليدية. لكنها لم تتمكن من الحصول على قرض لفعل ذلك، ما جعلها تعد الوجبات في بيتها، بعد أن خصصت ركناً في مطبخها لجمع كلّ ما تحتاجه من مستلزمات الطبخ، ثم تقوم بتوصيل الوجبات الجاهزة إلى الزبائن في بيوتهم.
لا تستطيع السيدة التونسية الوقوف طويلاً نظراً لكبر سنّها، لكنّها تحب الطبخ. تقول لـ"العربي الجديد"، إنّها تُعد الأطعمة في بيتها منذ ثلاث سنوات تقريباً. "أحضر طلبات الزبائن، وأحياناً أعد أنواع من الأكلات، وتقوم ابنتي بنشر صور ما أجهزه على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتصل بنا الزبائن للطلب، فنؤمن التوصيل إلى البيوت، خصوصاً في مدينتنا. وقبل فترة بدأ أحد الشباب العمل معنا على توصيل الطلبات إلى الزبائن". تضيف: "في البداية، كنت أعدّ كلّ شيء بمفردي من دون مساعدة أحد. لكن بعد ارتفاع عدد الزبائن باتت تشتغل معي فتاة تساعدني في التحضير، لكني أتولى بالأساس مهمة الطهي، واخترت التركيز على الأطباق التقليدية التي يحبذها غالبية التونسيين، وساعدني العمل في البيت على توفير مصدر دخل، ولا أجد مشاكل في توفر المواد الضرورية، أو في توفير الوقت. فحبي للطبخ لا يجعلني أشعر بالملل أو التعب، وأعدّ كل يوم وجبات مختلفة، وغالبية الزبائن لا يطلبون الأكلات الخفيفة، بل الأطعمة التقليدية التي لا يجدون الوقت لطهوها في بيوتهم". وتشير ربيعة إلى أنّ "أكل المطاعم لا يمكن مقارنته بأكل البيوت، لذا يفضل العديد من الزبائن شراء الأكل الذي يجري إعداده منزلياً بالطريقة التقليدية، وكثير من النساء يقمن بإعداد الوجبات والحلويات في البيوت، ويبعنها مباشرة إلى الزبائن من دون فتح مطعم".
كانت منال (38 سنة) تصنع حلياً من الفضة للبيع، لكن الأمر لم يعد يوفر لها الدخل الكافي لدفع إيجار البيت وتوفير مصاريف العائلة. ما دفعها إلى إعداد الأكل في بيتها. وتقول إنّها في البداية لم تجد تشجيعاً كبيراً من زوجها الذي استغرب الفكرة. لكن بتمويل بسيط، باتت تعدّ يومياً عشر وجبات، وتقوم بإيصالها إلى الزبائن، وبعد أشهر، باتت تعدّ وجبات لأكثر من خمسين شخصاً يومياً، وقامت بتشغيل شاب لتوصيل الطلبات إلى الزبائن.
تضيف منال: "أطبخ الأكلات التونسية التي يصعب على بعض النساء تجهيزها، أو لا يجدن وقتاً لإعدادها بسبب عملهن، حتى أن بعض الأكلات التقليدية باتت تُطبخ فقط في المناسبات، لكن هناك عائلات تطلبها بصفة مستمرة، وهذا ما أحاول توفيره. ثمن الطبق الواحد يتراوح ما بين 10 إلى 30 دولاراً، حسب النوع والمواد المستخدمة".
وتوضح أنها تقوم أحياناً بتجهيز الطعام لمناسبات وأعراس، وتتقاضى على ذلك قرابة 200 دولار، مشيرة إلى أن هذا العمل "يوفر دخلاً يبلغ قرابة 1000 دولار في الشهر، لا سيما في فصل الصيف. كانت النساء في السابق تعد المؤونة السنوية من عجين الكسكسي والشربة والهريسة والزيتون وغيرها من الأشياء التي لا تغيب عن مطبخ أي عائلة. لكن حالياً، وبسبب عمل المرأة، باتت أغلب تلك المواد تُقتنى من المحلات، لكنها لا تكون بنكهة وطعم ما يُعدّ في البيوت، لذا ترغب العديد من العائلات في الأكل البيتي، والذي باتت العديد من النساء توفره، وتبيعه بأسعار أقل من المطاعم، ما يساعد في نجاح العمل، وزيادة الزبائن".
واختارت نساء أخريات التخصص في إعداد مواد غذائية، مثل الهريسة، والبسيسة، أو تجهيز المواد الأولية لإعداد أطباق تونسية تقليدية، منها المعكرونة والشربة والكسكسي، وبيعها للعائلات بكميات كبيرة تكون بمثابة مؤونة تحفظ طوال السنة. فيما تعدّ بعض النساء مؤونة الزيتون والزيت والمخللات في البيت، ويبعنها مباشرة للزبائن، أو عبر بعض المحال والمطاعم التي تتخصص في توفير المؤونة لإعداد وجبات تكون نكهاتها قريبة من نكهات الأكل المنزلي.