مليشيات جنوبي العراق: "مهنة" مربحة... بغطاء شرعي

مليشيات جنوبي العراق: "مهنة" مربحة... بغطاء شرعي

12 أكتوبر 2014
قامت الملشيات بعمليات نهب شملت الدوائر والنفط والمصارف(فرانس برس)
+ الخط -
يتحسّر الشاب العراقي سجّاد الوائلي لأنّه لم يتمكّن من الانتماء إلى المليشيات العراقية، باعتبار أنّه لو فعل ذلك لكان "في حال آخر"، على ما يقوله لـ"العربي الجديد"، من دون أن يتردّد في لوم والدته التي منعته من ذلك. تختصر حالة الوائلي وضع العديد من الشبان، في جنوب العراق، والذين بات حلمهم، في ظل البطالة، الانتماء إلى المليشيات، طمعاً بالكسب السريع، خصوصاً بعد فتوى المرجع علي السيستاني، التي منحت تلك المليشيات غطاءً شرعياً وقانونياً، ما عقّد المشهد العراقي بشكل يصعب حلّه.

نشطت المليشيات في الجنوب العراقي بعد سقوط بغداد عام 2003، ودخول الأحزاب التي تفرض نفسها على الساحة السياسية، من خلال قوة مليشياتها، والدعم الخارجي (المادي والمعنوي). وتمنح قوّة المليشيات هذه الأحزاب القدرة على خرق القانون والدستور، وفقاً لمقتضيات الظرف الذي تراه. وبحسب تلك القدرة، تستطيع الأحزاب أن تحصل على أكبر حجم من "الكعكة" العراقية، التي تتناتشها جهات عدّة، لتحقّق قدر المستطاع ما يمكن تحقيقه لأجندات الدول الداعمة لها. وتبدو المليشيات، انطلاقاً من هذه المعطيات، ضرورة ملحّة لتلك الأحزاب، فرضها واقع العراق الجديد بعد عام 2003، وباتت المعادلة واضحة: لا بقاء للأحزاب في "غابة" كالعراق، إلّا مع وجود مليشيات تابعة لها.

يروي الوائلي، ذو الخمسة والعشرين عاماً، كيف أنّ المليشيات لبّت طموح الشباب العاطلين عن العمل في محافظة البصرة والمحافظات الأخرى، ويقول: "كل أقراني ممن انتموا إلى المليشيات، حقّقوا طموحاتهم خلال فترة وجيزة". ويضيف: "لبسوا أفضل الملابس وركبوا السيارات الفارهة، واشتروا العقارات والمنازل، فضلاً عن أنّهم يحملون السلاح ويفرضون شخصياتهم بالقوة على أي مسؤول وفي أي دائرة كانت، ولا يُردّ طلبهم، و"يلعبون بالفلوس لعب"، على حدّ تعبيره.

وبحسرة واضحة لا يستطيع إخفاءها، يتابع حديثه: "كنت أحلم بكل ذلك، لكنّ أمي منعتني كوني وحيدها ولي ثلاث أخوات، وخشيت عليّ فيما الغموض يلفّ مصير العراق". ويضيف: "ها أنت تراني اليوم من دون تحصيل علمي، ولا وظيفة حكومية، ولا مكانة اجتماعية ولا مال، ولا زواج، فقط أبيع السجائر في الشوارع".

وعلى الرغم من كل الدعوات التي تُطلق لمعالجة ظاهرة المليشيات غير السويّة في المجتمع العراقي، لكنّ الواقع الفعلي يقول العكس، ذلك أنّ الأحزاب والكتل السياسية التي لم تكن لها مليشيات، أسّست مؤخراً مجموعات مسلحة جديدة للاستقواء بها على خصومها السياسيين، فيما ينادي قادتها في الاعلام بحلّ المليشيات.

ولا يكتمل الحديث عن هذه التنظيمات المسلحة في العراق، إلّا بالحديث عن إيران التي ركّزت جهودها على تدريب مجموعات من المقاتلين العراقيين على أراضيها. لكنّ عدد هذه المجموعات لا يزال غير واضح. ويشير بعض المسؤولين إلى أنّ العديد من المقاتلين يتدربون في إيران على حدة. وفي الوقت نفسه، سعت ايران للاحتفاظ بالنفوذ السياسي والاقتصادي على العديد من الأجنحة، وليس فقط الأكثر تطرفاً المعروفة باسم "المجموعات الخاصة".

وتُعدّ المحافظات الجنوبية في العراق، المعقل الرئيس للمليشيات، من دون أن يعني ذلك أنّها بالضرورة مسرح أحداثها وتحركاتها، إذ تتحرّك على الساحة العراقية بكليتها.

فتوى السيستاني 

يؤكد الخبير الأمني أحمد السعيدي لـ"العربي الجديد"، أنّ "المليشيات في جنوب العراق تنقسم إلى ثلاثة أنواع: الأولى دخلت البلاد عقب سقوط بغداد عام 2003، ونمت وترعرعت في إيران، التي دعمتها بالمال والسلاح والتدريب"، لافتاً إلى أنّ "تلك المليشيات جاهزة لتنفيذ الخطط المرسومة لها، وبدأت تحركاتها بشكل منظم وجاهز، ومنها مليشيا فيلق بدر(الجناح العسكري للمجلس الإسلامي الأعلى)، وفيلق القدس الإيراني".

أما النوع الثاني بحسب السعيدي، فقد تشكّل "بعد دخول القوات الأميركية إلى العراق عام 2003، ومن أبرزها جيش المهدي"، في حين أن النوع الثالث تشكل بعد دخول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلى الموصل في يوليو/حزيران الماضي، وتحديداً بعد فتوى المرجع السيستاني، التي فتحت الباب أمام تجنيد المليشيات التي انضمّت إلى الجيش، وتحت رايات متعددة ومختلفة".

ويؤكد أيضاً أنّ "فتوى السيستاني للجهاد الكفائي، تعدّ الباب الأوسع الذي فتح لتجنيد المليشيات وتدريبهم في معسكرات عراقية تابعة للجيش العراقي على مختلف ارتباطاتهم"، معتبراً أن "الفتوى ساهمت أيضاً بتمويل وتسليح المليشيات". ويتابع: "أيّاً كانت التسميات، وأيّاً كانت الارتباطات لتلك المليشيات، تبقى هي عامل عرقلة لبناء الدولة، ومعضلة أساسية في طريق استتباب الأمن، خصوصاً أنّها تحمل السلاح باسم الدولة".

التدريب والتسليح

وفي هذا السياق، يقول مصدر عسكري لـ"العربي الجديد"، إنّ "فيلق القدس الإيراني، هو الجهة المسؤولة عن تدريب وتسليح المليشيات في جنوب العراق"، مبيّناً أنّ "الفيلق أقام علاقات رسمية، وطوّر برنامج تدريب متقدمّ، يحتوي على خمس دورات تدريبية حول التكتيك والقيادة، والتدريب، والعمليات الخاصة، والأسلحة والمتفجرات".

ويشرح المصدر كيف أنّ "عناصر المليشيات يكملون التدريب في إيران ويعودون إلى العراق، ليدربوا بدورهم عناصر المليشيات الآخرين، ممّن لم تتح لهم فرصة التدريب في إيران، وممن انضمّوا حديثاً إلى المليشيات".

ويؤكّد المصدر "رصد عدد غير محدّدٍ من المعسكرات التابعة لفيلق القدس، بالقرب من الحدود الإيرانية مع جنوب العراق، لتدريب المليشيات، ومعها مخازن ومخابئ للأسلحة والعتاد، والتي يعتمد عليها في التسليح عند أي طارئ".

وكانت وزارة المالية الأميركية قد فرضت عام 2008 عقوبات مالية على مسؤولين إيرانيين، متورطين بتقديم مساعدات للميليشيات العراقية، وضمّت القائمة الجنرال أحمد فروزاده، قائد قوات رمضان التابعة لفيلق القدس، والذي تقول السلطات الأميركية إنّه مسؤول عن تنظيم التدريب في إيران، وأبو مصطفى الشيباني، وهو عراقي مقيم في إيران، يشرف على نقل المقاتلين والأسلحة عبر الحدود إلى العراق.

التمويل

يقول مصدر في مجلس محافظة البصرة لـ"العربي الجديد"، إنّ "المليشيات كانت في بدايات عملها وتشكيلها في العراق، تعتمد بالأساس على مصادر التمويل الخارجي، من قبل إيران تحديداً، لكن مع توسّع نفوذها وترسيخ جذورها، في مؤسسات الدولة العراقية، تنوعّت مصادر تمويلها لتكتفي ذاتياً". ويشير إلى أنّ "المليشيات تتقاسم السيطرة على البصرة (المحافظة النفطية)، وتجني ملايين الدولارات من ثرواتها، من خلال الاستيلاء بالقوة على بعض الموانئ، وقيادة عمليات تصدير وتهريب النفط إلى إيران والكويت وبكميات خيالية، فضلاً عن تقاسمها الموارد من حركة التجارة في الميناء". ويوضح أنّ "المليشيات قامت بعمليات نهب منظّم، شملت الدوائر والمؤسسات وبشكل أخصّ البنوك، وحتى المستشفيات ومخازن عملاقة للجيش، تقدّر قيمتها بمئات الملايين من الدولارات". ويؤكّد أنّ "تهريب وترويج المخدرات التي تشرف عليها أجهزة الاستخبارات الإيرانية، تعدّ من المصادر الأساسية في تمويل المليشيات، حيث أصبحت المحافظات الجنوبية سوقاً لبيع المخدرات، فضلاً عن أنّها حلقة وصل لتهريب المخدرات من إيران الى الدول العربية".

من هنا، تبدو أيّ محاولة لتفكيك المليشيات في الجنوب العراقي عديمة الجدوى، من دون تجفيف موارد النهب هذه. ومن هذا المنطلق تتجلى أكثر المفارقات سخرية في السياسة الأميركية على صعيد ما تدعيه بـ"معالجة الملف الأمني العراقي".

المهام

من جهته، يعتبر نائب عن "تحالف القوى العراقية"، رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الهدف الرئيس للمليشيات العراقية، هو إحياء الكراهية الطائفية بين العراقيين، للتوجّه نحو تجزئة العراق". ويلفت إلى أنّ "تلك المليشيات تسعى لإجهاض أيّ محاولة للم شمل العراق، فوجودها في البلاد يجعل الفتنة الطائفية قائمة في كل الأوقات". ويؤكّد أنّ "هدف المليشيات هو ذاته هدف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فكلاهما وجهان لعملة واحدة، يسعيان لتغيير ديموغرافي يعزل مكونات العراق عن بعضها"، معتبراً أن "المليشيات في الجنوب تهجّر السنّة، وداعش في الشمال والغرب يهجّر الشيعة، ليكتمل مشهد التقسيم".

المليشيات الفاعلة في جنوب العراق

يصعب حصر أسماء المليشيات المتمركزة في جنوب العراق بسبب كثرتها، لكنّ المعروف أنّ انتماءها واحد، وهو إيران، إمّا بشكل مباشر وعلني، وإمّا بشكل غير مباشر وخفي. ويقول السعيدي إنّ "المليشيات الرئيسة في الجنوب العراقي هي فيلق بدر، وفيلق القدس الإيراني، وجيش المهدي، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله". ويضيف: "المليشيات الأخرى الأقل شأناً هي سرايا طليعة الخراساني، وكتائب سيد الشهداء، وحزب الله النجباء، وفيلق اليوم الموعود، ولواء عمار بن ياسر، ولواء أسد الله الغالب، وسرايا الزهراء، ولواء ذو الفقار، ولواء المنتظر، ولواء أبو الفضل العباس، وسرايا أنصار العقيدة، وسرايا الدفاع الشعبي، وكتائب درع الشيعة، وحزب الله الثائرون، وسرايا عاشوراء، وكتائب مالك الأشتر، وحركة الأبدال، وجيش المختار وكتائب الأمام علي وغيرها".

المساهمون