تشهد الفترة الحالية خطوط اتصالات مفتوحة بين مصر وإسرائيل، في ظل وصول العلاقات بين النظام المصري الحالي وتل أبيب إلى مستوى هو الأعلى منذ عقود.
وفي السياق، كشفت مصادر دبلوماسية مصرية أن القاهرة طالبت تل أبيب بمدّ يد العون لها في أزمة مياه النيل، في ظل تعنت إثيوبيا وإصرارها على استكمال بناء سد النهضة، الذي تؤكد مصر أن بناءه بمواصفاته الحالية سيؤثر سلباً على حصتها المائية.
وقالت المصادر، التي تحدثت مع "العربي الجديد"، إن القاهرة استغلت أخيراً مطالبة تل أبيب لها بالتدخل والتوسط لدى حركة حماس وفصائل المقاومة في قطاع غزة، لوقف مسيرات العودة الفلسطينية، وكذلك طرح رؤى معدلة من صفقة القرن التي يتبنّاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لطلب التوسط والتدخل من جانب إسرائيل لدى إثيوبيا وبعض دول حوض النيل، نظرا لما تملكه من نفوذ واسع داخل تلك الدول.
وأشارت المصادر إلى أن "التوجه المصري الأخير نحو إسرائيل جاء بعدما بات صانع القرار في موقف لا يحسد عليه عقب إعلان أديس أبابا رفضها الحضور للقاهرة وعقْد جولة ثانية من الاجتماع التساعي (ضم 9 مسؤولين من مصر والسودان وإثيوبيا، هم وزراء الخارجية والمياه، ورؤساء الاستخبارات)، بعدما فشلت الجولة الأولى التي استقبلتها العاصمة السودانية الخرطوم".
وأوضحت المصادر أن مصر طالبت إسرائيل بالتدخل لدى إثيوبيا عبر نفوذها، والتوسط لإجراء اجتماع جديد بين أطراف الأزمة الثلاثة.
ووفقاً للمصادر نفسها، فإن القاهرة حددت أكثر من مسار للتحرك في تلك الأزمة، أحدها تحوّل عدد من دول حوض النيل لتكوين تكتل مساند لها في مواجهة الموقف الإثيوبي.
وسبق للقاهرة أن طالبت الإدارة الأميركية بالتوسط لحل الأزمة، وهو ما تفاعلت معه الأخيرة بإرسال وفد من وزارة الخارجية الأميركية، زار كلاً من مصر والسودان، فيما لم تستجب إثيوبيا لمطلب زيارة الوفد الأميركي لأديس أبابا، متعللة بأن الأوضاع الداخلية لا تسمح بذلك في الوقت الحالي.
وترفض إثيوبيا الاعتراف باتفاقية عام 1959، التي تعطي لمصر الحق في حصة ثابتة من مياه النيل تقدر بـ55 مليار متر مكعب، تصل 80 في المائة منها عبر النيل الأزرق الذي تقيم إثيوبيا السد عليه، كما تمنح الاتفاقية السودان حصة تقدر بـ18 مليار متر مكعب.
وحمّلت إثيوبيا أخيراً مصر مسؤولية فشل جولة المفاوضات التي استقبلتها الخرطوم مطلع شهر إبريل/ نيسان الحالي، إذ قال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية ملس ألم، إن "سبب فشل مفاوضات الخرطوم هو عدم جدية وعدم تعاون الجانب المصري، وطرحه لاتفاقية 1959 في المفاوضات".
وقال ألم إن "إثيوبيا تعتبر أن هذه الاتفاقية لا تعنيها. طرْح تلك الاتفاقية يعتبر خطاً أحمر، ولا يمكن أن تتفاوض أديس أبابا حولها، فلا يمكن أن نتحدث عن اتفاقيات لم نكن طرفاً فيها".
وفي وقت سابق، أكد وزير الري والموارد المائية المصري، محمد عبد العاطي، أن "مصر واجهت مفاجآت في ملف سد النهضة، إذ تم الاتفاق في عام 2008 على بناء سد في إثيوبيا، إلا أننا فوجئنا في عام 2011 بإعلانها عن سد آخر على النيل الأزرق، غير ما تم الاتفاق عليه، وبمقاسات أخرى".
وأضاف الوزير المصري، خلال كلمة له في لقاء عقد بمقر حزب الوفد الليبرالي، الأحد الماضي، أن مصر قدمت روحاً إيجابية في ما يتعلق بسد النهضة خلال السنوات الماضية، لافتاً إلى حدوث العديد من العثرات في الدراسات الخاصة بتصميم السد عام 2012، وانتهى الأمر إلى الاتفاق على اختيار مكاتب استشارية لتقديم دراسات عن السد.
وطالب وزير الري إثيوبيا والسودان بتفهم مشاكل بلاده في المياه كما تتفهم مصر مشاكلهما، موضحاً أن الحكومة تعمل على حل مشاكل المياه التي تواجه البلاد.
وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري قد أكد في تصريحات إعلامية نهاية الأسبوع الماضي، أن القاهرة لم تتلق أي رد من إثيوبيا أو السودان بشأن دعوة وجهتها مصر لاستكمال المباحثات، يوم الجمعة الماضي. وقال شكري رداً على سؤال متعلق بالدعوة التي وجهتها مصر: "للأسف لم نتلق رداً من إثيوبيا أو السودان على هذه الدعوة، وبالتالي نفقد فرصة أخرى لتنفيذ التكليف الصادر من القادة".
وأبدى سامح شكري أسفه لما يحدث من توقف في المحادثات. وأوضح أنه بالرغم من كل الجهود التي بذلتها مصر، لا يوجد تفاعل بالقدر نفسه من الاهتمام الذي تبديه القاهرة، مضيفاً "لكن على الجميع أن يعلم أن مصر لن يُفرض عليها وضع قائم أو وضع مادي يتم من خلال فرْض إرادة طرف على آخر، وهذا غير مقبول، والحكومة المصرية ستستمر في مراعاة والدفاع عن مصالح الشعب المصري في مياه النيل ومستقبلها بوسائل عديدة لديها".
وبيّن الوزير المصري أن بلاده موافقة على التقرير الاستهلالي الاستشاري، وموافقة على الإقدام على دراسته حتى يكون هناك تنفيذ أمين للاتفاق الذي تم توقيعه بين الدول الثلاث، والاعتماد على دراسة موضوعية محايدة تبرهن أن مصر لن تتحمل أضراراً لا تستطيع استيعابها، مؤكداً أن إثيوبيا إلى الآن لم تعتمد هذه الدراسة، وترى أنها لا تلبّي احتياجاتها، وهذا موقف يوقِف المسار ويجمّده.
وتسعى إثيوبيا لتشغيل سد النهضة بشكل مبدئي، خلال العام الحالي، بدون انتظار نتائج دراسات التأثيرات السلبية على دول المصب التي تقوم بها مكاتب استشارية فرنسية، إذ بدأت أديس أبابا تركيب توربينات توليد الكهرباء في جسم السد، وانتهت من تركيب 4 توربينات من أصل 16 توربيناً لتوليد 6 آلاف و450 ميغاوات من الكهرباء.