وقالت مصادر مسؤولة ومقربة من الرئاسة، لـ"العربي الجديد"، إن محيط بوتفليقة (في الغالب يقصد به شقيقه سعيد بوتفليقة) أبدى انزعاجاً كبيراً من تسرع بعض الأطراف في إطلاق حملة مبكرة لترشح بوتفليقة مجدداً لولاية رئاسية خامسة، بينهم "هيئة الزوايا الدينية"، و"هيئة تنسيقية دعم الولاية الرئاسية الخامسة"، التي أطلقها رجل الأعمال والنائب والعضو القيادي في حزب جبهة التحرير، بهاء الدين طليبة. وأوضحت المصادر أن "الرئاسة أُبلغت بتقارير من مسؤول مدني رفيع وجهاز أمني بوجود استغلال فادح لاسم الرئيس من قبل رجال أعمال ونشطاء في هيئة الزوايا الدينية، والزعم بتبني حملته الرئاسية المسبقة". وحذرت من نوايا "هيئة الزوايا والفريق المدير للهيئة المزعومة لدعم ترشح بوتفليقة، ومحاولتهم استباق الأمور للعب دور أكبر من حجمهم الطبيعي في السباق الرئاسي". وأضافت أن "التقرير الأمني حذر من مخاطر الفوضى التي قد يسببها ذلك، والصراعات التي قد تحدث بين أطراف الموالاة، أحزاباً وشخصيات، ومن وجود مبادرات معزولة ومنفلتة وخارجة عن السيطرة".
وكانت هذه التقارير تتحدث أساساً عن مبادرة رجل الأعمال، القيادي في حزب الرئيس، بهاء الدين طليبة، بإنشاء هيئة للولاية الرئاسية الخامسة لبوتفليقة، وزعمه مشاركة شخصيات هامة فيها، على رأسهم رئيس الحكومة السابق، عبد المالك سلال، الذي أشرف على إدارة الحملة الانتخابية لبوتفليقة في 2004 و2009، ورئيس الحكومة الأسبق، عبد العزيز بلخادم، ووزير الطاقة السابق، شكيب خليل، ووزير الاتصال السابق، حميد قرين، ورئيس البرلمان الحالي، سعيد بوحجة، ووزير الشباب والرياضة الحالي، الهادي ولد علي. لكن هذه الشخصيات، التي ورد اسمها في قائمة المؤسسين لهذه الهيئة، سارعت إلى نفي صلتها بالمبادرة السياسية. ونقل مقربون عن سلال أنه فوجئ بإقحام اسمه من دون استشارته. ونفى بلخادم وجود أي علم له بهذه الهيئة، فيما وصف بوحجة الإعلان عن المبادرة السياسية بالخطوة غير المحسوبة والانحراف الخطير الذي يعاقب عليه القانون، وذلك بعد الزج باسمه دون استشارته.
وبخلاف ما كان سائداً في فترة سابقة، فقد فاجأت قيادة حزب بوتفليقة، جبهة التحرير الوطني، كوادرها بمنعهم من الحديث عن الولاية الرئاسية الخامسة، وعدم توجيه مناشدات إلى بوتفليقة للترشح لانتخابات ربيع 2019 حتى إشعار آخر. وأصدر جمال ولد عباس، الأمين العام للحزب الذي يحوز على الأغلبية في الحكومة والبرلمان، تعليمات إلى كوادر الحزب، بعدم الخوض مجدداً في ملف الولاية الرئاسية الخامسة، حتى ورود إشارات بذلك من الرئاسة. ووصف تسرع قيادات لإنشاء هيئة لترشح الرئيس "بالخطوة الخطرة، والتشويش السياسي الذي يستهدف إثارة الفوضى". لكن مراقبين يعتقدون أن قرار قيادة الحزب منع الحديث في الوقت الحالي عن مناشدة بوتفليقة للترشح لولاية رئاسية خامسة، يعني أن الرئاسة لا ترغب في استباق الأمور، وأن الفريق المقرب من بوتفليقة لم يحدد بعد الخطوات الممكنة والسيناريوهات الممكنة لإخراج سياسي مقبول لترشح بوتفليقة لانتخابات ربيع 2019، رغم استمرار غموض وضعه الصحي وتدهور الأوضاع الاقتصادية وتفاقم التوترات الاجتماعية في البلاد.
وفي السياق، يعتقد الأستاذ في جامعة تيبازة، قرب العاصمة الجزائرية، زهير بوعمامة، أن "قرار قيادة الحزب الحاكم وقف مناشدات الرئيس للترشح حتى وقت لاحق، يعني أن الغرف السوداء لا زالت تعمل بعيداً عن الحزب الحاكم، وخارج وفوق كل الأحزاب الموالية للرئيس، وأن هذه الغرف السوداء لا تريد إرباك عملها من قبل شخصيات وقيادات من الصف الأخير".
لكن قراءة أخرى تعتقد أنه، بالإضافة إلى التقديرات السياسية للرئاسة بأن الوقت غير مناسب للإعلان عن ترشح بوتفليقة، فإن هناك صراعاً بين دوائر مقربة من السلطة تتنافس على أحقية الفوز بالوكالة السياسية لتنشيط الحملة الدعائية لبوتفليقة في حال قرر الترشح إلى الانتخابات المقبلة. وظهرت خلال الفترة الأخيرة، خلافات حادة بين أحزاب الموالاة، خصوصاً بين قيادة حزب بوتفليقة ومقربين منه، وحزب رئيس الحكومة، أحمد أويحيى، وكذلك أحزاب موالية أخرى، كتجمع أمل الجزائر، المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر، والذي يقوده وزير الأشغال العمومية السابق، عمار غول، والحركة الشعبية الجزائرية التي يقودها وزير النقل والتجارة السابق، عمارة بن يونس، والتجمع الجمهوري الذي يقوده الوزير السابق للجالية، بلقاسم ساحلي، والتي تعارض محاولة الحزب الحاكم احتكار "صورة الرئيس" والحديث باسمه والهيمنة على سياقات ترشحه لولاية رئاسية خامسة في حال حدثت.
وخلال الاستحقاقات الرئاسية الأربعة، التي شارك فيها عبد العزيز بوتفليقة، في 1999 و2004 و2009، ثم ترشحه في الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في إبريل/ نيسان 2014، كان بوتفليقة يتأخر في الإعلان عن ترشحه رسمياً حتى الرمق الأخير، على غرار انتخابات 2014، التي أعلن فيها ترشحه في آخر يوم لانتهاء الآجال القانونية. لكن التطورات الأخيرة المرتبطة بمسألة ترشحه للانتخابات المقبلة توحي بأن بوتفليقة يريد تجنب سيناريو عبد الفتاح السيسي في مصر، بحيث يجد نفسه في منافسة رمزية مع مرشحين من درجة غير مناسبة، على اعتبار أن الإعلان المبكر لترشحه قبل أكثر من سنة على موعد الاستحقاق الانتخابي، قد يضعف حافز المنافسة لدى المعارضة، ويخلق توترات سياسية محتملة. ويرغب محيطه الرئاسي في عدم إعلان ترشحه، أو بدء حملة مناشدته، قبل توفير بعض الظروف السياسية المناسبة، وتخفيف حدة التوترات الاجتماعية المتفاقمة، ومعرفة خريطة المرشحين الآخرين المحتمل تقدمهم للسباق الرئاسي، وخصوصاً أن قوى المعارضة السياسية تبدو غير متحمسة للمشاركة في الاستحقاق الرئاسي المقبل، وأعلن بعضها صراحة أن ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة لن يبقي للعملية الانتخابية أي معنى.
قد تكون قواعد اللعبة في مصر ــ السيسي أكثر وضوحاً على صعيد المنافسة السياسية والانتخابية، وأشد فتكا بالمعارضة وبأي مرشح جدي يرغب في المنافسة الرئاسية، لكنها في الجزائر أكثر غموضاً بالنسبة لخيارات السلطة والرئيس بوتفليقة الذي يتأخر في العادة في الاعلان الرسمي عن ترشحه حتى اللحظات الأخيرة.
ويرى القيادي في حركة مجتمع السلم المعارضة، ناصر الدين حمداودش، أن "الخلاف حول دعم الولاية الخامسة داخل الموالاة، وتحديداً داخل حزب جبهة التحرير الوطني، ليست بين مؤيد ومعارض لمبادرة إنشاء هيئة دعم ترشيح بوتفليقة، لكن بسبب من سيكون له شرف قيادة المبادرة والسبق". ويشير حمداودش إلى أن هذه الخلافات تبرز "درجة الشك وفقدان الثقة بين قوى الموالاة الداعمة للرئيس". ويعتبر أن "خيار الولاية الخامسة لم يُحسم بعد، مع تسليم الموالاة بها إذا أراد الرئيس ذلك، مع عدم إخفاء رغبة أويحيى وطموحه للرئاسة، وهي فرصته الذهبية التي لا تقبل التأخير، إذا كانت له الشجاعة والإرادة المستقلة في ذلك".