اعتاد التونسي عبد الرحمان حميد صيد الأسماك من بحيرة "واد كساب" طوال سنوات، ومثله غالبية سكان محيط البحيرة ذات المياه العذبة، والتي يعيش فيها نوع خاص يسمى محلياً "سمك الورقة". لكن تراجعت أعداد الأسماك في البحيرة بشكل ملحوظ منذ العام الماضي بسبب الجفاف، وبات أغلب عشاق الصيد لا يجدون ما يصطادونه.
يقول الصياد التونسي شوقي الحارث، إن "الجفاف تسبب في نفوق العديد من أنواع الأسماك التي تعيش في البحيرات والأودية، لا سيما في مناطق الشمال مثل باجة وجندوبة. إنقاذ تلك الأسماك يتطلب توزيع كميات كبيرة منها على الأودية والبحيرات في الموسم القادم، وذلك بالطبع في حال نزول تساقطات مطرية كبيرة تنعش السدود والأودية مجدداً".
يضيف الحارث: "العديد من السلاحف ماتت أيضاً بسبب الجفاف الذي لم يسبق له مثيل، وهي ثروة تكاثرت بسبب توفر الظروف. عودة تلك الثروة يبقى رهين الموسم الشتوي المقبل، والذي نتمنى أن تنزل فيه كميات كبيرة من الأمطار لإنقاذ ما تبقى هنا".
وتشهد تونس موجة جفاف غير مسبوقة بسبب تراجع معدلات هطول الأمطار، ما أدى إلى تراجع منسوب مياه السدود، وجفاف عدد من البحيرات والأودية. وحسب وزارة الزراعة، فقد بلغ معدل تساقط الأمطار منذ سبتمبر/أيلول الماضي، 110 ملايين متر مكعب فقط، ما يعادل نحو خُمس المعدّل الطبيعي المعتاد، والذي يقدر بـ 520 مليون متر مكعب، كما سجّلت السدود انخفاضاً في الكميات المخزّنة إلى نحو مليار متر مكعب، بما يعادل نحو 30 في المائة فقط من طاقة التخزين القصوى.
واتخذت الحكومة قراراً بقطع مياه الشرب ليلاً في سياق خطة لخفض الاستهلاك، في ظل شح مخزونات المياه، وجفاف بعض السدود تماماً.
وتؤكد المنظمات الفلاحية على أن موجة الجفاف ستؤثر بدرجة كبيرة على المزروعات، خاصة خلال فصل الصيف. في حين تؤكد منظمات بيئية على الآثار السلبية لجفاف السدود على الحيوانات، إذ تعيش في مياه السدود والبحيرات العديد من الأنواع الحية.
وقبل أربعة سنوات، تم نقل 6 ملايين يرقة لسمك "الكارب"، واستزراعها في عدد من البحيرات والسدود، وأكدت شركة أنابيب مياه الشمال أن هذه الأسماك تساعد في تنظيف أنابيب وقنوات بشكل طبيعي نظراً لاستهلاكها الأعشاب البحرية التي تنمو بداخلها. كما تم استزراع سمك "البوري" في سد "كساب" بولاية باجة، والتي باتت تنتج نحو 3 آلاف طن سنوياً، وكان مخططاً العمل على زيادة تلك الثروة السمكية إلى 4 آلاف طن في السنة، لولا الجفاف.
وانطلقت فكرة تربية الأحياء المائية في السواحل والسدود منذ أواخر السبعينات لدعم الصيد البحري، وتعتبر سدود "سيدي سالم" و"سيدي سعد" و"الهوارب" و"ملاق" و"بئر مشارقة" و"لبنة" الأكثر إنتاجا في تونس، فيما تعيش العديد من أنواع السلاحف في مياه السدود لتتغذى على الطفيليات. لكن تم خلال الفترة الأخيرة تسجيل نفوق عدد كبير منها بسبب الجفاف، لا سيما في سد "واد شيبة" الذي جف تقريباً بالكامل.
يقول المختص في الشأن البيئي، حسام بن سليمان، إن "العديد من الحيوانات البرية ستواجه العطش بسبب جفاف الأودية والسدود والبحيرات، والذي سيؤثر خصوصاً على الثروة الحيوانية التي تعيش في المياه العذبة، كما أن العديد من الحيوانات والزواحف ستضطر إلى البحث عن المياه قرب التجمعات السكنية، وهذا قد يشكل خطراً على حياة السكان، خصوصاً من الزواحف التي باتت تبحث عن الأكل والشراب في القرى بسبب نقص الغذاء في محيطها".
ويضيف بن سليمان: "حذرت المنظمات الناشطة في المجال البيئي قبل سنوات من تداعيات الجفاف على عدة مستويات، سواء على المجال الفلاحي أو على مستوى تهديد الثروات الغابية والحيوانية، وقد لوحظ نفوق عدد كبير من السلاحف بسبب جفاف البحيرات والأودية، كما تراجعت الثروة السمكية على مستوى السدود بسبب انخفاض منسوب المياه، وبعض الطيور المهاجرة التي نشهد توافدها في عدة مواسم يمكن أن تتقلص أعدادها بسبب جفاف البحيرات، خاصة الطيور التي تحط في المياه العذبة".
وتداولت العديد من نشطاء البيئة مؤخراً صورا تظهر تراجع منسوب مياه أغلب السدود، وجفاف بعض منها، محذرين من تداعيات ذلك على الوسط البيئي ككل، وليس على المستويين الزراعي والحيواني فقط، في حين تداول كثيرون صوراً تظهر نفوق بعض أنواع السلاحف والأسماك بسبب الجفاف، والمتوقع أن تتفاقم حدته خلال فصل الصيف.