العفن القاتل... تهديد لملايين المنازل في بريطانيا

14 ديسمبر 2022
منازل كثيرة في حال سيئة في روتشديل (كريستوفر فورلونغ/ Getty)
+ الخط -

في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، خلص تقرير أصدره الطبيب الشرعي جوان كيرسلي في حادث وفاة الطفل البالغ من العمر عامين في ديسمبر/ كانون الأول 2020، وشكل العنوان الرئيسي لصحف بريطانية عدة، إلى أن "الوفاة نجمت من تعرض منزل عائلته في منطقة روتشديل لعفن لفترة طويلة، ما أصابه بصعوبات قاتلة في التنفس". وأضاف التقرير أن "وفاة عواب إسحق يجب أن تكون لحظة حاسمة في قطاع الإسكان الذي يحتاج إلى إصلاحات جذرية".
وكان تقرير "مسح السكن: جودة الإسكان وحالته لعام 2020" قد أورد أنّ "3.5 ملايين منزل مأهول لا تستوفي المعايير الملائمة للسكن، و2.2 ملايين منها بدرجة خطر من الفئة واحد (مشاكل رطوبة)، و941 ألفاً (4 في المائة) بدرجة رطوبة شديدة وعفن". 
وغطى هذا المسح ثلاث فئات رئيسية من الرطوبة والعفن، أولاها الرطوبة المرتفعة، والثانية الرطوبة المخترقة التي تأتي من تسريبات من الخارج بسبب تلف في الأسقف والمزاريب، والثالثة العفن والرطوبة الشديدة الناتجة عن تجمّع بخار الماء على الأسطح الباردة مثل النوافذ والجدران، جرّاء أنشطة مثل الطبخ والاستحمام. 
ولدى جميع المساكن تقريباً مستوى معين من كثافة الرطوبة والعفن، أما المستويات الخطيرة فتتضمن بقعاً كبيرة من العفن الفطري على الجدران والأسقف، وأحياناً على المفروشات الناعمة.
وفي شهادات لأشخاص عانوا أو ما زالوا يقيمون في مساكن رطبة وعفنة، تقول تامسين رودجرز (24 عاماً)، لـ"العربي الجديد": "في سنتي الدراسية الأخيرة بجامعة بريستول عام 2019، مكثت في سكن خاص مشترك مع زملائي كان يعاني من الرطوبة عموماً، لكن العفن في غرفتي كان شديداً، وتوزّع على الجدار والسقف والشباك. وأنا لم أكترث للأمر في البداية، لكنّني شعرت بعد فترة  بصعوبات في التنفس، فاعتقدت بأنني أعاني من أنفلونزا، فتناولت الأدوية المعتادة للعلاج، لكن حالتي ساءت، فيما لم تخطر في بالي فكرة أنّ العفن المنتشر في غرفتي قد يكون السبب إلا حين زارني والدي للاطمئنان على صحتي، وصُدم بوضع الغرفة، وأبدى قلقه الشديد من الحال، وحذّرني من سموم العفن التي تتسرب إلى الرئة، وقال إنّه سيتقدّم بشكوى ضد المالك". 
تضيف: "طالبت والدي بالتريث لأنّه كان من الصعب العثور على سكن آخر في تلك الفترة. وأبلغت المالك بالأمر، فأرسل شخصاً دهن جميع بقع العفن الموجودة، ثم تحسنت حالتي، وأخبرني كثيرون بأنّ العفن سيعود، وأن الطلاء مجرّد حلّ مؤقت، لكنّ الأمر كان جيداً بالنسبة لي لأنني كنت سأغادر بعد أشهر. وبصراحة لم أفهم مخاوف والدي إلا عندما قرأت خبر وفاة الطفل عواب". 

بدورها تقول طالبة ماجستير في جامعة إيسيكس، فضّلت عدم كشف اسمها، لـ"العربي الجديد: "حين لاحظت وجود عفن في غرفتي داخل سكن الجامعة، مسحته لكنّه عاد للظهور مجدداً. يناهز إيجار الغرفة 600 جنيه إسترليني (730 دولاراً) شهرياً، لكن الطلاب يعانون من وجود العفن في الغرف، خاصة فوق الشبابيك. وبما أنّ معظمنا يجهل مخاطر هذا العفن، لا أحد يبالي. وشخصياً بدأت أعاني من صعوبات في التنفس منذ أن انتقلت للسكن في الجامعة، والتقارير الخاصة بوفاة الطفل عواب لفتت انتباهي إلى البقع الزرقاء المنتشرة فوق شباك غرفتي".   
وبعد مرور عامين على وفاة الطفل عواب الذي وصف خبراء منزله بأنّه "غير صالح لسكن إنسان"، يقول المقيمون في مساكن روتشديل إن "ظروف الرطوبة والعفن ما زالت على حالها". 

جودة الإسكان ضعيفة في بريطانيا (شارلوت ويلسون/ Getty)
جودة الإسكان ضعيفة في بريطانيا (شارلوت ويلسون/ Getty)

وتؤكد صحيفة "مانشستر إيفنينغ نيوز" وجمعية "شلتر" التي تدافع عن حقوق السكن في بريطانيا، أنّه "كان يمكن منع وقوع مأساة عواب، لذا أطلقنا حملة تطالب بتغيير القانون. وفي حال الحصول على التواقيع الكافية لمناقشتها في البرلمان، ستُجبر جمعيات الإسكان على عدم السماح لأي طفل أو أي شخص آخر بالمعاناة في مساكن اجتماعية رطبة ومتعفنة"، علماً أن البرلمان البريطاني يراجع حالياً مشروع قانون لتنظيم الإسكان الاجتماعي. 

وزير الإسكان
ورداً على وفاة عواب، قال وزير الإسكان مايكل غوف: "يجب ألا يُسمح بحدوث ذلك مرة أخرى. لقد جعل الإهمال عشرات آلاف المنازل في البلاد غير آمنة للسكن". وهو قرّر قطع تمويل مقداره مليون جنيه إسترليني (1.21 مليون دولار) عن جمعية الإسكان في روتشديل، وتعهّد بمنع التمويل الجديد لمقدّمي الإسكان الآخرين الذين يتبين أنهم فشلوا في تأمين سكن مناسب للمستأجرين. 

يقيم كثيرون في مساكن رطبة وعفنة في بريطانيا (فودي كجيمشيتي/ الأناضول)
يقيم كثيرون في مساكن رطبة وعفنة في بريطانيا (فودي كجيمشيتي/ الأناضول)

في المقابل، منح غوف مبلغاً إضافياً مقداره 14 مليون جنيه إسترليني (17 مليون دولار) لفرق تنفيذ القانون من أجل تفتيش أصحاب العقارات الخاصة. 
وكتب غوف إلى ستة من مزودي خدمات الإسكان، الذين كشف محقّقو شكاوى الإسكان في انكلترا سوء إدارتهم الذي جعل المساكن التي أشرفوا عليها تعاني من مشاكل مختلفة تشمل البرودة والرطوبة والعفن والتسريبات وإشكالات أخرى معادية للمجتمع.

من جهته، قال كريستيان ويفر، الذي انضم إلى الفريق القانوني لعائلة عواب: "قدم الوزير غوف دعمه لقانون عواب الذي من شأنه أن يحسِّن بشكل كبير أوضاع أولئك الذين يعيشون في منازل تعاني من عفن ورطوبة". 

أيضاً، كشفت شبكة "سكاي نيوز" أن جمعية الإسكان المسؤولة عن الشقة التي توفي فيها الطفل الصغير عواب بسبب العفن، تلقت 106 شكاوى رسمية حول الرطوبة أو العفن خلال العام الماضي. 

قبل الوفاة
وكان والد الطفل، فيصل عبد الله، قد قدم شكاوى ضد جمعية الإسكان في روتشديل عام 2017. وفي يونيو/ حزيران 2020 اتصلت العائلة بمحامين، وطالبت بإجراء تحقيق في مشكلة العفن المتكررة. كما كتب أحد الزائرين الصحيين إلى مسؤولي الإسكان عام 2020 للتعبير عن تخوفه من الوضع، ودعا إلى إعطاء أولوية لطلب إعادة الإسكان للأسرة، لكن الصغير عواب توفي بعد نقله إلى المستشفى إثر معاناته من ضيق في التنفس في ديسمبر/ كانون الأول من ذلك العام.

المساهمون