اختلف الأميركيون حول الجهة المخولة قانونياً (بحسب القانون الأميركي) إدارة برنامج طائرات الاستطلاع من دون طيار، ولكن ليس على شرعيته، أو استمراره؛ فالديمقراطيون والجمهوريون على حدّ سواء يتفقون على "أهمية" البرنامج.
وفي أول تبرير للاستخدام المفرط لهذا البرنامج، في أبريل/ نيسان 2012، قالت إدارة باراك أوباما الديمقراطية إنّ طائرات "الدرونز": "قانونية، فعالة وحكيمة". وينسحب هذا التأييد على الشارع الأميركي. ففي استطلاع أُجري عام 2012، شمل ألف طالب، قال 83 في المئة إنهم يؤيدون البرنامج.
أمّا تبريرات السلطات الأميركية (تصريحات تعود للمستشار القانوني لوزارة الخارجية هارولد كوه في عام 2010)، تقوم على أنّ برنامج "درونز" قانوني وشرعي، وهو وسيلة لـ"الدفاع عن النفس"؛ فواشنطن بحالة حرب مع التنظيمات الإرهابية من "القاعدة" إلى "طالبان" فـ"داعش"، وبالتالي يعدّ استخدام القوة ضدّهم في أي مكان من العالم "دفاع عن النفس"، بموجب القانون الدولي.
وفي السياق، أكّد المتحدث باسم الرئاسة الأميركية جوش أرنست، أنّ "الولايات المتحدة في حرب ضدّ تنظيم "الدولة الإسلامية" تماماً كما هي في حرب ضدّ تنظيم "القاعدة" وحلفائه في العالم". وإن كانت تلك الضربات تمثل انتهاكاً لسيادة دولة أخرى، فهي تصبح "شرعية"، طالما أنّ واشنطن تحصل على "موافقة" السلطات المحلية على حد تعبيره قبل يومين.
وكانت وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه"، الأب الشرعي للبرنامج، قد اجتهدت بدورها، لتأمين الغطاء القانوني لبرنامج "درونز"، وتحديداً مركز مكافحة الإرهاب التابع لها، وكلّفت 10 محامين لإعداد تقرير حول التبرير الشرعي لعمليات "درونز". غير أنّ جهودها باءت بالفشل وجاءت حججها ضعيفة وغير مقنعة، ببساطة لأنّها غير مخوّلة للقيام بعمل حربي.
مرتزقة الحرب الجدد.. شركاء
في ذلك البرنامج المثير للجدل، لا بدّ من استحضار الدور الخفي لشركات الحرب الخاصة المتعاقدة مع "سي آي إيه" ووزارة الدفاع الأميركية، والتي ارتكبت المجازر في العراق، منذ دعا وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول، إلى إطلاق يدها في عام 2003، بحجة "البيروقراطية" التي تُعاني منها وزارة الدفاع.
يؤكّد مؤسس شركة "بلاك ووتر"، إريك برينس، أنّ شركته (تحمل الآن اسم "أكاديمي" منذ 2011 بعد ملاحقة أفرادها أمام القضاء)، سلّحت وطورت بشكل سرّي طائرات الاستطلاع من دون طيار في باكستان، كما دربت فريق "سي آي إيه" الذي يتولى مهمة شنّ الضربات، وجمعت نحو 2 مليار دولار من وراء عقدها مع الحكومة.
ويقول برينس، في إحدى المقابلات الصحافية، إنّ رئيس وكالة الاستخبارات السابق ليون بانيتا، أغلق في العام 2009 مخيماً سرياً لتدريب فريق "سي آي ايه "(هيت تيم)، على أراض يملكها هو في فيرجينا. ولم يتوقف عمل الشركة على التسليح والتطوير والتدريب، بل زوّدت البرنامج بجنودها المتقاعدين من الجيش ووكالات الاستخبارات، الذين كانوا يشنّون ضربات نيابة عن ضباط وعملاء "سي آي إيه". العقد الذي أبرمته الشركة مع وكالة الاستخبارات لم يبق سرّياً، بعدما سرّبه مسؤولون "مجهولون" للإعلام الأميركي، لتنتشر بعدها تقارير صحافية مفادها بأنّ "سي آي إيه" تريد أن تفسخ عقدها مع الشركة الخاصة، لأنّ مديرها السابق في حينه ليون بانيتا، أراد من رجاله أن يقوموا بالعمل، وهو ما عدّه برينس غدراً.
ما كشفه برينس ورجاله وآخرون في الإدارة الأميركية على شكل تسريبات للإعلام، جاء نتيجة استجواب وكالة الاستخبارات على خلفية برنامج "درونز"، لكن ذلك لا يعني أن مرتزقة الحرب الجدد غير متورطين في الغارات الحالية، أو أنّه لن يكون لهم دور في أيّ عمليات مقبلة، يبقى الكشف عن أي دور لهم منوط بالمستقبل.
وتحتاج طائرات "الدرونز" إلى الانطلاق من قواعد قريبة في المنطقة لشنّ غاراتها. وقد كشفت صحيفة "نيويورك تايمز"، في تقرير لها العام الماضي، إنّ الغارات في اليمن تنطلق من قاعدة أميركية سرّية في السعودية. كما أشارت تسريبات إلى جهود أميركية لتأسيس قاعدة عسكرية لهذا الغرض على الحدود الجزائرية الموريتانية، لتساعد القاعدة الضخمة الجاري الاعداد لإنشائها في أربيل، التي يمكن الانطلاق منها لقصف أراضٍ عراقية وسورية.