الطاهري لـ"العربي الجديد": يريدون محو اسهامات الاتحاد التونسي للشغل

الطاهري لـ"العربي الجديد": يريدون محو اسهامات الاتحاد التونسي للشغل

03 مايو 2014
الطاهري: بعض الذين رفضوا تجريم التطبيع بالدستور يزايدون الآن(Getty)
+ الخط -
ساهمت مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل في إخراج تونس من الاحتقان السياسي الذي كانت تواجهه، ما مهد لنجاح الحوار الوطني وتجنيب البلاد التمزق والتفرقة.
يتحدث الأمين العام المساعد للاتحاد التونسي للشغل، سامي الطاهري، لـ"العربي الجديد"، بمناسبة عيد العمال العالمي، عن الدور الذي قام به الاتحاد وإسهامه في الثورة التونسية، فضلاً عن عرضه للمراحل التاريخية التي مرّ بها الاتحاد. كذلك تطرق الطاهري لموقف الاتحاد من التطبيع مع إسرائيل.

* لو نذكّر المتابع العربي بأهم المراحل التاريخية التي مرّ بها الاتحاد العام التونسي للشغل وصولاً إلى الثورة؟

- الاتحاد العام التونسي للشغل سليل تجربة نقابية مبكرة جداً في العالم العربي، بدأت في العشرينيات من القرن الماضي مع محمد علي الحامي، الذي أسس أول نقابة مستقلة تونسية عن النقابات الاستعمارية سماها "جامعة عموم العملة"، ولكنها لم تعمّر طويلاً.

بعد ثلاث سنوات تم نفي أغلب قادتها وسجنهم وحل النقابة.. ثم تجددت في الثلاثينيات وأخذت في ما بعد في شكل نقابات متفرقة في كل انحاء البلاد لتجتمع عام 1946 علي يد الزعيم النقابي فرحات حشاد، الذي كان منضوياً في البداية تحت النقابات الفرنسية. ولكن ما رآه من ظلم وتعسف دعاه إلى تأسيس نقابة مستقلة تونسية كانت باسم الاتحاد العام التونسي للشغل.

هذه النقابة، أو المنظمة، انخرطت ضمن المقاومة الوطنية وحتى المسلحة. وشاركت مع الاحزاب الوطنية في ذلك الوقت في المطالبة ببرلمان تونسي وللنضال من أجل تقرير المصير. وهو ما توج في 1956 بالاستقلال.

كذلك كان للاتحاد مع الدولة الجديدة الحديثة المستقلة دور كبير في البرنامج الاقتصادي والاجتماعي لحكومة ما بعد الاستقلال.. واستمر حضور الاتحاد وتأثيره في الحياة السياسية والوطنية عبر مرحلة بناء الدولة، خصوصاً في الستينيات، ثم مع السبعينيات بدأت مرحلة النضال الديموقراطي بعدما استفرد الحزب الحاكم (الدستوري) بالسلطة ونفى أي تعدد سياسي وبدأ التضييق على الحريات. وأصبح للاتحاد دور آخر الى جانب النضال الاجتماعي وهو النضال من أجل الديموقراطية الذي كلفه أزمة 1978 التي أدت إلى اعتقال نقابيين وتنصيب قيادات موالية للحزب الحاكم في ذلك الوقت.

ودخلت البلاد في أزمة جديدة سنة 1985 نتيجة الخيارات الاقتصادية للسلطة فيما دخل الاتحاد في أزمة جديدة 1989 تواصلت خمس سنوات، وتميزت بموجة من الاعتقال والتهجير والطرد والتعسف... إلى أن التأم من جديد مؤتمر المنظمة. واستأنف الاتحاد نضاله في التسعينيات لمحاولة الوقوف في وجه الديكتاتورية الناشئة التي عاش فيها الاتحاد في الحقيقة فترة مد وجزر بين محاولة للحفاظ على أكثر ما يمكن من الحقوق والمكتسبات الاقتصادية والاجتماعية للعمال، وفي الوقت نفسه خلق نوع من التوازن مع سلطة تسيطر على الحياة السياسية والاجتماعية بكاملها، وأدّت إلى فترة فراغ نقابي حقيقي.

وجاءت أحداث الحوض المنجمي في الجنوب التونسي، لينخرط فيها الاتحاد وتصبح المواجهة مباشرة مع السلطة حتى توافرت الشروط الموضوعية لثورة 17 ديسمبر/كانون الأول والرابع عشر من يناير/كانون الثاني.

*كثيرون لا يتحدثون عن أن تظاهرة 14 يناير خرجت من الاتحاد ثم الاضراب العام، هل هذا يعني أن دور الاتحاد في الثورة التونسية مسكوت عنه؟

- هناك فكرة بدأت تسود في تونس بعد الانتخابات الماضية، وهي فكرة التأسيس من جديد، أي محو كل التاريخ القديم وكتابة تاريخ جديد.

ومن بين التاريخ الذي يجب أن يمحى تاريخ اسهام الاتحاد العام التونسي للشغل في الثورة. يوم أحرق البوعزيزي نفسه (السابع عشر من ديسمبر/كانون الأول) كان عادياً بالنسبة للتونسيين وفي سيدي بوزيد، لكن النقابيين حولوه إلى يوم غير عادي. فمع منتصف الليل بدأت الاعتصامات في مقار الاتحاد بسيدي بوزيد وكل الايام اللاحقة إلى يوم الرابع عشر من يناير/كانون الثاني.

كانت كل المسيرات والاحتجاجات والاعتصامات والمواجهات مع قوات الأمن تخرج من مقار الاتحاد. وكانت المطالب اجتماعية صرفة، متمثلة في التشغيل والتنمية، فتحولت في ساحة محمد علي إلى مطالب سياسية إلى أن وصلت للمطالبة برأس السلطة.. وكان الاضراب العام يوم الرابع عشر من يناير/كانون الثاني، هو الضربة النهائية التي أفضت الى هروب الطاغية.

دور الاتحاد لم يتوقف عند هذا الحد، ففي السابع عشر من يناير، جمع الاتحاد الأحزاب السياسية السرية وبعض الاحزاب العلنية التي كانت ملاحقة من السلطة السابقة، وكوّن مجلس الثورة الذي سطّر كل المسار الذي جاء بعد ذلك وعرف بالمسار الانتقالي. كما سطر أهداف تغيير السلطة وتشكيل حكومة جديدة وغيّر المسار، وكان بإمكان الاتحاد لو أراد أن ينفرد بالسلطة، نحن منظمة وطنية قوية نعم، ولكن همها ليست السلطة.

*إشراف الاتحاد العام التونسي للشغل على الحوار الوطني، وقدرته على تجنيب تونس حالة الفرقة والانقسام، وخصوصاً بالمقارنة مع ما حدث في بلدان عربية أخرى والتقاء منظمة الشغل النقابية مع منظمة أرباب العمل في خطاب يكاد يكون متجانساً.. يمثّل استثناءً. كيف نشأت هذه المبادرة التونسية الصرفة؟

- بعد الثورة ارتأينا كمنظمة أن نحافظ على استقلالنا وعلى السلطة وعلى الأحزاب السياسية، وبالفكر نفسه الذي أرساه الزعيم النقابي التاريخي فرحات حشاد سنة 1947، بأن ندفع في اتجاه إيجاد منظمة مقابلة تمثل طرفاً اجتماعياً آخر، هم رجال الاعمال وتكون مستقلة عن السلطة تماماً وقادرة على أن يكون لديها قرارها الداخلي والتنظيم الداخلي بدون تأثير الاحزاب وبدون تأثير السلطة. وهذا يساعدنا في التفاوض وفي فض النزاعات ويساعدنا أيضاً في ما يمكن من ارساء مناخ اجتماعي جديد.

ما جرى أخيراً ليس حلفاً وإنما التقاء مهم جداً، لأننا شعرنا بأن المرحلة الانتقالية مهددة، وشعرنا بأن السقف سيسقط على الجميع في تونس إذا لم نتدخل نحن كقوة اجتماعية ومعنا قوة اجتماعية أخرى هي رجال الأعمال. ووجدنا هذا التجاوب ولمسنا هذه الحاجة الى الاستقلالية لديهم، وكان اللقاء معهم في العديد من المناسبات الى أن جاء الحوار الوطني.

أعتقد أن الحوار الوطني هو النموذج التونسي للدور الذي يمكن أن تلعبه النقابة والذي يؤكد ان الاتحاد العام التونسي للشغل يبقى دائماً منظمة وطنية، بالأساس، قبل أن يكون منظمة نقابية...

*هل هذا ما دفع إلى ترشيح الاتحاد العام التونسي للشغل لجائزة نوبل؟

- لعب الاتحاد دوراً هاماً في الحياة الاجتماعية يؤهله لنيل هذه الجائزة. وترشيح الاتحاد لهذه الجائزة هو فخر لكل التونسيين وليس للنقابيين وحدهم، وهناك الآن لجان دولية تتشكل لدعم ترشيح الاتحاد من علماء سبق لهم أن حصلوا على الجائزة ومنظمات دولية ونقابات أميركية ونمساوية. وأعتقد أن مؤتمر "السيزل" (النقابات الدولي) المقبل سيدعم ترشيح الاتحاد العام التونسي للشغل لنيل جائزة نوبل.

*بالعودة إلى يوم العمال العالمي، ما هو وضع العمال في تونس على المستوى القانوني والمستوى الاجتماعي والاقتصادي عموماً مقارنة بالدول الأخرى؟

ــ هناك منظومة تشريعية في تونس في ما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال. وهي منظومة تعتبر من أرقى المنظومات التشريعية وإن كانت لم تضمن في الدستور الأول سنة 1959، ولكن تم هذا في دستور تونس الجديد.

أما المنظومة التشريعية بصفة عامة من قوانين واتفاقيات دولية، فهي منظومة متماسكة بفضل الاتحاد العام التونسي للشغل الذي فرضها على مسار تاريخي كامل.
لكن المشكلة في ما بعد، تكمن في التطبيق ولاسيما في القطاع الخاص. واليوم مع الدستور الجديد، أصبح لدينا تشريعات في مستوى الدستور مع المنظومة التي تحتاج الى المزيد من التعميق على المستوى الاقتصادي. العمال هم في أسفل سلّم المجتمع، والأجر الادنى في تونس هو أدنى أجر موجود على المستوى الاقليمي مقارنة بالمغرب والجزائر وليبيا والأردن والعديد من البلدان العربية.

ومعدّل الأجور في مستوى الشرائح المتوسطة في تونس هو أيضاً الأدنى. وهو مستوى معيشي لا يمكنه الصمود به أمام ارتفاع الاسعار ومتطلبات الحياة الجديدة. ذوو الدخل المحدود ومنعدمو الدخل، ولا سيما الأجراء، لم تتحسن أوضاعهم عما كانت عليه قبل الثورة.

*هناك موضوع يطرح هذه الأيام في تونس بحدة كبيرة، وهو موضوع التطبيع مع إسرائيل. هناك من يرى في دعوات مناهضة التطبيع مبالغات لأن "الحج للغريبة" مسألة عادية وتتم منذ سنوات ولا داعي للاقتراب من المسألة الاقتصادية وعدم تهويل الأمور. فما هو موقفكم في الاتحاد؟

- المشكلة ليست في "الحج إلى الغريبة" لأنها تحصل كل عام، لكن المشكلة في الاسلوب المعتمد.

نحن لا صلة لنا بكيان (إسرائيل). لا علاقة لنا به، لا نسافر اليه بجواز سفر تونسي ولا نقبل جواز سفره. هذا من الناحية الشكلية الاجرائية الدبلوماسية. كيف يمكن أن نقبل بأشخاص يدخلون إلى تونس بجواز سفر بلد لا تربطنا به علاقة دبلوماسية، بل يربطنا به دم ومجازر مورست على التراب التونسي؟

نحن لا يمكن ان ننسى أبداً الغارة على حمام الشط، ولا ننسى الاغتيالات والاجتياحات التي تمت في تونس ليلاً وغدراً وأدت لاستشهاد القائد الفلسطيني ابو جهاد ( خليل الوزير) والعديد من الفلسطينيين الذين تم اغتيالهم على أرضنا.

نحن نميز بين الدين اليهودي وبين أي حركة أخرى عنصرية صهيونية. ونعتقد أن المزج بينها هو الذي أوجد اللبس لدى الناس. وموقفنا في الاتحاد العام التونسي للشغل دائماً يميز ويفرق باعتبار أن لدينا في تونس يهوداً تونسييين وطنيين ويدافعون على أرض تونس وسيادة ودولة تونس. ولا يقبلون اجتياحها وممارسة ارهاب الدولة في داخلها.
لنا أيضاً موقف من هذا التطبيع. نعتقد أنه كان من المفروض أن يكون هناك موقف واضح إبان صياغة الدستور، لكن بعض الذين رفضوا إدراج تجريم التطبيع وقتها يزايدون الآن. ونحن نعتقد أنها مسألة حسابات انتخابية لا غير. وتونس ليست في حاجة إلى التطبيع لتخرج من وضعها الاقتصادي ولا السياسي ولا غيره.

ونحن لا نزال متمسكين بأن القضية الفلسطينية هي قضية مركزية في تاريخ التونسيين، وأن حق الفلسطينيين في دولة مستقلة عاصمتها القدس مسألة حيوية. وطالما لم يتم ذلك فليس هناك شيء اسمه التطبيع وليس هناك موقف اسمه التعامل والتواصل بأي صورة من الصور مع هذا الكيان. ونحن طالبنا في بيان إلى الحكومة بأن توقف هذا الأمر، تمنعه وتوضح موقفها من أي تعامل يكون بينها وبين هذا الكيان، وأن ليس بيننا وبينه أي رابط.

المساهمون