عبد السلام يغير استراتيجيته: من الصمت إلى الكرسي الفارغ

08 فبراير 2018
انتشار أمني مواكب للمحاكمة في بروكسل (فيليب هوغان/فرانس برس)
+ الخط -

حاول الناجي الوحيد من منفذي اعتداءات 13 نوفمبر/ تشرين الثاني في باريس الفرنسية، الفرنسي من أصل مغربي صلاح عبد السلام، التهرّب من جلسات محاكمته، معلناً أنه "لن يعود لحضور جلسات محاكمته في قضية إطلاق النار على شرطيين في بروكسل عام 2016". ورفض حضور جلسة الاستماع المقررة اليوم الخميس، في إطار محاكمته بشأن عملية إطلاق النار على الشرطة في 15 مارس/ آذار 2016. وفي بلجيكا، إذا رفض شخص حضور محاكمته، لا يمكن اتخاذ أي إجراء قسري ضده.

في هذا السياق، ظلّ متهم واحد في مواجهة رئيس المحكمة، في الجلسة المقررة اليوم الخميس، أمام محكمة بروكسل بخصوص الهجوم الذي تعرض له أفراد الشرطة إثر مداهمتهم لمنزل كان يختبئ فيه صلاح عبد السلام المتابَع منذ عملية باريس في 13 نوفمبر، وذلك في مارس 2016. فبإعلان صلاح عبد السلام عدم رغبته في المثول أمام المحكمة، ستستمر المحاكمة بدونه مع مرافعات محامي الدفاع، بمن فيهم هيئة الدفاع عن التونسي سفيان العياري، الذي حُكم بالسجن 20 عاماً، يوم الاثنين الماضي، في القضية نفسها بخصوص إطلاق نار على الشرطة في بلجيكا. والغياب عن المحاكمة هو حق متاح لأي متهم دعي إلى المثول أمام محكمة الجنح. ففي بلجيكا، لا يوجد في الواقع أي نظام لإرغام المتهمين على الحضور الفعلي للجلسات.

وإذا كان هذا القرار الجديد عزّز تكهنات عائلات ضحايا هجمات باريس وبروكسل بأن "صلاح عبد السلام لن يعطي الإجابات التي طال انتظارها، فإنه يناسب تماماً منطقه الجديد في تسيير الدفاع عن نفسه". فخلال جلسة الاستماع، يوم الاثنين، كان صلاح عبد السلام قد أبرز جزءاً من استراتيجيته. فرداً على طلب رئيسة المحكمة، ماري فرانس كوتجن، بالوقوف للإفصاح عن هويته، أجاب عبد السلام بأنه "يشعر بالتعب". وكان قد اشتكى من شروط نقله، قبل أن يضيف أنه "لا يريد الإجابة عن الأسئلة". وكان السجين الأكثر حراسة في أوروبا قد جلب من سجنه في فليوري - ميروجيس بفرنسا حوالي الساعة الثانية صباحاً من يوم الأحد إلى يوم الاثنين، في سيارة تحت مراقبة مشددة جداً، لينقل إلى سجن فندين لو فييل في منطقة ليل، على بعد 240 كيلومتراً من باريس، قبل نقله إلى محكمة بروكسل حيث مثل أمامها يوم الاثنين.



وعلى الرغم من عدم تقديم سفين ماري، محامي عبد السلام، أي تفسيرات بشأن انسحاب موكله، إلا أن الأخير أوضح عدم اعترافه بالسلطة القضائية، وهي غير مختصة بإصدار حكم بشأنه. وقال عبد السلام "طُلب مني الحضور وأنا هنا ببساطة. هناك محاكمة وأنا الممثل لهذه المحاكمة. سأظلّ صامتاً، ولا يجعلني صمتني مذنباً أو مجرماً. إنها طريقتي في الدفاع عن نفسي. هناك أدلة في هذا الملف وأريد أن يحكم عليّ بناء عليها. أن يتم ذلك على براهين ملموسة وليس لإرضاء الناس ووسائل الإعلام". وأضاف أن "ما أراه هو أن المسلمين يحاكمون ويعاملون بأسوأ الطرق. لا يتم احترام افتراض البراءة. أضع ثقتي في الله. أنا لا أخاف منكم أو من حلفائكم. أضع ثقتي في الله".

بالتالي بات السؤال "هل يستطيع محاميه، سفين ماري، مواصلة تمثيله، بعد هذه التصريحات المشككة في المحكمة وقراره بعدم حضور جلساتها؟"، فتصريحات صلاح عبد السلام بأن "الله هو القاضي الوحيد"، يعادل القول بأنه "لا يعترف بشرعية المحكمة".

في هذا الإطار، فسّر أحد المحامين لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يمكن لمحاميه، إن تحدث باسمه اليوم الخميس، سوى البدء بالقول: كلمات موكلي تخصه، لأنني أنا محام أعترف بشرعية المحكمة". وأضاف أنه "نحن لسنا في حالة حرب كما كان الحال بالنسبة للثوار الجزائريين في الثورة ضد الدولة الفرنسية الذين حوكموا أمام محاكم عسكرية. محكمة الجنح في بروكسل شرعية، تخضع للقانون، وفقاً للدستور واتفاقية حماية حقوق الإنسان. وبالتالي فإن المحامي الذي يمثل صلاح عبد السلام لا يمكنه، في رأيي، إعادة النظر في شرعية المحكمة. بل من المستحيل، فهو يقدم مرافعاته أمامها بشكل يومي تقريباً في ملفات أخرى". وأشار إلى أنه "من الممكن أيضاً أن يقرر عبد السلام الاستغناء عن خدمات محاميه لضمان الدفاع عن نفسه. كما أن المبادرة توجد أيضاً لدى المحامي نفسه، ليس فقط عبر رفض حجج موكله ولكن كذلك عبر القرار بعدم تقديم الاستنتاجات، التي يجب أن يوافق عليها الموكل، إذا كان غير موافق عليها أخلاقياً".

جلسة اليوم قد تحدد مساراً جديداً للمحاكمة، إذ يرى البعض أن تقديم لائحة الاتهام الصادرة عن النيابة العامة بحضور صلاح عبد السلام ومحاميه، يسمح بأن يكون الحكم الصادر يحترم كل حقوق المتهم، بينما يفسر آخرون أن عدم تقديم محاميه لدفاعه يجعل من المحاكمة تتم غيابيا. وهو ما يعني، بحسب القانون البلجيكي، عدم أحقية المتهم في استئناف الحكم الصادر في حقه. مع ذلك، فإن عدم مثول صلاح عبد السلام حتى نهاية محاكمته لا يعني رفع الإجراءات الأمنية المشددة حول المحكمة وداخلها. وليس من المستحيل في الواقع أن يغير السجين رأيه. فاستراتيجيته الدفاعية تضم أيضاً، على ما يبدو، السعي للتأثير على السير العادي للمحاكمة عبر اتخاذ قرارات ونقيضها.


المساهمون