نواب مجهولون: العراقيون لا يعرفون أكثر من ثلث أعضاء البرلمان

12 يوليو 2019
غالبية نواب الدورة البرلمانية الحالية من الوجوه الجديدة(حيدر كارالب/الأناضول)
+ الخط -
يكاد العراقيون يتفقون على مسألة عدم معرفتهم بأكثر من 250 عضواً من أعضاء مجلس النواب من أصل 329، إذ تسيطر على المشهد الإعلامي والسياسي مجموعة نواب صاروا ضيوفاً دائمين على القنوات العراقية والمحطات الإذاعية والوكالات الإخبارية، دون غيرهم، وهم يقودون التوجهات السياسية، ويفتعلون المشاكل ويفتحون ملفات ويغلقون أخرى. وتتعدد الأسباب التي تقف خلف غياب الباقين عن المشهد الإعلامي وحتى الإدلاء بمداخلات في البرلمان، كما يصل الأمر ببعضهم إلى حدّ عدم التواصل مع الناخبين الذين اختاروهم ممثلين عنهم في أعلى سلطة تشريعية في البلاد.

ويتساءل العراقيون، في أسلوب لا يخلو من السخرية، عن النواب الذين لا يظهرون. كما يتم تداول صور تُظهر برلمانيين مجهولين عن الجمهور، تحت عناوين أو أسئلة تهكمية، مثل "هل تعلم أن هذا برلماني في العراق"، لتنتج عن ذلك مئات التعليقات الساخرة. ويزيد الأمر سخريةً أنّ غالبية النواب الجُدد ليسوا متمكنين من إلقاء البيانات والمداخلات داخل البرلمان، وهو ما تنتج عنه عشرات النكات في مواقع التواصل الاجتماعي وطرح أسئلة عن أسرار صعود البرلمانيين غير الجاهزين من حيث المعلومات أو الثقة بالنفس.

وتعليقاً على ذلك، قال مصدر في رئاسة مجلس النواب العراقي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الدورة البرلمانية الحالية شهدت أكبر عدد من تبدّل الوجوه عن الدورات السابقة، إذ يكاد يكون أكثر من 70 في المائة من النواب هم من الوجوه الجديدة"، لافتاً إلى "دخول أشخاص إلى البرلمان خلال الانتخابات الماضية، هم بعيدون كل البعد عن السياسة، فمنهم شيوخ عشائر، وآخرون رشحوا أنفسهم مستغلين مسألة المعارك العسكرية ضدّ تنظيم داعش، وهؤلاء أقرب إلى المجال العسكري أكثر منه إلى السياسي". وأوضح أنّ هذا الأمر ينطبق على أعضاء تحالف "الفتح" الذي يضمّ فصائل "الحشد الشعبي"، "فهؤلاء يرفضون التصريح لأي وسيلة إعلامية لعدم توفر المعلومات الكافية لديهم، لذلك يبعدون الإحراج عن أنفسهم".

وأشار المصدر نفسه إلى أنّ "مجلس النواب كان قد خصّص لكل عضو فيه رقماً خاصاً يستخدمه للتواصل مع المؤسسات الإعلامية، ولكننا فوجئنا بأنّ كثيراً من النواب استبدلوا هذه الأرقام بأخرى، وأغلقوا تلك المخصصة للتواصل مع الصحافيين". وأضاف أنّ "بعض النواب الجدد يغيرون أرقام هواتفهم بين الشهر والآخر، لمنع انتشارها بين الصحافيين، وهذا الأمر يخالف النظام الداخلي لمجلس النواب، الذي يضمن للصحافيين حقّ الحصول على المعلومات، لا سيما عن الجلسات البرلمانية وكواليس مشاريع القوانين". وتابع: "لكن بطبيعة الحال، فإنّ هذا الهروب من الإعلام له علاقة مباشرة بمدى تركيز النواب على مستجدات القرارات البرلمانية"، معتبراً أنّ هؤلاء المتهربين "يمثلون أرقاماً فقط، إذ لا يستجيبون للصحافيين ولا يحبون الظهور أمام القنوات الفضائية، ولعل أبرزهم نواب تحالف سائرون، الذين يقولون إنّ المخوَّل بالتصريح هما النائبان رائد فهمي وصباح الساعدي. وينطبق هذا الأمر أيضاً على حمد الموسوي رئيس الحزب المدني، الذي يخشى التعليق على أي موضوع، إضافة إلى نواب تيار الحكمة".

من جهته، قال عضو البرلمان العراقي علي البديري، إنّ "كثيراً من النواب يتحاشون الظهور في وسائل الإعلام خشية الوقوع بالأخطاء، لا سيما تلك التي لا تُغتفر، والتي قد تُسبب لهم مشاكل مع كتلهم وأحزابهم". وأوضح في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "بعض الكتل السياسية تعطي توجيهات بأنّ الذين يخرجون في وسائل الإعلام يكون عددهم محدداً، من أجل توحيد الخطاب الحزبي، عبر غرفة (الناطقية) التي يحظى بها كل حزب، لمنع تضارب الآراء بين أعضاء الكتلة أو الحزب أمام الرأي العام. ناهيك عن وجود أعضاء بالبرلمان لا يريدون أن يظهروا لأسباب شخصية".

بدوره، لفت عضو في ائتلاف "الوطنية"، الذي يتزعمه أياد علاوي، إلى أنّ "الأمر لا يقتصر فقط على الغياب عن القنوات الفضائية، بل حتى داخل البرلمان"، مشيراً إلى أنّ رئاسة البرلمان "تتعمّد أحياناً إهمال بعض النواب بحجة ضيق أوقات الجلسات، واعتماد آراء رؤساء الكتل فقط بالمداخلات والحديث داخل المجلس". وأوضح عضو ائتلاف "الوطنية" الذي فضّل عدم ذكر اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "النواب داخل البرلمان قسمان؛ القسم الأول هو من أولئك الذين يمثّلون جيشاً مهماً للأحزاب خلال تمرير القوانين النفعية للأخيرة، وهؤلاء بصراحة ليس لهم أي دور في ما كان أو سيكون، إذ إنهم عبارة عن أصوات، تارة يقولون نعم وأخرى يقولون لا، بحسب الأوامر الحزبية. أمّا القسم الثاني، فيتمثل بالنواب الذين لا حظّ لهم في المداخلات، فهم يرفعون أيديهم ويطالبون بفرصة للتكلّم، إلا أن رئاسة المجلس تهملهم. وبذلك، فإنّ الرئاسة تخرق النظام الداخلي للمجلس، الذي يخصّص لكل عضو فرصة للتعقيب أو طرح الآراء".

وفي الإطار ذاته، أشار محمد عماد، وهو صحافي دائم في مجلس النواب العراقي، إلى أنّ "كثيراً من النواب الجدد، وحتى القدامى، لا يكون لهم ظهور في الإعلام، لأكثر من سبب، أهمها أنّ هؤلاء لا يملكون معلومات عن القضايا السياسية أو الأمنية، أو حتى عن العمل البرلماني، في ما يخص القوانين والتشريعات وغيرها. كما أن هناك نواباً يقتصر عملهم على إجراء الصفقات السياسية والتفاوض وغيرها". وأكّد عماد في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "بعض الكتل والأحزاب تمنع بعض نوابها من الإدلاء بتصريحات إعلامية، لأنها تعرف أنهم لا يجيدون الخطابة، ولذلك هي تأمرهم بالسكوت كي لا تزل ألسنتهم أو يفضحوا أمراً من دون قصد". ولفت عماد إلى أنّ "غالبية النواب غير متعاونين مع الصحافيين في مجلس النواب، ولا يحضرون إلى الدائرة الإعلامية، حيث مقر وجود الإعلاميين والصحافيين. كما أنّ البعض الآخر منهم نلتقي بهم في ممرات الخروج أو الدخول أو في غرف اللجان البرلمانية، وعادة ما يتهربون من الإجابة عن أسئلتنا".

المساهمون