تواجه استراتيجية الرئيس دونالد ترامب لاحتواء القوة الإيرانية في الشرق الأوسط، بتكوين تحالف أمني من الحلفاء العرب تسانده الولايات المتحدة، مشكلات حتى ما قبل مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، بيد أن ثلاثة مصادر أميركية ذكرت أن الخطة تواجه الآن تعقيدات جديدة بحسب "رويترز".
وأثار مقتل خاشقجي، في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول في القنصلية السعودية بإسطنبول، غضباً دولياً ضد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إذ يتهم المسؤولون الأتراك وبعض أعضاء الكونغرس الأميركي الحاكم الفعلي للمملكة بإصدار أمر القتل.
ويستهدف (تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي)، وضع حكومات السعودية والإمارات والكويت وقطر وعمان والبحرين ومصر والأردن، في تحالف أمني وسياسي واقتصادي تقوده الولايات المتحدة لمواجهة إيران.
لكن الخلافات بين الحلفاء العرب، وخاصة المقاطعة السياسية والاقتصادية لقطر التي تقودها السعودية، عاقت تأسيس التحالف منذ اقترحته الرياض العام الماضي.
وكانت قمة متوقعة بين ترامب والزعماء العرب، ستشهد توقيع اتفاق أولي بشأن التحالف في يناير/ كانون الثاني بالولايات المتحدة، لكنّ المصادر الأميركية الثلاثة ودبلوماسيا خليجيا قالوا إن الاجتماع يكتنفه الغموض الآن. وأضافوا أنه تأجل بالفعل عدة مرات.
وأفاد أحد المصادر، بأن مقتل خاشقجي أثار "مجموعة كاملة من المشكلات" يتعين حلّها قبل أن يتسنى المضيّ قدما في الخطة، التي يشار إليها على نحو غير رسمي باسم "الناتو العربي". ومن هذه المشكلات كيف سيحضر ولي العهد السعودي القمة دون أن يحدث ذلك غضبا واسع النطاق.
وقال المصدر: "الأمر ليس مستساغا".
ونفى مسؤول كبير في إدارة ترامب يوم الثلاثاء، أن يكون مقتل خاشقجي قد عاق التقدم بشأن التحالف، قائلا إنه "أكبر من دولة واحدة وقضية منفردة".
وقال روبرت مالي، أحد كبار مستشاري الرئيس السابق باراك أوباما بشأن الشرق الأوسط، الذي يرأس حاليا مجموعة الأزمات الدولية المعنية بمنع الصراعات، إن من الصعب حضور ولي العهد السعودي قمة يناير/ كانون الأول، "بالنظر إلى ما حدث وكيف ستكون ردود الفعل". وأضاف: "لست متأكدا ما إذا كان يريد القدوم إلى الولايات المتحدة حاليا".
أما الجنرال المتقاعد في مشاة البحرية الأميركية أنتوني زيني، مفاوض الإدارة الرئيسي بشأن تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي، فقال إن المبادرة "ماضية قدما"، لكنه أشار إلى أن تأثير مقتل خاشقجي غير واضح.
وأضاف لـ"رويترز" عبر البريد الإلكتروني: "لا أعرف حتى الآن كيف سيؤثر ذلك على العملية. نحن في انتظار التحقيق النهائي والقرارات... أعتقد أنه ربما يكون هناك انتظار لحين اكتمال التحقيق (ربما فحص الطب الشرعي إذا وجدت الجثة) قبل بحث التحرك إلى الأمام".
ولم يرد الأعضاء الثمانية المحتملون في التحالف، على طلبات للتعليق بشأن التزامهم بتحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي.
عقبات عديدة
وحتى قبل أن تعقد تداعيات مقتل خاشقجي الأمور، أظهرت وثيقتان سرّيتان للبيت الأبيض اطلعت عليهما "رويترز"، أن الإدارة تبحث جاهدة عن سبل للتغلب على الخلافات الإقليمية، ودفع مبادرة التحالف للأمام من أجل احتواء إيران، وكذلك الحدّ من النفوذ الصيني والروسي في المنطقة.
وكتب مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون لوزيري الخارجية مايك بومبيو، والدفاع جيم ماتيس، في رسالة في أواخر الصيف قبل مقتل خاشقجي: "التنافس يزداد بين شركائنا الإقليميين، والدخول في منافسة صريحة (مثلما هي الحال) في حالة قطر يضرّ بالمصالح الأميركية، ويصب في مصلحة إيران وروسيا والصين".
وكتب بولتون في الرسالة التي لا تحمل تاريخا، والتي جاءت ردا على مذكرة من بومبيو وماتيس في 29 يونيو/ حزيران، بشأن تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي: "لإيقاف هذه الاتجاهات السلبية ينبغي لنا أن نغير حسابات شركائنا الاستراتيجية".
وذكر المسؤولون الأميركيون الثلاثة، الذين طلبوا عدم نشر أسمائهم، أن هناك نقاشا داخل الإدارة، بشأن ما إذا كان بمقدور واشنطن إقناع الحلفاء العرب بتنحية خلافاتهم جانبا، وأن بولتون برز كأحد المدافعين البارزين عن الخطة.
وقال مسؤول أميركي رابع، إن هناك تبنيا واسع النطاق داخل الإدارة لأهداف التحالف العربي العامة، لكن هناك مناقشات بشأن أفضل الطرق للتوصل إلى اتفاق.
وأحالت متحدثة باسم وزارة الدفاع أسئلة عن المسألة على وزارة الخارجية، لكنها أشارت إلى تعليقات سابقة لماتيس عبّر فيها عن دعمه للتحالف.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية، إن الإدارة مستمرة في "الحوار مع شركائنا بشأن العمل صوب" إنجاز التحالف.
خطة البيت الأبيض
وتشير إحدى وثيقتي البيت الأبيض، إلى أن خطة الإدارة تستهدف تعزيز استراتيجية "أميركا أولا"، التي يتبناها ترامب للحد من التدخل العسكري الخارجي، وحمل الحلفاء على تحمل مزيد من أعباء أمنهم، مع دعم المصالح الأميركية في الشرق الأوسط في الوقت نفسه.
وتتراوح المصالح الأميركية في المنطقة بين مبيعات الأسلحة و"ضرب الإسلاميين المتطرفين" في اليمن والعراق وسورية، إلى ضمان حرية تدفق النفط إلى الأسواق العالمية بغية الحفاظ على استقرار الأسعار.
وجاء في إحدى الوثيقتين اللتين صيغتا قبل مقتل خاشقجي، أن ترامب حذر زعماء السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الآخرين، وكذلك مصر، من أن "الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر، وأن الولايات المتحدة لن تواصل الاستثمار في أمن الشرق الأوسط".
ولم تورد تفاصيل عن تهديد ترامب أو متى أصدره. وتنشر واشنطن طائرات وسفنا حربية وأكثر من 30 ألف عسكري في قواعد لها بدول مجلس التعاون الخليجي.
ويقول مسؤولون عسكريون أميركيون كبار، إنه ليست لديهم نية لتغيير الوضع. وتدعو الوثيقة الاستراتيجية، التي تحمل عنوان "نظرة عامة على مفهوم تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي"، إلى سلسلة من الإجراءات على المديَين القصير والمتوسط، تتطلب "تعهدات بالقليل من الموارد الأميركية الجديدة للشرق الأوسط إذا كانت موجودة من الأساس".
وذكرت الوثيقة ومصدر مطلع على الخطة، أن الإجراءات تشمل تطوير "مراكز عمليات" إقليمية تستهدف دمج القوات في مجالات، مثل الدفاع الصاروخي والحرب البرية ومجالات أخرى.
وتقول الوثيقة، إنّ من الأهداف الطويلة الأمد تحالفا رسميا واتفاق تجارة حرة متعدد الأطراف، خلال خمس إلى سبع سنوات. كما أثارت احتمال أن يشمل الاتفاق في نهاية المطاف العراق ولبنان ودولا أخرى، مع إمكان تكوين علاقات رسمية مع إسرائيل و"حلفاء أوروبيين وآسيويين مختارين".
(رويترز)