تونس... تباين مواقف الأحزاب يعقد المشاورات الحكومية

30 يناير 2020
أحزاب تونسية تحتج على طريقة إدارة الفخفاخ للمشاورات(الأناضول)
+ الخط -


انقضى الثلث الأول من المهلة الدستوريّة، المحددة بشهر غير قابل للتجديد، لتشكيل حكومة إلياس الفخفاخ، ولم يتبقَ أمامه سوى 20 يوماً للحصول على موافقة البرلمان، في وقت تراوح الأحزاب البرلمانية مواقفها التصعيدية والمناورة السياسية. 
وكثفت الأحزاب البرلمانية، سواء المعنية مباشرة بالتفاوض حول تشكيل الحكومة أو الأخرى التي دفعها رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ إلى خانة المعارضة، من حراكها السياسي وتأرجحت بين الترحيب والتهديد والتنديد بوثيقة التعاقد الحكومي المعلن عنها وحول شروط الانضمام إلى التوليفة الحكومية.
واختارت أحزاب برلمانية الخروج من طاولة المشاورات الحكومية احتجاجا على منهجية إدارة المفاوضات من قبل الفخفاخ، الذي قرر منذ البداية إبعاد حزبي قلب تونس والدستوري الحر مكتفيا بباقي الكتل والأحزاب البرلمانية الأخرى.
وأعلن أمين عام حزب مشروع تونس، حسونة الناصفي، عن انسحابه من المشاورات احتجاجا على المنهجية التي توخاها الفخفاخ، مشيراً، في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن منوال الإقصاء ورفع الفيتوات في وجه أحزاب ومكونات برلمانية قبل الشروع في المفاوضات لا يترجم الرغبة في بناء حكومة وحدة وطنية ذات حزام واسع وقادرة على مجابهة التحديات المطروحة وقادرة على الصمود أمام الأزمات السياسية والبرلمانية.
واعتبر الناصفي أن الذهاب في تقسيم كتلة الإصلاح الوطني وضرب وحدتها ودعوة مكوناتها فرادى قرار غير سليم ومخالف لأخلاق العمل السياسي وجوهر العمل البرلماني القائم على نظام الكتل، مشيراً إلى العمل على تجميع الكتلة حول موقف موحد متواصل.

وفي نفس السياق، دعا حزب آفاق تونس (يمتلك نائبين في البرلمان) رئيس الحكومة المكلف إلى مراجعة منهجية المشاورات الحكومية، مشدداً على رفضه تصنيف الأحزاب المشاركة إلى صنفين ودعوة أطراف دون أخرى إلى اجتماع صباحي في تقسيم للمشاركين.

وقالت رئيسة المكتب السياسي لحزب آفاق تونس ريم محجوب، في تصريح صحافي، إن حزبها رحب بداية بالمشاركة في المشاورات الحكومية، لكنه اعتذر أمس عن الحضور في نقاش وثيقة التعاقد بسبب منهجية التقسيم والإقصاء والتعاطي بمكيالين مع الأحزاب والمعنيين بالمفاوضات.
ولفتت محجوب إلى أن آفاق تونس يرفض هاتين المنهجية والممارسة، ويدعو رئيس الحكومة المكلف إلى مراجعتهما وتصحيح المسار.
وانتقدت الأحزاب المشاركة في التشكيل الحكومي ذهاب الفخفاخ في اتجاه تقسيم المعنيين بالمفاوضات إلى شقين، في إشارة منه لأهمية الأحزاب ووزنها بحسب الرافضين، وهو ما اعتبروه منهجا لا يترجم ما أعلنه حول رغبته في توسيع الحزام البرلماني وتعزيزه.
ويعيش الفخفاخ على وقع ارتباك بين مكونات توليفة حكومته المعلنة بسبب عدم تجانس مكونات الحزام الثوري الذي يريد أن يطوق به حكومته، إذ يتمسك ائتلاف الكرامة (يمتلك 20 نائبا في البرلمان) برفض إشراك حزب تحيا تونس الذي يقوده رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد، أحد أبرز مقترحي الفخفاخ لمنصبه.
وعبّر ائتلاف الكرامة في بيان له، عن موقفه الرافض "لإحياء المسار التفاوضي الفاشل مع حزب يوسف الشاهد، بالإضافة لرفضهم أي شكل من أشكال التمديد لمنظومة التجسس على التونسيين وفبركة الملفات للخصوم السياسيين واستعمال أدوات الدولة لخدمة حزب رئيس الحكومة وتصفية ملفات الفاسدين من حلفائه، وإغراق كل مفاصل الإدارة والمؤسسات العمومية بالتعيينات الحزبية المشبوهة".
وفسر الكرامة عدم مشاركته في مفاوضات الأمس بأنه هو الذي يحدد من يمثله في مشاورات حكومة "الفخفاخ"، مشددا على "التمسك بكل وضوح بالرجوع للخيار الثوري، وبالقطع الفوري مع منظومة الشاهد والذهاب إلى تشكيل ائتلاف حاكم من الأحزاب والكتل التي اشتركت في مناهضة الاستبداد على قاعدة تنفيذ جميع استحقاقات الثورة وعلى رأسها تسوية ملف الشهداء والجرحى والعدالة الانتقالي".
ولا يقف عدم تجانس الحزام السياسي لحكومة الفخفاخ عند ائتلاف الكرامة؛ فحزب النهضة (يمتلك 54 نائباً في البرلمان) أكبر الغاضبين من منهجية تشكيل الحكومة، ومن بين أكثر المؤثرين في مصيرها. وتسعى النهضة إلى فرض خيار توزيع التركيبة الحكومية حسب حجم الكتل وأهميتها، مشددة على استعدادها لاحتمال انتخابات مبكرة.
ولم يخفِ حزبا التيار الديمقراطي (22 نائباً في البرلمان) وكذلك حركة الشعب (16 نائباً) إظهار دفعهما نحو تشكيل الحكومة وفق رؤية الفخفاخ، غير أن النيران الصديقة من هنا وهناك بدأت تفتك بحزام الفخفاخ البرلماني، إذ لم يتوانَ القيادي البارز في حركة الشعب، سالم لبيض، عن مهاجمة حزبي النهضة وتحيا تونس واعتبر أنهما "ليسا أفضل من حزب قلب تونس المتهم بالفساد".
كما قال القيادي بالتيار الديمقراطي نبيل حجي، في تصريح صحافي، إن الحزام السياسي للحكومة لم يحسم بعد، مشيراً إلى إمكانية أن تكون حركة النهضة خارجه، ومشدداً على أن التيار لا يخشى التهديدات بإعادة الانتخابات.
واعتبر المحلل السياسي عبد المنعم المؤدب، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن الأحزاب البرلمانية بمختلف مرجعياتها أوغلت في المكابرة، حيث ذهبت جميعها إلى اللعب بورقة حل البرلمان وإعادة الانتخابات، وهي ورقة سابقة لأوانها، في محاولات يائسة لتحسين شروط التفاوض ورفع منسوب قيمتها العددية وأهميتها السياسية في تمرير حكومة الفرصة الأخيرة.
وأضاف المؤدب أن جميع الأحزاب تتوخى سياسة المراوغة السياسية، في مناورة مكشوفة لتضييق مجال تحرك الفخفاخ وتقليص سلطة الرئيس سعيد على المسار الحكومي، ولإعادة الكرة إلى ملعبها، لافتا إلى أن عامل ضغط الوقت ستكون كلفته باهظة على الجميع.
واعتبر المؤدب أن الفخفاخ يتحمل جانباً هاماً من مسؤولية تعقيد مشاوراته من خلال سياسة تقسيم المجزأ، مضيفا أن "الفخفاخ بعد إبعاد الأحزاب التي يعتبرها مناهضة للمسار الثوري يعمد إلى تقسيم حزامه الثوري إلى درجتين، مما زاد الطين بلة". 

المساهمون