الزواج الأبيض... مهاجرون تونسيون يسعون إلى الإقامة في أوروبا

07 يوليو 2022
لا يعرف هؤلاء التونسيون ماذا يُخبّأ لهم... لكنّهم بلغوا أوروبا (ستيفان درابو/ Getty)
+ الخط -

يجد تونسيون في "الزواج الأبيض" حلاً لتحقيق حلم الهجرة والحصول على الوثائق التي تسّهل إقامتهم في بلدان أوروبية، على الرغم من مخاطر النصب التي يتعرّض لها بعضهم في غياب ضمانات قانونية تحميهم من المحتالين. ويُعَدّ الزواج الأبيض أو الصوري زواجاً على الورق فقط، تنتهي مدّته بعد حصول الطرف الأول على وثائق الإقامة في أوروبا، في مقابل أن يحصل الطرف الثاني على مبلغ مالي متّفق عليه يختلف بحسب البلد الأوروبي. لكنّ الزواج الأبيض الذي يُبرَم وفق طرق قانونية في دوائر رسمية لا يحجب مخاطر النصب والتحيّل التي يتعرّض لها الحالمون بالاستقرار في دول أوروبية.
ثامر التبرسقي البالغ من العمر 37 عاماً هاجر إلى أوروبا قبل 12 عاماً بطريقة غير نظامية، واختبر الزواج الأبيض. ويستحضر تفاصيل تجربة قاسية كلّفته نحو سبعة آلاف يورو (نحو 7400 دولار أميركي) جمعها من خلال العمل المضني في قطاعات مختلفة بمدينة كانّ الفرنسية. يقول ثامر لـ"العربي الجديد": "كنت طوال أكثر من سنتين أدّخر ما أجنيه في العمل قبل أن أخسره كلّه في لمح البصر، بعد أن تعرّضت لعملية احتيال من فتاة فرنسية اتفقت معها على إبرام عقد زواج صوري يساعدني في الحصول على الإقامة الدائمة في فرنسا".
ويشير ثامر إلى أنّه لم يكن يفكّر في الزواج الأبيض غير أنّ أصدقاءه ممّن سبقوه في تجربة الهجرة اقترحوا عليه البحث عن شابة فرنسية أو تونسية تحمل الجنسية الفرنسية من أجل إبرام زواج صوري يسهّل تسوية وضعه القانوني. يضيف: "استحسنت الفكرة بعد أن عاينت تجارب عديدة ناجحة لأبناء بلدي ممّن حصلوا على وثائق الإقامة بناء على زواج أبيض، لا سيّما أنّ ظروف إقامتي غير القانونية كانت تجبرني على العمل من دون عقود تضمن حقوقي المادية". واتّفق الشاب مع امرأة فرنسية التقاها في منزل صديقه على زواج أبيض، "لكنّها اشترطت الحصول مسبقاً على سبعة آلاف يورو، واتفقنا على مختلف تفاصيل العيش المشترك إلى حين حصولي على وثائق الإقامة".
لكنّ ثامر لم يكن يتوقّع أن تتركه في انتظارها أمام مقرّ البلدية يوم عقد القران وتختفي بعد أن قطعت معه كلّ الاتصالات، "وتأكّدت لاحقاً من أنّني تعرّضت لعملية نصب". ويقول: "سلبتني آلاف اليوروهات في مقابل أن نتزوّج صورياً وأن نقيم في شقّة أمّنتها لإيهام مصالح التحقيق الاجتماعي الفرنسية بجدّية عقد الزواج، لكنّها احتالت عليّ وأخذت المال من دون الالتزام بما اتفقنا عليه، وأنا غير قادر على ملاحقتها قانونياً". ويوضح ثامر: "عانيت بسبب ذلك لأنّني اقترضت جزءاً من المبلغ لتأمين الشقة من أصدقاء واضطررت إلى العمل لساعات طويلة من أجل تسديد الديون".
ومنذ ذلك الحين، بعد تلك التجربة القاسية، لم يفكّر ثامر في معاودة الكرّة. يُذكر أنّ المادة 21-2 من القانون المدني الفرنسي تنصّ على أنّه لا يمكن للأجنبي التقدّم بطلب للحصول على الجنسية الفرنسية قبل مدّة أربع سنوات من تاريخ الزواج.

قد تنقلب الكذبة إلى حقيقة
يشرح المتخصص في علم النفس وفي العلاقات الزوجية والأسرية حمزة ضي، في دراسة له حول زواج التونسيين بأجنبيات، أنّ ما يُعرف بالزواج الأبيض ويُقصَد به الزواج على ورق من شخص يحمل الجنسية الأجنبية الذي ينتهي بمجرّد ٱنتهاء الاتفاق بين الطرفين، يمكن أن يتحوّل في بعض الحالات من زواج مؤقّت إلى زواج حقيقي بفضل ظروف الهجرة والتعارف في الغربة. فقد تساهم لقاءات الطرفَين المستمرة من أجل إتمام المعاملات وتسوية الوضع في التقريب بينهما، وتفتح بالتالي المجال أمامهما من أجل المضي في مشروع الزواج.
وفي خلال السنوات الأخيرة، صارت الدول الأوروبية بمعظمها تفرض قوانين صارمة على الزوجَين، من بينها قضاء فترة طويلة معاً قبل الحصول على أوراق الإقامة، فيما تبعث مصالح الهجرة باحثين اجتماعيين للقيام بزيارة مفاجئة لبيت الزوجية في أيّ وقت من الأوقات، خصوصاً في الليل، بهدف التأكّد من أنّ الزوجَين يعيشان معاً تحت سقف واحد".

كذلك ترفض المصالح المختصة بالهجرة طلبات زواج كثيرة بدعوى أنّها تدخل في إطار ما يسمّى بالزواج الأبيض، فيما يفيد مهاجرون بأنّ حالات النصب والاحتيال من قبل النساء الأوروبيات صارت أكثر تواتراً مع سياسة التضييق على المهاجرين التي تعتمدها دول الاتحاد الأوروبي.

مهاجرون تونسيون شباب غير نظاميين (توليو بوغليا/ Getty)
في نقطة الوصول الأولى يبدأ المهاجرون التونسيون بالتفكير في أفضل أساليب تحقيق حلمهم (توليو بوغليا/ Getty)

احتيال من نوع آخر
لكنّ الاحتيال على المهاجرين الراغبين في الحصول على إقامة قد يأخذ أشكالاً أخرى، وقد يأتي به أبناء البلد الواحد بحسب رواية أحمد المديني. ويقول الشاب البالغ من العمر 29 عاماً لـ"العربي الجديد": "جمعتني قصة حبّ بتونسية مولودة في ألمانيا كنت قد التقيتها في إحدى المناسبات العائلية في أثناء إجازتها الصيفية في تونس. وتوطّدت العلاقة بيننا، واتفقنا على الزواج بمباركة الأسرتَين". يضيف أحمد: "عقدنا قراننا في تونس وانتظرت لمدّة ستة أشهر قبل أن ألتحق بها في ألمانيا بعد الحصول على إقامة لسنتَين"، لافتاً إلى أنّه "كان لزاماً علينا أن نقيم مراسم الزواج وفق التقاليد التونسية حتى نتمكّن من العيش تحت سقف واحد".
لكنّ الزوجة سرعان ما تنكّرت لوعودها، بحسب ما يخبر أحمد الذي يوضح أنّها "صارت تبتزّني للحصول على المال في مقابل تسهيل إقامتي في ألمانيا بعد أن عبّرت لي عن رغبتها في إنهاء العلاقة بيننا في انتظار استكمال إجراءات الطلاق". ويؤكد: "اضطررت إلى الخضوع لشروطها حتى أتمكّن من الالتحاق بإحدى الجامعات الألمانية والتأكد من أنّني لن أرحّل بعد زوال أسباب إقامتي والانفصال عن زوجتي التي تنتمي إلى الجيل الثاني من المهاجرين التونسيين".
ويصف أحمد التجربة التي عاشها بـ"الصعبة، خصوصاً أنّني كنت أحتاج إلى سند للاندماج في مجتمع جديد، وقد اضطررت إلى دفع جزء من راتبي الذي أتقاضاه من العمل في أحد مصانع مدينة دوسلدورف (غرب) للمرأة التي اقترنت بها لبناء حياة زوجية". ويرى أحمد أنّ "زواجي الذي تمّ وفق التقاليد التونسية وبعد قصة حبّ تحوّل إلى زواج أبيض تستغلّته حبيبتي السابقة للحصول على المال فيما أستغله أنا لمواصلة إقامتي في ألمانيا".

مهاجرون تونسيون في قارب هجرة سرية (أليساندرا بينيديتي/ Getty)
غاية هؤلاء التونسيين العبور إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط... مهما كان الثمن (أليساندرا بينيديتي/ Getty)

عبور إلى الضفة الشمالية
بينما تتعدّد أساليب تحقيق حلم الهجرة لدى شباب تونس، فإنّ الغاية واحدة وهي العبور إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط بأيّ ثمن كان من أجل عيش حياة يرونها أفضل. وتمثّل أخبار الهجرة السرية أحد أبرز العناوين في تونس، خصوصاً مع ارتفاع أعداد التونسيين الذين اختاروا ركوب قوارب الموت للخلاص من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي فاقمها عدم الاستقرار السياسي.
وقد أظهرت نتائج دراسة حول "الشباب والهجرة غير النظامية في تونس" أنّ 45 في المائة من الشباب التونسي مستعد للهجرة حتى لو كانت غير نظامية. وكشفت الدراسة التي أعدّها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالتعاون مع مؤسسة "روزا لوكسمبورغ" أنّ 81 في المائة من الشباب المستطلعة آراؤهم مستعدون لتمويل الهجرة السرية. 

كذلك أظهر مسح أعدّه معهد الإحصاء بالتعاون مع المرصد الوطني للهجرة أنّ مليوناً و700 ألف تونسي لديهم النيّة في الهجرة في أقرب فرصة تتوفّر لهم، ولفت إلى أنّ هجرة حملة شهادات التعليم العالي عرفت تسارعاً في نسقها في السنوات الأخيرة. وفي المسح نفسه، صرّح 55.5 في المائة من المهاجرين التونسيين الحاليين المقدّر عددهم بـ 566 ألف شخص، بأنّهم يزاولون نشاطاً مهنياً في بلد المهجر، في حين كانت هذه النسبة تقدّر بـ63.4 في المائة قبل أزمة كورونا الوبائية، وهو ما يبرز الأثر السلبي لهذه الأزمة على نشاط التونسيين هناك.
وفي سياق متصل، يفيد أستاذ علم الاجتماع عبد الستار السحباني في دراسة له حول الهجرة السرية في تونس، بأنَ "نشأة مشروع الهجرة غير الشرعية لدى الشباب التونسي يعكس حالة من اللاأمن الناتج عن الفقر والبطالة والإحساس بالتهميش وانعكاساته النفسية السلبية، فيكون مقدّمة الانفصال بينه وبين المجتمع فيتطلع الشباب للهجرة بحثاً عن الحظوة الاجتماعية المفقودة وسط عجز الساسة عن تحقيق طموحاتهم في الكرامة والعدالة الاجتماعية".

المساهمون