ويقول مراقبون إن المشهد الجديد الذي فرضه التدخل التركي قوّض الآمال المعقودة على قمة برلين.
وعادت تصريحات قادة دول إقليمية وأوروبية تدعو إلى الحل السلمي، وسط كثافة في الاتصالات الهاتفية والمباشرة، فيما يستعد وزراء خارجية أربع دول لزيارة طرابلس في السابع من الشهر المقبل، في ترجمة لحراك دبلوماسي أوروبي حثيث لقطع الطريق أمام السعي التركي للتدخل في ليبيا.
وتبدو القاهرة أكثر نشاطاً في الحراك الدبلوماسي، حيث أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصالات بأغلب قادة الدول الكبرى، آخرها اتصال بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وقال المحلل السياسي الليبي، سعيد الجواشي، إن المساعي المصرية باتت تتوافق مع السعي الأوروبي، التي توحد أخيراً، لاستعادة زمام قيادة الملف الليبي، مضيفاً: "رغم التسريبات العديدة التي تؤكد بدء تدفق السلاح الإماراتي عبر مصر لمعسكرات حفتر، إلا أن القاهرة التي استدعت حفتر بشكل عاجل أمس تعمل على استعادة الملف لمشاورات الحل السياسي".
وأكد أن المحور العربي الداعم لحفتر كان يعوّل كثيراً على صياغة حل للأزمة الليبية يتوافق مع مصالحها.
ويوضح الجواشي رأيه لـ"العربي الجديد" بالقول إن "القاهرة وحلفاءها العرب على وفاق تام الآن مع الأوروبيين بشأن عرقلة سعي تركيا لتعزيز وجودها في ليبيا، بعد أن أفقدت الأخيرة أي معنى لقمة برلين".
وكان الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، قد قال في مقابلة مع تلفزيون تركي محلي أمس الأحد، إن الرئيس رجب طيب أردوغان "يتريث في أمر المشاركة في قمة برلين بشأن ليبيا حتى تتضح الصورة كاملة"، لافتاً إلى أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل طلبت التباحث مع أردوغان لمناقشة الشأن الليبي.
ونقل قالن عن أردوغان قوله: "قلت مراراً إنه لا معنى لاجتماعنا في برلين إن واصل حفتر هجماته"، مستنكراً موقف الجهات التي تنتقد تنفيذ تركيا لاتفاقاتها مع حكومة الوفاق الشرعية وتلتزم في ذات الوقت الصمت إزاء الوجود الروسي والإيطالي والبريطاني والفرنسي في ليبيا.
وترغب تركيا في دعوة دول الجوار الليبي المغاربية إلى المشاركة في قمة برلين، وتحديداً تونس التي زارها أردوغان الأسبوع الماضي، فيما يُنتظر أن يجري أردوغان زيارة مماثلة للجزائر، بحسب تصريحات للمتحدث باسم الرئاسة التركية.
وفي الأثناء، كشف مصدر حكومي من طرابلس، مفضلاً عدم نشر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن قادة طرابلس لا يزالون يرفضون مبدأ أن يكون حفتر شريكاً سياسياً يمكن التفاوض معه، فيما تسعى تركيا إلى كسب تأييد دول المغرب العربي لمشروع ستطرحه في مشاورات برلين يتمثل بالعودة إلى ما قبل الرابع من إبريل/ نيسان، التاريخ الذي شنّ فيه حفتر عدوانه على طرابلس.
وكان رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، قد قال في مقابلة مع قناة الجزيرة أمس الأحد، إن حفتر "أحرق كل الأوراق السياسية الممكنة، ولا مكان له في أي تسوية سياسية قادمة"، مشيراً إلى أن حفتر أصبح من الماضي، حتى عند حلفائه، حسب قوله.
من جهتها، ترى الصحافية الليبية نجاح الترهوني أن تنافس الدول الداعمة لحفتر من جانب وتركيا من جانب لإرسال دعم عسكري للطرفين أمر لا يتعدى الضغط، مشددة على أن ملامح قمة برلين بدأت تتضح أكثر بعد دخول تركيا على الخط.
وتشير الصحافية الليبية إلى أنه يبدو أن لدى تركيا خطة واضحة ومحددة لإقناع قادة حكومة الوفاق والمجلس الأعلى بالقبول بالجلوس مع حفتر وفق شروط جديدة، مضيفة أن "تركيا تعلم أن حلفاء حفتر فرضوه كرقم ثابت في المعادلة الليبية ولا يمكن تجاوزه من أي حل، لكن يمكن في ذات الوقت تحجيمه".
وسربت مصادر مطلعة في وقت سابق لـ"العربي الجديد" عدة سيناريوهات للحل يجري تداولها في كواليس الإعداد لقمة برلين، من بينها تشكيل مجلسين: الأول عسكري يضم قيادات عسكرية من جانب الحكومة وحفتر، والآخر وطني يضم قيادات اجتماعية تتفق على خريطة طريق جديدة تصادق عليها قمة برلين.
ولا ترى الترهوني تعارضاً في هذا الشكل من الحل مع رؤية تركيا، باستثناء شرط تركي واضح من خلال العودة إلى ما قبل الرابع من إبريل، مشيرة إلى أن تركيا تعني بذلك "عودة حفتر بقواته من حيث أتى".