خطاب ترامب عن حالة الاتحاد: تسويقي داخلياً وسردي خارجياً

31 يناير 2018
ترامب مصر على التمسك بمقارباته القديمة (الأناضول)
+ الخط -
ألقى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مساء الثلاثاء، خطابه السنوي الأول عن حالة البلاد، وسط ظروف رئاسية غير مسبوقة في تاريخ البيت الأبيض؛ فلأول مرة يقف رئيس على هذا المنبر، بعد مرور عام على رئاسته، وهو مطارد بشبح التحقيق في قضية قد تترتب عليها عواقب نوعية فارقة. وقد انعكس ظل هذا الوضع على مضمون كلمته، التي بقدر ما بدت "موفقة" في الأداء؛ كانت عمومية تسويقية بالنسبة لشؤون الداخل، وسردية ضبابية بالنسبة لقضايا وتحديات الخارج.


في هذه المناسبة الدستورية التقليدية، ينطوي خطاب الرئيس الأميركي عادة على عرضين: حصيلة السنة الماضية وأجندة السنة الحالية، على الصعيدين الداخلي والدولي.

الحصيلة المحلية كانت شحيحة بالمقارنة مع وعوده الانتخابية. ما عدا قانون الخفض الضريبي الذي مرره الجمهوريون في الكونغرس وبشق الأنفاس (بأكثرية صوت واحد)، بقيت مشاريعه الأخرى بالانتظار. ولا يبدو أن حظها أكبر في عامه الثاني. ولهذا لجأ إلى تلميع الوضع الداخلي؛ إما بربط الفورة الاقتصادية النسبية التي تعيشها أميركا برئاسته، مع أنه ورث معظم زخمها من زمن سلفه، باراك أوباما، وإما من خلال المبالغة بأرقامها المتعلقة مثلاً بالبطالة أو بالمردود الإيجابي للخفض الضريبي الذي يقول الخبراء إنه محدود الفترة والقيمة، ومصوبة فوائده للطبقة الثرية والشركات.

زيادة على ذلك، شدد ترامب على تمسكه بتوجهاته الداخلية للعام الجاري من دون جديد؛ باستثناء موضوع الهجرة الذي طرح بشأنه مشروع قانون محدد يقوم على تغيير المقاييس في هذا الخصوص، وبصورة جذرية تؤول إلى الحد من قبول المزيد من المهاجرين واعتماد قاعدة "الجدارة" في اختيارهم، وبما يؤدي إلى "الصفاء العرقي" الذي سبق ودافع عن صوابيته.


وإذا كان الشق الداخلي قد استهلك معظم مدة الخطاب الذي استغرق ساعة ونصف الساعة (الثالث من نوعه من حيث طول مدته)؛ فذلك لأن الرئيس بحاجة إلى العزف على الوتر الشعبوي، وبما يعزز وضعه وتلميع صورته، في لحظة ضرب فيها رصيده الرقم القياسي في الهبوط مقارنة بأسلافه في مثل هذه المحطة من رئاسته. كما أنه بحاجة إلى شد عصب قاعدته التي لم تتزحزح عن تأييدها غير المشروط له، والتي يحرص على التفافها حوله في مواجهة تداعيات التحقيقات الروسية.

على هذه الخلفية، مرّ الخطاب على ملفات السياسة الخارجية بصورة عابرة. بدا كأنه جاء من باب اللزوم التقليدي، باعتبار أن الخارج كان دوماً جزء من تركيبة هذا الخطاب السنوي. ويعود ذلك في الأساس إلى اضطراب مطبخ السياسة الخارجية لإدارة ترامب، والخلافات بين أركانها وبين البيت الأبيض، أو بين هذا الأخير والكونغرس، حول معظم القضايا والأزمات، من الاتفاق الإيراني، إلى الأزمة الخليجية، فسورية والعلاقات مع موسكو.



تجلّى ذلك، على سبيل المثال، في رفض الرئيس، أمس الثلاثاء، تنفيذ حزمة العقوبات الإضافية ضد روسيا، والتي صوت عليها مؤخراً مجلسا الكونغرس بشبه إجماع. مدير "سي آي إيه" أكد أمس أن موسكو "ما زالت تتدخل حتى الآن" في العملية السياسية الأميركية، في حين اكتفى الرئيس بإشارة سريعة إلى روسيا "كخصم" هي والصين، من دون تفاصيل عن هذه الخصومة والسياسة التي يزمع انتهاجها تجاه الاثنين. يعكس ذلك مدى حساسية البيت الأبيض إزاء العاصمتين: موسكو بسبب التحقيقات، وبكين التي يحتاجها في الأزمة الكورية.


كذلك سبق أن تجلت الخلافات تجاه النووي الإيراني، الذي تارة يرميه الرئيس في ملعب الكونغرس، كما فعل في خطابه أمس، وتارة يلوح بعزمه على التنصل منه. وكذلك الأمر بالنسبة لسورية وتركيا، وحتى موضوع القدس، الذي تباهى به كإنجاز، فضلاً عن كوريا الشمالية، التي عاد إلى مخاطبتها بلغة القوة، ولو مواربة، من خلال التأكيد على وجوب تحديث الترسانة النووية. كلام أيقظ المخاوف التي أثارها في تلميحات نووية سابقة.

الواضح في خطاب الرئيس ترامب أنه مصر على التمسك بمقارباته التي طرحها في الحملة الانتخابية، والتي تستقي توجهاتها من ثقافة الخمسينيات في الانكفاء التجاري، ومن الفكر الانعزالي، ورفض صيغة التحالفات في التعاطي مع القضايا الدولية، ومن الفكر الرافض للآخر، خاصة في مسائل الهجرة داخليًا، والقضية الفلسطينية خارجيًا، مع تهديداته بقطع المساعدات قريباً عن السلطة الفلسطينية.