قلق إسرائيلي من تحولات في السياسة الأميركية تجاه إيران

11 سبتمبر 2019
مخاوف إسرائيلية من توصل ترامب لاتفاق مع طهران(فرانس برس)
+ الخط -

أشعل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب إقالة مستشاره للأمن القومي جون بولتون الأضواء الحمراء في ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ إذ نظر الكثيرون في تل أبيب إلى هذه الخطوة على أنها مؤشر قوي على توجه ترامب لإحداث تحول جذري في سياساته تجاه إيران.

ويدرك الإسرائيليون أن بولتون يتبنى المواقف الأكثر تشدداً تجاه إيران من بين مساعدي ومستشاري ترامب، ما يعني أن هناك خلافات نشبت بين ترامب وبولتون كانت السبب الرئيس وراء التخلص من بولتون، كما يحمل الحدث دلالات على أن واشنطن تسلك مساراً مغايراً لما أوصى به بولتون، وراهن عليه نتنياهو.

ويخشى نتنياهو أن تمثل إقالة بولتون مؤشراً على استعداد ترامب للتوصل إلى اتفاق جديد مع إيران، لا يأخذ بعين الاعتبار خطوط تل أبيب الحمراء، المتمثلة في إلزام طهران بوقف برنامجها النووي بشكل نهائي وبدون تحديد سقف زمني، وتفكيك الترسانة الصاروخية وقطع علاقتها بـحزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية ووقف جهودها الهادفة إلى التمركز عسكرياً في سورية والعراق.

ومما يفاقم الإحباط في تل أبيب حقيقة أن المؤشرات التي تثير الشكوك إزاء الموقف الأميركي تجاه إيران، وضمنها إقالة بولتون، وإعلان وزيرة خارجيته مايك بومبيو مساء أمس استعداد ترامب للقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني بدون شروط مسبقة، جاءت بعد 24 ساعة على "كشف" نتنياهو عن وجود موقع نووي دشنته إيران بشكل سري، وهي الخطوة التي راهن عليها في تقليص فرص حدوث تقارب بين طهران وواشنطن.

وأقدم نتنياهو على عدة خطوات أخرى بهدف إحباط الجهود التي بذلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومحاولة قطع الطريق على قبول مبادرته لتسوية الخلاف بين طهران وواشنطن، إذ أكد عدد من كبار المعلقين في تل أبيب أن أحد أهم الأهداف من قراره تكثيف الغارات في سورية والعراق ولبنان هو توفير بيئة تسمح بإفشال هذه الجهود.

وكما كشفت النسخة العبرية لموقع "المونتور" الأسبوع الماضي، فإن نتنياهو طلب من سفيره في واشنطن رون درمر، التوجه لقادة التيار الإنجيلي، الذي يمثل قاعدة ترامب الانتخابية، ومطالبتهم بالضغط عليه وإجباره على عدم الموافقة على لقاء روحاني، لكن ترامب ومساعديه، كما كشفت صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر اليوم الأربعاء، ينطلقون من افتراض مفاده أن عقد لقاء مع روحاني ومحاولة التوصل إلى اتفاق جديد مع طهران لن يؤثر على مدى التزام الإنجيليين بمواصلة دعمه في الانتخابات المقبلة.

وفي تل أبيب، بات هناك إدراك للمنطق الذي يدفع ترامب إلى منح فرص للجهود الهادفة لحل الخلاف مع إيران، إذ يبدو بشكل واضح أن الرئيس الأميركي معني بتحقيق إنجازات سياسية عشية الانتخابات الرئاسية العام المقبل.

وكما يقول عاموس هارئيل، المعلق العسكري لصحيفة "هارتس"، فإن التقديرات السائدة في تل أبيب ترجح أن رغبة ترامب في تحقيق إنجازات سياسية على صعيد السياسة الخارجية قبل انتخابات العام المقبل تجعله أقل استجابة للضغوط التي يمارسها نتنياهو لمنعه من محاولة التقارب مع إيران.


ويوضح هارئيل، في مقال تحليلي نشرته الصحيفة اليوم الأربعاء، أن ترامب يرسل رسائل واضحة تشير إلى نيته إحداث تحول في سياسته الخارجية، عبر محاولة التوصل إلى اتفاق جديد مع طهران، لافتاً إلى أن الرئيس الأميركي أثبت بالأفعال والأقوال أنه غير معني بمواجهة عسكرية مع إيران حتى بعد أن قامت بإسقاط طائرة التجسس الأميركية.

ويلفت هارئيل الأنظار إلى أن اليمين في إسرائيل قرأ سلوك ترامب بشكل خاطئ، مشيراً إلى أن ترامب في النهاية يقلق فقط من أجل نفسه، لذا فهو معني بتحقيق اختراق على الصعيد السياسة الخارجية ولا يبحث عن حرب جديدة.

المفارقة أن الذي يضع عراقيل أمام إجراء اتصالات مباشرة بين طهران وواشنطن هم الإيرانيون، الذين يطالبون برفع العقوبات كشرط مسبق، وما يزيد الأمور تعقيداً حقيقة أن مؤشرات التحول على موقف ترامب تجاه إيران تأتي عشية الانتخابات الإسرائيلية المصيرية، التي يحاول نتنياهو أن تسمح نتائجها بالحفاظ على أغلبية مطلقة لحزبه وحلفائه من الأحزاب اليمينية والدينية.

من هنا، فإن مؤشرات التراجع على موقف ترامب ستضعف نتنياهو داخلياً وستفقده إحدى أهم أوراقه الانتخابية، إذ ظل يزعم أنه تمكن من دفع واشنطن للانسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات غير مسبوقة على إيران.

ولا يوجد ما يدلل على أن نتنياهو مستعد للتسليم بالمسار الذي تسلكه الأمور، إذ يُتوقع أن يعمد مجدداً إلى تكثيف شن الغارات في سورية والعراق، على اعتبار أن هذه العمليات قد تحسن مكانته الداخلية، وتقود في ذات الوقت إلى مسار يدفع ترامب لاتخاذ موقف، سيما في حال ردت إيران أو إحدى المليشيات التابعة لها على هذه الغارات، وأن يعمد إلى استئناف محاولته التأثير على مواقف التيار الإنجيلي لردع ترامب عن التقارب مع إيران.

المساهمون