الجوع في قطاع غزة يهجّر الفلسطينيين من الشمال وسط تحذيرات من مجاعة

25 فبراير 2024
آخر مساعدات غذائية تمكنت "أونروا" من إدخالها إلى شمال غزة كانت في 23 يناير (الأناضول)
+ الخط -

بعد أكثر من أربعة أشهر ونصف شهر من العدوان الذي تشنّه قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر، راح فلسطينيون كثيرون في شمال القطاع يتوجّهون جنوباً مدفوعين بالجوع، فيما تُطلَق التحذيرات من مجاعة محقّقة. وهؤلاء كانوا قد لازموا الشمال طوال هذه المدّة على الرغم من الغارات الجوية وقصف الدبابات والقنص، غير أنّ الجوع تمكّن من تهجيرهم.

ويأتي ذلك وسط تدهور الوضع الإنساني في كلّ مناطق قطاع غزة المحاصر والمستهدف بآلة الحرب الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، في حين يُحكى عن "ثالوث" يهدّد أهالي غزة يقوم على الجوع والمرض والقصف.

ويبدو الجوع في شمال القطاع أمراً منطقياً، لا بل نتيجة حتمية لحرمان الفلسطينيين العالقين فيه الغذاء. وفي هذا الإطار، نشر المفوّض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني، مساء اليوم الأحد، تدوينة أوضح فيها أنّ المرة الأخيرة التي تمكّنت خلالها وكالة أونروا من إيصال مساعدات غذائية إلى شمال غزة كانت في 23 يناير/ كانون الثاني الماضي.

أضاف لازاريني، في منشوره على منصّة "إكس"، أنّ وكالته عمدت منذ ذلك الحين، إلى جنب وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة، إلى "التحذير من مجاعة تلوح في الأفق"، وإلى "المطالبة بوصول المساعدات الإنسانية (إلى الشمال) بانتظام"، وإلى التصريح بأنّ من الممكن تجنّب المجاعة في حال السماح بدخول مزيد من قوافل الغذاء إلى شمال غزة بصورة منتظمة".

لكنّ المفوّض العام لوكالة أونروا بيّن، في منشوره نفسه، أنّ "دعواتنا لإرسال المساعدات الغذائية رُفضت، وقد لقيت آذاناً صمّاء".

وشدّد لازاريني على أنّ "هذه كارثة من صنع الإنسان". وإذ أشار إلى أنّ "العالم كان قد تعهّد بعدم السماح بحدوث مجاعة مرّة أخرى"، قال إنّ "تجنّب المجاعة ما زال أمراً ممكناً"، من خلال إرادة سياسية حقيقية لإتاحة إيصال المساعدات (إلى من يحتاجها) وتوفير الحماية لها. وبالنسبة إلى لازاريني فإنّ "الأيام المقبلة ستختبر مرّة أخرى إنسانيتنا وقيمنا المشتركة".

أزمة سوء التغذية تتفاقم في غزة

وكانت وكالة أونروا قد أفادت في تدوينة سابقة على منصة "إكس"، نشرتها أوّل من أمس الجمعة، بأنّه "لم يعد في إمكاننا غضّ الطرف أكثر عن هذه المأساة". أضافت: "لا يمكن لأحد الادّعاء أنّه لم يكن يعلم"، في إشارة إلى الكارثة الإنسانية التي حلّت تحت أنظار ومسامع العالم كلّه.

وقد دفعت الحرب، التي هجّرت مئات آلاف الفلسطينيّين، نحو 2.2 مليون شخص، أي الغالبية العظمى من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى حافة المجاعة، بحسب ما أفادت أخيراً الأمم المتحدة، علماً أنّها راحت تحذّر من ذلك منذ الشهر الأوّل من الحرب المتواصلة لليوم الـ 142.

بدوره، حذّر برنامج الأغذية العالمي، اليوم الأحد، من تفاقم أزمة سوء التغذية في قطاع غزة، مبيّناً أنّها "تتزايد في ظلّ حالة الطوارئ المتعلقة بخطر الجوع".

وأوضح البرنامج الأممي، في تدوينة نشرها على منصّة "إكس"، أنّ "البيانات الحديثة تظهر زيادة سريعة في مسبّبات سوء التغذية الحاد في القطاع". أضاف أنّ "البيانات الواردة من شمال قطاع غزة تُظهر ارتفاع سوء التغذية لدى الأطفال، في خلال أربعة أشهر فقط، إلى مستويات تستدعي حالة طوارئ".

لم نمت من الغارات الجوية على غزة لكنّنا نموت جوعاً

عند الجانب المصري من حدود قطاع غزة مع مصر، يستطيع المراقب اليوم مشاهدة نحو ألفَي شاحنة مساعدات وهي تنتظر "إذن دخول". فعملية إدخال المساعدات إلى القطاع المحاصر والمستهدف تخضع لموافقة إسرائيل، علماً أنّ الدعم الإنساني الشحيح يصل إلى القطاع بصورة رئيسية من خلال معبر رفح الحدودي، لكنّ نقل بعض من هذا الدعم إلى الشمال ينطوي على مخاطر بسبب الوضع العسكري، بالإضافة إلى أنّ ذلك يرتبط بالرفض الإسرائيلي الممنهج لتوصيل المساعدات إلى هذه المنطقة المعزولة.

وهذا الأمر يزيد امتعاض الفلسطينيين في شمال قطاع غزة. ولعلّ الغضب الذي رصدته وكالة فرانس برس في مخيّم جباليا للاجئين الفلسطينيين خير دليل. فقد شارك عشرات الفلسطينيين في تحرّك عفوي، أوّل من أمس الجمعة، احتجاجاً على ظروف المعيشة. وقد رفع المحتجون لافتات من قبيل "أطفالنا يموتون من الجوع" و"أدخلوا المساعدات إلى شمال غزة" و"لا لسياسة التجويع"، توجّهوا بها إلى "قادة العالم".

وفي التحرّك الذي شارك فيه عدد كبير من الأطفال الذين يُعدّون من أكثر الفئات تضرراً من جرّاء الحرب، علماً أنّ نحو 12 ألف طفل استشهدوا منذ السابع من أكتوبر، حمل صغير لافتة كُتب عليها: "لم نمت من الغارات الجوية لكنّنا نموت من الجوع".

في لقطة أخرى، تجمّع عشرات المحتجّين على نقص المواد الغذائية، من بينهم أطفال، وقد حملوا عبارات كُتب عليها: "أطفالنا يموتون من الجوع" و"أدخلوا المساعدات إلى شمال غزة" و"لا لسياسة التجويع".

وكانت أكثر من جهة، أممية ودولية ومحلية، قد حذّرت في الأيام الأخيرة من الجوع والمرض والقصف، هذه العناصر الثلاثة التي شكّلت ثالوثاً مميتاً للفلسطينيين في قطاع غزة المنكوب. وفي هذا الإطار، حذّرت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة من أنّ الاحتلال الإسرائيلي يضع أهل القطاع في "مثلّث الموت".

هروب من جوع شماليّ غزة إلى الجنوب

وكان بضع مئات آلاف من الفلسطينيين قد لازموا شماليّ قطاع غزة لأسباب مختلفة. وهؤلاء الذين عُزلوا عن بقيّة أنحاء القطاع يعانون من الجوع، ولا سيّما مع منع الاحتلال إدخال المساعدات الإغاثية إليهم، الأمر الذي دفعهم إلى تناول أعلاف الحيوانات في ظلّ نفاد طحين القمح ومواد غذائية كثيرة تُعَدّ من الأساسيات للبقاء على قيد الحياة.

ودفع النقص الكبير في الأغذية عدداً من هؤلاء، أخيراً، إلى الهروب من الجوع نحو الجنوب. سمير عبد ربّه واحد منهم، وقد وصل إلى مخيّم النصيرات وسط القطاع، صباح اليوم الأحد، قادماً من مدينة جباليا الشمالية. يخبر وكالة فرانس برس: "جئت مشياً على الأقدام من شمال غزة، من عزبة عبد ربّه... لا أستطيع أن أصف مقدار الجوع هناك... عندي بنت صغيرة عمرها عام ونصف عام، ولا يتوافر حليب (لها). وقد حاولت إطعامها الخبز الذي أصنعه من بقايا العلف والذرة، لكنّها لا تهضمه... لا مغيث، أملنا كبير بربّنا فقط".

وفي جباليا، أظهرت تسجيلات فيديو لوكالة فرانس برس تدافع عشرات الأشخاص، أمس السبت، وهم يحملون أواني فارغة للحصول على قليل من الطعام. ووسط حالة الفوضى التي كانت تعمّ المكان، صرخ رجل يبدو أنّه مسؤول عن توزيع حساءٍ قائلاً: "خَلَص"، في دعوة إلى وقف التدافع. حينها صرخ أحد المحتشدين المنتظرين أدوارهم: "فليرَ كلّ العالم إلى أين وصلنا وما الذي يحلّ بنا".

في سياق متصل، حذّرت وكالة أونروا، في تدوينة على منصّة "إكس" نشرتها اليوم الأحد، من ندرة المياه النظيفة وكذلك من تراكم النفايات الصلبة وتزايد انتشار الأمراض في مراكز إيواء النازحين في قطاع غزة. وإذ أشارت الوكالة إلى أنّ "الوضع كارثي"، أكدت أنّ فرقها تواصل العمل من أجل تقديم المساعدات الأساسية والحيوية.

المساهمون