قالت مصادر قضائية مصرية، إن قسم التشريع في مجلس الدولة اعترض على تعديلات قانون المحكمة الدستورية العليا التي تمنح لرئيس الجمهورية، عبدالفتاح السيسي، سلطة تعيين رئيس جديد للمحكمة من بين أقدم 5 نواب لرئيس المحكمة.
ويُعين عضو المحكمة الجديد من بين اثنين تُرشح أحدهما الجمعية العامة للمحكمة ويُرشح الآخر رئيس المحكمة. ويأتي تعيين رئيس هيئة مفوضي المحكمة وأعضائها بناء على ترشيح رئيس المحكمة بعد أخذ رأي جمعيتها العامة، وذلك تطبيقاً لنصوص الدستور الجديد بعد تعديله في إبريل/نيسان الماضي.
وأضافت المصادر أن القسم لاحظ عدم عرض المشروع على المحكمة الدستورية العليا بالمخالفة للدستور، وأن النص خلا من علاج بعض المشاكل التي قد تثور عند التنفيذ، كوجود أحد نواب رئيس المحكمة أو أكثر خارج البلاد على سبيل الإعارة أو الندب الكلي، أو امتناع رئيس المحكمة أو الجمعية العامة عن إعطاء ترشيحات لعضوية المحكمة.
ونص مشروع تعديل قانون المحكمة الدستورية العليا على استبدال الفقرتين الأولى والثانية من المادة الخامسة من القانون، بالنص الآتي: "يختار رئيس الجمهورية رئيس المحكمة من بين أقدم خمسة نواب لرئيس المحكمة. ويُعين رئيس الجمهورية نائباً لرئيس المحكمة من بين اثنين ترشح أحدهما الجمعية العامة للمحكمة، ويرشح الآخر رئيس المحكمة".
وأفاد مجلس الدولة في اعتراضه بأن "تعديل القانون لم يورد ما يفيد أخذ رأي الجمعية العامة للمحكمة الدستورية، بالمخالفة لحكم المادة 191 من الدستور، التي أناطت بالجمعية العامة القيام على شؤون المحكمة، وأوجبت أخذ رأيها في مشروعات القوانين المتعلقة بشؤونها"، وهو ما اعتبر مجلس الدولة أنه "إجراء دستوري جوهري لا يجوز إغفاله".
وشدد الاعتراض على ضرورة عرض مشروع التعديل على الجمعية العامة للمحكمة، تجنباً لما قد يلحقه من شبهة العوار الدستوري حال عدم الالتزام بذلك، مبيناً أن المشروع استبدل نصين جديدين بنص الفقرتين الأولى والثانية من المادة الخامسة من قانون المحكمة، بحيث يختار رئيس الجمهورية، رئيس المحكمة، من بين أقدم خمسة نواب لرئيس المحكمة.
واعتبر الاعتراض هذا النص "ترديداً" للأحكام المتعلقة بتعيين رئيس ونواب رئيس المحكمة الدستورية العليا، الواردة في الفقرة الثالثة من المادة 193 من الدستور بعد استبدالها، بموجب التعديل الذي دخل على الدستور في إبريل/نيسان الماضي.
وأضاف مجلس الدولة: "تلاحظ خلو هذه المادة من بعض الأحكام اللازمة لاستكمال التنظيم المستحدث المتعلق بتعيين رئيس ونواب رئيس المحكمة الدستورية، رغم تفويض الدستور القانون في بيان هذا التنظيم، إذ لم تبين المادة التاريخ المعول عليه على وجه الدقة عند تحديد أقدم خمسة نواب لرئيس المحكمة، وهو ما قد يُثير لبساً وصعوبات عند تطبيق النص، وتحديد من يتم الاختيار بينهم".
وتابع: "كما لم تبين المادة ما إذا كان يلزم أن يكون نواب رئيس المحكمة، الذين سيتم تعيين رئيس المحكمة من بينهم، متواجدين على رأس العمل داخل المحكمة من عدمه، وذلك حال إعارة أحدهم، أو ندبه ندباً كلياً لإحدى الهيئات الدولية أو الدول الأجنبية، وفقاً لحكم المادة 13 من قانون المحكمة الدستورية المشار إليه وقت الترشيح".
وأشار اعتراض مجلس الدولة إلى خلو المادة أيضاً من بيان ما يلزم اتباعه حال امتناع الجمعية العامة للمحكمة، أو رئيسها، أو كليهما، عن ترشيح نائب لرئيس المحكمة، حتى يباشر رئيس الجمهورية سلطته في الاختيار من بين المرشحين.
وختم الاعتراض، الذي حمل توقيع رئيس قسم التشريع في مجلس الدولة، المستشار حسن الشلال، بالقول: "القسم يضع تحت بصر مجلسكم الموقر (البرلمان) هذه الملاحظات لتداركها، درءاً لما قد يسفر عن تطبيق النص، حال إقراره بحالته الراهنة، من إشكاليات عملية نتيجة هذا الفراغ التشريعي".
إلى ذلك، وافقت اللجنة على التقرير التكميلي بشأن رأي مجلس الدولة إزاء تعديل تشريعات المحكمة الدستورية، والجهات والهيئات القضائية، التي أحالهم مجلس النواب إلى مجلس الدولة لمراجعتها، يوم الأحد الماضي، إيذاناً بالتصويت النهائي عليها في جلسة البرلمان المنعقدة اليوم الثلاثاء.
وشملت التعديلات كلاً من قانون المحكمة الدستورية الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وقانون هيئة النيابة الإدارية الصادر بالقانون رقم 117 لسنة 1958، وقانون هيئة قضايا الدولة الصادر بالقانون رقم 75 لسنة 1963، وقانون القضاء العسكري الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966، وقانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972، وقانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972.
وانتهت اللجنة إلى أن ردود مجلس الدولة لا تحمل أي مخالفة أو اعتراض على مشروعات القوانين، وتمسكت بما انتهت إليه من قبل، وما انتهى إليه مجلس النواب في الجلسة العامة من الموافقة عليها، وهو ما يعني تجاهل ملاحظات مجلس الدولة على قانون المحكمة الدستورية، وتعرض تعديل القانون للطعن بعدم دستوريته في حال أقره البرلمان، من دون الأخذ بملاحظات مجلس الدولة.
واعترضت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، اليوم، على ملاحظات مجلس الدولة على هذا القانون، رغم أن رئيس البرلمان علي عبد العال هو من قرر عرض المشروع على المجلس لأخذ رأيه، وجاء في المناقشات التي دارت داخل اللجنة أنه تم إرسال المشروع بالفعل إلى المحكمة الدستورية العليا لكنها لم ترد على البرلمان، وبالتالي فهي امتنعت عن إبداء رأيها.
ووفقاً للمصادر القضائية، فإن قسم التشريع في إطار ممارسة عمله في مراجعة المشروع لم يتسلم أي وثيقة تفيد عرض الأمر على المحكمة الدستورية أو عدمه، وعلى هذا الأساس أشار في ملاحظاته إلى ضرورة أخذ رأي المحكمة تطبيقاً للمادة 185 من الدستور التي تنص على أخذ رأي كل هيئة في مشروعات القوانين المنظمة لعملها.
ويمثل القانون الجديد إهداراً كاملاً لاستقلال المحكمة الدستورية الذي نالته في السنوات الأخيرة باختيار جمعيتها العمومية لرئيسها، بعدما كان رؤساء الجمهورية السابقون يعينون رئيس المحكمة من تلقاء أنفسهم، ورغم ذلك لم تفصح المحكمة إبان التعديلات الدستورية عن رأيها ولم تعارض ذلك، في خطوة فسرتها مصادر قضائية في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد" بأنها نتيجة أن التعديل فتح باب الأمل لبعض القضاة لرئاسة المحكمة لفترة طويلة تناهز 10 سنوات، مما يغلب المصلحة الشخصية لبعضهم –حال اختيارهم- على المصلحة العليا للمحكمة باستمرار اتباع مبدأ الأقدمية المطلقة في اختيار رئيسها، وهو المبدأ الذي كانت المحكمة قد طالبت بتنفيذه طويلاً حتى تم تضمينه في دستور 2012 لأول مرة.