استدعاء الجزائر خلافها المغربي: تصدير للأزمة الداخلية؟

21 يناير 2018
الحدود البرية بين البلدين مغلقة منذ 1995(فضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -


لم تهدأ أزمة شهر نوفمبر/تشرين الثاني بين الجزائر والمغرب على خلفية تصريحات وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل، حتى استدعت الجزائر مجدداً خلافاتها السياسية مع المغرب من دون أي مناسبة أو حادث يستدعي ذلك، في سياق تصريحات أدلى بها رئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحيى الخميس، اتهم فيها المغرب بمحاولة إغراق الجزائر بالمخدرات، على خلفية التهريب المستمر لأطنان من المخدرات من المغرب إلى الجزائر عبر الحدود الغربية والغربية الجنوبية.

واتهم أويحيى مجدداً المغرب بالاستمرار في محاولة إغراق الجزائر بالمخدرات. وقال في اجتماع سياسي نظمه حزبه "التجمع الوطني الديمقراطي"، الحزب الثاني للسلطة، إن "تصرفات أولئك الذين يحاولون من الخارج إغراق بلادنا بتدفق هائل للمخدرات والكوكايين، اعتداء حقيقي على شعبنا من خلال محاولة تسميم شبيبتنا وكبح مسار تنميتنا، كما يعد إهانة خطيرة للمستقبل المشترك للشعوب المغاربية"، مشيراً بوضوح إلى المغرب الذي يتهمه المسؤولون الجزائريون بشكل مستمر بمحاولة إغراق الجزائر بالمخدرات.

اللافت في تصريحات أويحيى اتهامه المغرب بمحاولة تنفيذ "اعتداء حقيقي وإهانة خطيرة" ضد الجزائر، ما يشير إلى رفع سقف الخلاف والأزمة المستحكمة في العلاقات بين البلدين على الأقل منذ إغلاق الحدود البرية بينهما في عام 1995، إلى مستوى "الحرب الصامتة". كما يكشف ذلك أن ملف المخدرات بات النقطة الأكثر تعقيداً في العلاقة بين البلدين، خصوصاً أن التقارير الرسمية في الجزائر تتحدث بشكل مستمر عن هذا الملف، ففي يونيو/حزيران 2014 وجّهت الجزائر اتهامات رسمية للمغرب بالتساهل مع شبكات تهريب المخدرات وإغراق الجزائر بأطنان منها، واعتبر المسؤول في الهيئة الاستشارية الرئاسية لحقوق الإنسان سابقا فاروق قسنطيني أن "تهريب المخدرات هو بمثابة حرب غير معلنة من قبل المغرب على الجزائر".

لكن تصريحات أويحيى الأخيرة، والتي جاءت من دون مناسبة أو حادث يمكن أن يبرر سياقها وملابساتها، طرحت تساؤلات عن طبيعة الظرف السياسي ودواعي استدعاء أزمة قديمة متجددة مع المغرب، وما إذا كان رئيس الحكومة الجزائري يحاول تصدير أزمة سياسية داخلية تواجه حكومته أو تواجهه شخصياً، خصوصاً مع تزايد نقاط الخلاف بين توجّهات أويحيى والرئاسة من جهة، والخلافات العميقة مع شريكه السياسي في الحكومة حزب "جبهة التحرير الوطني"، من جهة أخرى.

وعن هذا الأمر، قال الإعلامي الجزائري مروان لوناس، إن "تصريحات رئيس الحكومة الجزائري يمكن إدراجها في سياق محاولته تحويل الأنظار عن مشاكل سياسية يواجهها في حزبه أو في الحكومة"، مشيراً إلى أن حديث أويحيى عن قضايا تخص الدولة في علاقاتها بالمحيط الإقليمي أو العربي، يستهدف تقديم نفسه دائماً في صورة رجل دولة يفكر في المصالح العليا، ويقدر التهديدات الكبرى المحيطة بالجزائر، خصوصاً أن أويحيى يواجه جملة انتقادات وحملة سياسية.


وتتبع تصريحات أويحيى بشأن المخدرات المغربية، نقطة خلاف شهدتها العلاقات بين الجزائر والمغرب في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على خلفية تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل، اتهم فيها السلطات المغربية بتبييض أموال المخدرات والحشيش في بنوك مغربية في الدول الأفريقية، كما اتهم الخطوط الجوية المغربية بنقل المخدرات في رحلاتها إلى الدول الأفريقية. وهي تصريحات قابلها رد من الحكومة المغربية التي عبّرت عن استيائها، واستدعت سفيرها من الجزائر للتشاور، قبل أن يعود لاحقاً. ورأى المحلل السياسي نصر الدين بن حديد، أن الحكومة الجزائرية تخوض في "صناعة واستدعاء الخطر الأجنبي، ومداعبة العمق الشعبي"، مضيفاً أن "الاستدعاء المجاني للخلاف مع المغرب، وفي غير مناسبة، من الأساليب القديمة في صناعة الخطر الأجنبي".

لكن قطاعاً آخر من المراقبين يعتقد أن إثارة المسؤولين الجزائريين لملف تدفق المخدرات من المغرب، يعبّر عن واقع ومخاوف من تأثيرات تدفق المخدرات على السلم المدني والاجتماعي في الجزائر، خصوصاً أن الأرقام التي كشفها مدير عام الديوان الحكومي لمكافحة المخدرات في الجزائر محمد عبدو بن حلة، بداية شهر يناير/كانون الثاني الحالي، تؤكد هذه المخاوف، إذ أعلن أن السلطات الجزائرية حجزت 48 طناً من المخدرات عام 2017، كانت مهربة من المغرب، على الرغم من الحدود البرية المغلقة بين البلدين منذ عام 1995، والسياج الحديدي الذي أقامته السلطات الجزائرية على الحدود الغربية مع المغرب، وتركيز 28 مركزاً متقدماً لمراقبة الحدود. ويشير كلام بن حلة إلى قلق جدي من تنامي نشاط شبكات المخدرات على الحدود الغربية والغربية الجنوبية مع المغرب، إذ يستنزف القدرات الأمنية ويشتت جهودها في وقت تخوض فيه حرباً ضد واجهات إجرامية أخرى كالإرهاب وتهريب البشر والأسلحة وغيرها.

ولا تنفك الخلافات الجزائرية المغربية تقفز من نقطة إلى نقطة، ومن ملف إلى آخر على صعيد العلاقات والتعامل الثنائي، إذ تستمر الجزائر في تنفيذ قرار خفض تمثيلها في أي نشاط أو محفل دولي أو إقليمي يحتضنه المغرب، ناهيك عن قضية الصحراء الغربية المتنازع عليها بين جبهة البوليساريو والمغرب الذي يتهم الجزائر بدعم الجبهة. وفي كل فرصة يتحين كل طرف تصدير خلافاته وأزماته الداخلية، إلى ساحة الأزمة المستحكمة مع الطرف الآخر، على الرغم من الإرهاق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي تسبّبت فيه هذه الخلافات، وإهدار فرص التكامل المغاربي الذي ضربته الأزمة المغربية الجزائرية.