أثارت تصريحات ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، حول سعي بلاده إلى إحداث انقسام في صفوف جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، في اليمن، جدلاً وتساؤلات حول طبيعة الاختراق الذي تسعى الرياض إلى تحقيقه، في ظل واقع الجماعة، ومجموعة العوامل التي تشكّل تركيبتها، التنظيمية والأيديولوجية، وتحالفاتها في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بعد ثلاث سنوات من الحرب، التي أثبت الحوثيون خلالها قدرة على المواجهة، ومواصلة تهديد الداخل السعودي بالصواريخ البالستية أخيراً.
ورصد "العربي الجديد" قراءات متباينة من الأطراف اليمنية لتفسير التصريحات السعودية عن إمكانية إحداث انقسام في أوساط الحوثيين. وقلل مسؤولون في الحكومة الشرعية من إمكانية أن ينجح أي توجّه من هذا النوع في إحداث تأثير حقيقي، ما لم يترافق مع تطورات محورية، على صعيد الخسائر الميدانية والعسكرية، التي من الممكن أن تخلق واقعاً جديداً، يهدّد تماسك الجماعة وسيطرتها على العديد من محافظات البلاد. ووفقاً لتعبير أحد المسؤولين اليمنيين، من أبناء محافظة صعدة، وهو وكيل في إحدى الوزارات طلب عدم الكشف عن اسمه، فإن "تقسيم الحوثيين أمر وارد، ولكن الواقع اليوم مختلف ومرتبط بالمصالح. ولا أعتقد أن هناك حالياً قيادات يمكن أن تتخلّى عن الجماعة أو أن يكون لها توجه مغاير لقيادتها، ممثلة بزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، ما دامت تسيطر على العاصمة صنعاء وما فيها من مصالح ومؤسسات دولة، لكن إذا بدأت الخسائر سيكون لي رأي آخر".
وكان بن سلمان قد قال، خلال حواره مع مجلة "التايم" في سياق حديثه عن الحرب وإمكانية الحوار مع الحوثيين، "سأقولها اليوم بشكل صريح، نحن نعمل من خلال معلومات استخباراتية على تقسيم الحوثيين. لذلك نرغب في منح الفرصة إذا كان هناك أشخاص في الصف الثاني أو الثالث للحوثيين، ويرغبون في مستقبل مغاير فسنساعدهم على فصلهم عن قادة الصف الأول من الحوثيين الأيديولوجيين". وفتح التصريح الباب أمام المتابعين للبحث في تفاصيل وتكوين الجماعة، التي نشأت في محافظة صعدة اليمنية، ومرت بمراحل، وصلت إلى الإعلان المسلّح عن وجودها، للمرة الأولى، بخوض اشتباكات مع القوات الحكومية في عام 2004، انتهت بمقتل زعيمها المؤسس حسين بدر الدين الحوثي. لكن الحركة سرعان ما استجمعت ذاتها بقيادة والده، الذي كان أحد أبرز الرموز العلمائية الزيدية، بدر الدين الحوثي، لفترة وجيزة، تبعها صعود ابنه، زعيم الجماعة الحالي، عبد الملك الحوثي، الذي حدثت في عهده النقلات النوعية وأغلب الحروب مع الحكومة، وصولاً إلى التوسع نحو صنعاء، وما تلاه من حرب.
اقــرأ أيضاً
وكجماعة أيديولوجية، تُنسب في الغالب إلى "الحوثي"، فإن عبد الملك يعدّ الشخصية التي يلتقي مختلف أتباع الجماعة عند قيادته ويقسمون له بالولاء، كذلك توضع حوله هالة من البطولة والأدبيات التعبوية التي تمجّده، عبر وصفه بـ"السيد" و"قائد الثورة" و"قائد المسيرة القرآنية" وغيرها من المسميات، التي تجعل من مسألة الولاء له أمراً لا يختلف عليه اثنان داخل الجماعة، وإن اختلفت قيادات أو توجّهات في ما دونه. على أن الإطار الجامع، بالنسبة إلى الحوثيين كحركة، ينطلق من تعبئة عقائدية وأيديولوجية جعلتها ممثلاً للزيدية في إطارها الأقرب إلى الشيعة، وصولاً إلى الارتباط مع إيران و"حزب الله". ومع ذلك، وعند الخروج من الإطار التنظيمي للحوثيين كجماعة، فقد ضمت في أثناء توسعها إلى صنعاء، قيادات ووجاهات، من خارج الإطار العقائدي التنظيمي لها كحركة، لكنها تتنوّع بين أصحاب المصالح، الذين أصبحوا جزءاً منها، باعتبارها المتحكم في صنعاء ومحيطها، أو بين الشخصيات المؤثرة فيها، من بعض الأسر الهاشمية، التي تلتقي مع الحوثيين بفكرة الأحقية في الحكم، بدافع النسب إلى الحسن والحسين، لكنها لا تنتمي إلى الجماعة كتنظيم بما فيه الكفاية. وهذا الجزء الذي التفّ حول الحوثيين باعتبارهم "السلطة" أو بواقع الصعود، يمكن أن يتخلّى عن الجماعة، إذا بدأت تفقد السيطرة، وباتت المصلحة تقتضي القفز من مركبها.
وفي ما يتعلّق بالسعودية بالذات، فقد ارتبطت، في مرحلة ما، بشخصيات يمنية من المحسوبين على الحوثيين، وذلك بحكم الدور الذي أدته الرياض في اليمن بعد ثورة سبتمبر/ أيلول 1962، وصولاً إلى الاتفاق الذي رعته بعد سنوات من تاريخها، واستضافت على إثره أفراداً من أسرة آل حميد الدين، التي أطاحتها الثورة. إلا أن الواقع، بعد عاصفة التحولات اليمنية منذ سنوات، اختلف إلى حد كبير بشأن الدور الذي يمكن أن تلعبه مثل هذه القيادات على صعيد تقسيم الجماعة، لكن من غير المستبعد أن تسعى إلى لعب دور الوسيط وتقديم التطمينات للجانب السعودي لناحية الحوثيين. وفي السياق، كان لافتة إشارة بن سلمان إلى القيادات من الصف الثاني والثالث للجماعة، ممن يرغبون في مستقبل مغاير، ويتخلون عن قيادات الصف الأول، وهو ما يثير تساؤلات عما إذا كانت لدى بلاده خطوط تواصل أو رؤية، ترى من خلالها إمكانية تحييد قياديين معينين في الجماعة تسعى إلى دعمهم في مقابل الحرب على "الصف الأول الأيديولوجي"، بحسب وصف بن سلمان، الذين ترى الرياض أنه من الصعب إخراجهم من التبعية لإيران، إذ اعتبر ولي العهد السعودي، في المقابلة ذاتها، "أنهم يهتمون فقط بأيديولوجيتهم والأيديولوجية الإيرانية وأيديولوجية حزب الله، أو أنهم يرغبون بالموت، هذا ما يهتمون به".
وفي سياق الحديث عن تفكيك الحوثيين وتحالفاتهم، يشار إلى أن أهم حدث خلال الحرب في اليمن منذ أكثر من ثلاث سنوات، كان انهيار تحالف الحوثيين مع الرئيس الراحل، علي عبد الله صالح، وقتله في ديسمبر/ كانون الأول 2017. وعلى الرغم من أن مقتله ربما تسبّب بخلط الأوراق للتحالف الذي كان قد أعلن دعمه "انتفاضة صالح"، إلا أن التحالف كان مستفيداً في كل الأحوال من انهيار تحالف الحوثيين مع الموالين لصالح. ومع ذلك، لا يمكن القياس على انهيار تحالف الحوثيين وصالح، في إمكانية إحداث انقسام داخل الحوثيين كجماعة، لأسباب معروفة للجميع. وفي المحصلة، وأياً تكن المعطيات التي يبني السعوديون عليها في التوجه المعلن لإحداث انقسام داخل الحوثيين، كاستراتيجية طارئة على صعيد الحرب المستمرة منذ سنوات، إلا أن فرص فاعليته في أن يمثل ضربة قاصمة للحوثيين تبقى محدودة، إن لم تكن معدومة، في معطيات وحسابات واقع المعركة والسيطرة، إذ ما يزال الحوثيون يسيطرون على عدد من أهم المحافظات، بما فيها صنعاء، ويسكنها في المجمل ما يزيد على نصف سكان اليمن. وكل ذلك لا يقلّل من وجود طيف واسع من الفئات اليمنية الناقمة من الحوثيين والرافضة لسيطرتهم، من مختلف الشرائح والفئات اليمنية، إلا أن ذلك، لا يعني بأي حال من الأحوال انقساماً في إطار الحوثيين كحركة منظمة.
اقــرأ أيضاً
ورصد "العربي الجديد" قراءات متباينة من الأطراف اليمنية لتفسير التصريحات السعودية عن إمكانية إحداث انقسام في أوساط الحوثيين. وقلل مسؤولون في الحكومة الشرعية من إمكانية أن ينجح أي توجّه من هذا النوع في إحداث تأثير حقيقي، ما لم يترافق مع تطورات محورية، على صعيد الخسائر الميدانية والعسكرية، التي من الممكن أن تخلق واقعاً جديداً، يهدّد تماسك الجماعة وسيطرتها على العديد من محافظات البلاد. ووفقاً لتعبير أحد المسؤولين اليمنيين، من أبناء محافظة صعدة، وهو وكيل في إحدى الوزارات طلب عدم الكشف عن اسمه، فإن "تقسيم الحوثيين أمر وارد، ولكن الواقع اليوم مختلف ومرتبط بالمصالح. ولا أعتقد أن هناك حالياً قيادات يمكن أن تتخلّى عن الجماعة أو أن يكون لها توجه مغاير لقيادتها، ممثلة بزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، ما دامت تسيطر على العاصمة صنعاء وما فيها من مصالح ومؤسسات دولة، لكن إذا بدأت الخسائر سيكون لي رأي آخر".
وكجماعة أيديولوجية، تُنسب في الغالب إلى "الحوثي"، فإن عبد الملك يعدّ الشخصية التي يلتقي مختلف أتباع الجماعة عند قيادته ويقسمون له بالولاء، كذلك توضع حوله هالة من البطولة والأدبيات التعبوية التي تمجّده، عبر وصفه بـ"السيد" و"قائد الثورة" و"قائد المسيرة القرآنية" وغيرها من المسميات، التي تجعل من مسألة الولاء له أمراً لا يختلف عليه اثنان داخل الجماعة، وإن اختلفت قيادات أو توجّهات في ما دونه. على أن الإطار الجامع، بالنسبة إلى الحوثيين كحركة، ينطلق من تعبئة عقائدية وأيديولوجية جعلتها ممثلاً للزيدية في إطارها الأقرب إلى الشيعة، وصولاً إلى الارتباط مع إيران و"حزب الله". ومع ذلك، وعند الخروج من الإطار التنظيمي للحوثيين كجماعة، فقد ضمت في أثناء توسعها إلى صنعاء، قيادات ووجاهات، من خارج الإطار العقائدي التنظيمي لها كحركة، لكنها تتنوّع بين أصحاب المصالح، الذين أصبحوا جزءاً منها، باعتبارها المتحكم في صنعاء ومحيطها، أو بين الشخصيات المؤثرة فيها، من بعض الأسر الهاشمية، التي تلتقي مع الحوثيين بفكرة الأحقية في الحكم، بدافع النسب إلى الحسن والحسين، لكنها لا تنتمي إلى الجماعة كتنظيم بما فيه الكفاية. وهذا الجزء الذي التفّ حول الحوثيين باعتبارهم "السلطة" أو بواقع الصعود، يمكن أن يتخلّى عن الجماعة، إذا بدأت تفقد السيطرة، وباتت المصلحة تقتضي القفز من مركبها.
وفي ما يتعلّق بالسعودية بالذات، فقد ارتبطت، في مرحلة ما، بشخصيات يمنية من المحسوبين على الحوثيين، وذلك بحكم الدور الذي أدته الرياض في اليمن بعد ثورة سبتمبر/ أيلول 1962، وصولاً إلى الاتفاق الذي رعته بعد سنوات من تاريخها، واستضافت على إثره أفراداً من أسرة آل حميد الدين، التي أطاحتها الثورة. إلا أن الواقع، بعد عاصفة التحولات اليمنية منذ سنوات، اختلف إلى حد كبير بشأن الدور الذي يمكن أن تلعبه مثل هذه القيادات على صعيد تقسيم الجماعة، لكن من غير المستبعد أن تسعى إلى لعب دور الوسيط وتقديم التطمينات للجانب السعودي لناحية الحوثيين. وفي السياق، كان لافتة إشارة بن سلمان إلى القيادات من الصف الثاني والثالث للجماعة، ممن يرغبون في مستقبل مغاير، ويتخلون عن قيادات الصف الأول، وهو ما يثير تساؤلات عما إذا كانت لدى بلاده خطوط تواصل أو رؤية، ترى من خلالها إمكانية تحييد قياديين معينين في الجماعة تسعى إلى دعمهم في مقابل الحرب على "الصف الأول الأيديولوجي"، بحسب وصف بن سلمان، الذين ترى الرياض أنه من الصعب إخراجهم من التبعية لإيران، إذ اعتبر ولي العهد السعودي، في المقابلة ذاتها، "أنهم يهتمون فقط بأيديولوجيتهم والأيديولوجية الإيرانية وأيديولوجية حزب الله، أو أنهم يرغبون بالموت، هذا ما يهتمون به".