هيكلة الأجهزة الأمنية: هل يضحي بن سلمان بإمبراطورية الرعب؟

31 أكتوبر 2018
يريد بن سلمان الإمساك بكامل الأجهزة الأمنية(جيوزيبي كاتشاتشي/فرانس برس)
+ الخط -

أعلن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز عن تشكيل لجنة وزارية لإعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة، فور إعلان نظامه مقتل الكاتب والصحافي المعارض جمال خاشقجي داخل مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول، في 2 أكتوبر/تشرين الأول الحالي على يد فريق كان يستعد لمفاوضته بحسب الرواية الرسمية السعودية التي تغيرت بشكل مستمر. وضمت اللجنة الوزارية في عضويتها وزير الداخلية ووزير الخارجية ورئيس الديوان الملكي ورئيس الاستخبارات العامة ورئيس جهاز أمن الدولة، وعدداً من الشخصيات، على أن ترفع له تقريراً بالنتائج بعد شهر من قرار التشكيل.

وجاء القرار الذي صدر بإصرار من الملك نفسه، واختار تعيين الوزراء ورجال الدولة المقربين منه للإشراف على عمل اللجنة مع ابنه ولي العهد محمد بن سلمان، بعد نصيحة أميركية له بوجوب إعادة هيكلة أجهزته الأمنية، خصوصاً جهاز المخابرات الذي ثبت تورط نائب رئيسه اللواء ركن أحمد عسيري وفريقه في حادثة اغتيال خاشقجي.

وقد عقدت اللجنة اجتماعاً أولياً برئاسة ولي العهد، مستعرضة ما وصفته السلطات السعودية بـ"خطة الإصلاح"، وقيّمت الوضع الراهن لجهاز المخابرات ودرست الفجوات الخاصة في "الهيكل التنظيمي لرئاسة المخابرات العامة والأطر القانونية الخاصة به وسياساته وآلياته"، لكن كل هذا لم يكن سوى قمة جبل الجليد لإعادة شاملة وكبيرة لهيكلة الأجهزة الأمنية التي قام بن سلمان بتصميمها بعد صعوده إلى كرسي ولاية العهد العام الماضي.
ومنذ انقلابه على ابن عمه الأمير محمد بن نايف ووضعه في إقامة جبرية، بنى بن سلمان إمبراطورية من الأجهزة الأمنية القمعية وأنشأ جهاز أمن الدولة وربطه بشكل مباشر بمكتب والده ومكتبه، من دون الحاجة إلى المرور بوزارة الداخلية التي كان محمد بن نايف وزيرها خلفاً لوالده، بعد أن نسج شبكة ضخمة من العلاقات مع كافة ضباط القطاعات الأمنية فيها.

ونقل بن سلمان أهم قطاعات وزارة الداخلية إلى الجهاز المُنشأ حديثاً، ومنها "المديرية العامة للمباحث" و"قوات الأمن الخاصة" و"قوات الطوارئ الخاصة" و"طيران الأمن" و"الإدارة العامة للشؤون الفنية" و"مركز المعلومات الوطني"، مما نزع كافة الصلاحيات من وزارة الداخلية.

وحوّل بن سلمان جهاز أمن الدولة إلى قوة داخلية ضاربة أشرفت في ما بعد على حملة "اعتقالات سبتمبر" بحق الناشطين المنتمين لتيار الصحوة الإسلامي، أكبر التيارات الدينية في البلاد. كما أشرف جهاز أمن الدولة على حملة اعتقالات فندق "ريتز كارلتون" بحق العشرات من الأمراء ورجال الأعمال المنافسين لبن سلمان، وتورّط رجال جهاز أمن الدولة في عمليات تعذيب بحق معتقلين، قضوا بشكل مؤكد تحت التعذيب، ومنهم مدير مكتب أمير الرياض السابق اللواء علي القحطاني، وأشخاص يُعتقد بأنهم توفوا، مثل الأمير تركي بن عبدالله، نجل العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ومثل الداعية الإسلامي سليمان الدويش، المقرّب من الأمير محمد بن نايف.



كما قام بن سلمان بتغييرات كبيرة في رئاسة المخابرات العامة وأقال الحرس القديم في الهيئة وعهد بإدارتها لأحد أهم رجاله الأمنيين اللواء أحمد عسيري، والذي عيّن بمنصب نائب مدير رئاسة المخابرات ومديرها الفعلي، وأسس فرقاً خاصة لملاحقة المعارضين خارج البلاد تتلقى أوامرها بشكل مباشر من ولي العهد، وكانت الفرقة التي قتلت خاشقجي إحداها.

كما أسس إدارتين تختصان باختراق الهواتف والتجسس على الحواسيب، هما "الهيئة الوطنية للأمن السيبراني" والتي يرأسها صديق بن سلمان الشخصي، محمد العيبان، وهو أكاديمي متخرج في الولايات المتحدة. ويضم مجلس إدارة الهيئة رئيس أمن الدولة ورئيس المخابرات العامة ووزير الداخلية. كما أسس الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز والذي يرأسه مستشاره المتورط في ملف خاشقجي، سعود القحطاني.
ويلاحظ في جميع الأجهزة الأمنية تكرار نمط معين، وهو تداخل كافة صلاحياتها بعضها مع بعض، إذ إن جهاز أمن الدولة يضم أعضاء في المخابرات، وجهاز المخابرات يضم أعضاء في ديوان ولي العهد، وجهاز الأمن السيبراني يضم أعضاء في أمن الدولة والمخابرات، في محاولة من بن سلمان لضمان ولاء هذه الأجهزة وجعلها مرتبطة به فقط، من دون أن ترتبط بالحكومة أو بقطاعات الدولة القديمة.

وسيُقدم ولي العهد، بتوصية من والده والأميركيين، على خطوات من شأنها تغيير هيكلية الأجهزة الأمنية بالكامل، لكن هذه التغييرات لن تكون حقيقية، إذ إن ولي العهد لن يفرط بجهازه الأمني الضخم والذي يحميه من أي خطر يهدده من قبل أبناء عمومته الناقمين عليه، والذين لا يزال كثير منهم يملك ولاءات كبيرة داخل أروقة النظام بسبب تهور بن سلمان وطيشه.

وستتركز التغييرات بحسب مراقبين على حل بعض الأجهزة الهامشية في رئاسة المخابرات العامة، وإعادة طريقة العمل القديمة التي كان "الحرس القديم" من رؤساء المخابرات السعودية السابقين يقومون بها. كما سيقوم بتغيير بعض أسماء أقسام إدارات جهاز أمن الدولة وإنشاء جهاز شبيه بالشرطة الداخلية ليراقب أفعالها، أو يقوم بتغيير اسم جهاز أمن الدولة بشكل كامل بسبب الصيت السيئ الذي بات يلاحقها اليوم بفعل حملات الاعتقال التي قام بها الجهاز.

كما سيحاول بن سلمان استغلال هذه التغييرات لصالحه، عبر طرد من تبقى من خصومه في بعض الأجهزة الأمنية والذين يشك في أنهم يسربون الأخبار للصحف والوكالات العالمية، أو الحرس القديم الذي يضغط على الملك سلمان لإيقاف تحركات ابنه محمد في ما يخص بيع أرامكو والقضية الفلسطينية، وستمثل هذه فرصة ذهبية له لمحاولة إعادة تسويق نفسه في الغرب من جديد كرجل يحاول إصلاح منظومة أمنية فاسدة ورثها عمّن قبله.

لكن كل هذه المحاولات ستذهب أدراج الرياح، وفق ما يقول الكاتب عبدالرحمن العجمي لـ"العربي الجديد"، إذ يؤكد أن "العالم كشف جنون الرجل الذي يتحكم في البلاد ولا يمكن لأي إصلاح يدعي أنه سيتخده في الأجهزة الأمنية أن يلمع صورته التي تدمرت من جديد، لأنه هو من أنشأ هذه الأجهزة وهو من رعاها وأطلق يدها داخل المجتمع السعودي ولم تترك إسلامياً أو ليبرالياً أو نسويةً أو أميراً معارضاً أو تاجراً لم يدفع الجزية له، إلا واعتقلته وعذبته وأهانته".



المساهمون