آباء يحرمون عائلاتهم من المساعدات في إدلب

02 ابريل 2022
المعاناة كبيرة في أحد مخيمات إدلب (دوغوكان كيشينكيليتش/ الأناضول)
+ الخط -

زادت معاناة أم عمار (48 عاماً)، التي تتحدّر من مدينة حلفايا شمالي محافظة حماة، وتعيش مع أولادها وأحفادها في منزل في بلدة الفوعة شمالي محافظة إدلب. فمنذ خمس سنوات، توقف الأب عن تأمين مصروف أولاده الستة، كما يمنع عنهنّ مساعدات الجمعيات الخيرية على اعتبار أنّ دفتر العائلة بحوزته. تقول لـ"العربي الجديد" إنّها تزوجت من رجل متزوج مرّتين، وهو من ريف معرة النعمان جنوب إدلب. ثم تزوج مرة جديدة ليعيش معها ويُهمل بقية زوجاته وأولاده، موضحة أنّ لدى زوجته الأولى ولد وحيد توفي بحادث سير وتعيش معها في المنزل، بينما زوجته الثانية تعيش مع أهلها ولديها إبنة. تضيف: "اضطررت للعمل في جني محصول البطاطس والفستق من الساعة السادسة صباحاً وحتى الثالثة عصراً برفقة أولادي وبمساعدة زوجة أبيهم التي تعيش معنا، فيما تبقى ابنتي الكبرى في المنزل لتعيل أولاد شقيقها الذي استشهد قبل ثلاث سنوات. وبعد نحو عام، تزوجت أرملته وتركت أولادها".
من جهتها، تصف الابنة الكبرى سميرة (22 عاماً) حالتهم بـ "المزرية"، وخصوصاً أنّ جميع إخوتها خارج المدرسة لانشغالهم في تأمين لقمة العيش. وتوضح لـ"العربي الجديد" أنّ شقيقها (8 سنوات) يعمل في جمع النايلون والبلاستيك وبيعهما ليحصل على القليل من المال. تضيف أن النقود تقسم لتأمين المستلزمات المعيشية اليومية، وأهمها الأدوية لوالدتها، مشيرة إلى أن والدها، ورغم إهماله لهم، إلا أنه يأخذ حصصهم من الإغاثة وخصوصاً عندما كانوا في مخيم بداية نزوحهم. تتمنى أن تجد عملاً لتساعد عائلتها، واصفة استشهاد أخيها بالرصاصة التي قتلت العائلة".
أما خولة طحان (42 عاماً)، وهي أم لولدين (16 و11 سنة) وابنة (15 سنة) تركوا جميعهم المدرسة ليعملوا معها في جني محصول البطاطس والفستق، فتقول لـ"العربي الجديد": "نعيش حالياً في غرفة واحدة (قبو)، ومن ضمنها المنتفعات، في بلدة الفوعة، بعدما كنّا في مخيم نادي الفروسية قرب الفوعة، وقد تركنا زوجي منذ ثلاث سنوات بطلب من زوجته الأولى".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

وتوضح أنّه تم تزويجها سراً. وحين علمت زوجته الأولى بذلك، جعلتها خادمة لها وللمنزل. وبعد النزوح، تركها زوجها، مشيرة إلى أن "المساعدات تُسجّل على دفتر العائلة وهو مع زوجي. لذلك، لا نحصل على مساعدات إلا في حال تغاضت المنظمة أو الجمعية عن الدفتر وقبلت التسجيل على الهوية". ولا ترغب طحان بالطلاق من زوجها حرصاً على حياة أولادها الاجتماعية كون المجتمع ينظر للمطلقة "بدونية"، وهي لا تُريد أن يتضرر أبناؤها من طلاقها.
وفي ما يتعلق بوضع النساء اللواتي حُرمن من المساعدات بسبب الزوج، تقول المديرة التنفيذية في منظمة "مزايا" الخاصة بالنساء، ومقرها في مدينة سلقين شمال إدلب، إيثار العلام، لـ"العربي الجديد"، إن "دورنا يتمثل في تقديم المشورة القانونية حول حقّ المرأة باستخراج بيان عائلي لها ولأولادها، ونقوم في بعض الأحيان، ولحالات معينة، بحملة مناصرة لقضية النساء اللواتي أجحفت حقوق أبنائهن".

تأمين الغذاء لطفليها ليس بالأمر السهل (محمد سعيد/ الأناضول)
تأمين الغذاء لطفليها ليس بالأمر السهل (محمد سعيد/ الأناضول)

تضيف: "نسعى دائماً لتمكين النساء مهنياً وأكاديمياً من خلال التدريبات التي تُطلقها مزايا بشكل مجاني يستهدف أكبر شريحة ممكنة من النساء، كي تكون المرأة قادرة على الخوض في سوق العمل بكلّ ثقة". وتنصح العلام المرأة "بعدم الاستسلام لليأس وعدم الاتكال على أحد، والسعي بكلّ ما أوتيت من قوّة لتتعلم مهنة تُغنيها عن السؤال وتعينها على القيام بأعباء الحياة، وأن تكون سنداً لنفسها ولأولادها".
من جهته، يؤكّد مدير المراقبة والتقييم في منظمة عطاء الإنسانية محمد البان أنّه "بحسب المشاريع التي عملت عليها المنظمة، لم تصل إليها حالات نساء محرومات من المعونة بسبب احتكار الزوج دفتر العائلة"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أنّه "في حال وردت حالة لاحتكار أحد الزوجين دفتر العائلة، تقبل منظمة عطاء أيّة وثيقة تُثبت الشخصية (هوية، دفتر عائلة، إخراج قيد، شهادة قيادة، هوية مجلس محلي)".

وعن الإجراءات المطلوبة لمساعدة النساء، يشير إلى أنّ "الأمر منوط بقنوات الشكاوى المتاحة للمشروع. وبناءً عليه، يقوم فريق التحقّق (المساءلة) بالكشف والتحقّق عبر زيارة ميدانية للحالة للتأكد من عدم حصولها على المساعدة. وبناءً عليه، يتم أخذ الإجراء المناسب".
ويضطرّ ملايين السوريين، وخصوصاً في مناطق سيطرة المعارضة، إلى العيش على المساعدات، بسبب ارتفاع نسب البطالة والفقر، فقد وجدت العديد من الفئات نفسها بمواجهة الجوع نتيجة أسباب مختلفة، ومن بينها الأسر التي تعيلها نساء. وفي آخر إحصائية لفريق "منسقو استجابة سورية" في مارس/ آذار 2022، تبين أنّ نسبة السوريين التي وصلت إلى ما دون خط الفقر تجاوزت 91 في المائة في ظلّ الظروف المعيشية الصعبة، وعدد السوريين الذين وصلوا إلى مرحلة المجاعة وصل إلى ثلاثة ملايين و300 ألف نسمة، بينما بلغ عدد النازحين القاطنين في المخيمات ومراكز الإيواء 1.9 مليون نازح، مشيراً إلى تضاعف أسعار المواد الأساسية أكثر من 140 مرّة حتى نهاية عام 2021.

المساهمون