ترامب وسورية: غياب الخطة وتلزيم الملف

22 يونيو 2017
انتشار عسكري أميركي بضواحي منبج في 2017(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
بعد إسقاط طائرة "سوخوي" مساء الأحد فوق الرقة، وقصف القاعدة الجوية السورية العسكرية في الشعيرات في إبريل/نيسان الماضي، ثم إسقاط طائرة بدون طيار إيرانية يوم الثلاثاء، في منطقة مثلث التنف على الحدود مع الأردن والعراق، ثمة سؤال يطرح في واشنطن حول معرفة ما الذي يسعى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى تحقيقه في سورية؟

الاعتقاد السائد في واشنطن أن الرئيس لا يملك ولا يريد أن يملك خطة واضحة متماسكة للتعامل مع الوضع السوري. فوّض البنتاغون بالتصرف حسب ما تقتضيه الظروف على الأرض، لا سيما في ما يتعلق بمعركة الرقة. حتى الآن، لم يصدر عنه رد أو تعليق على التطورات هناك. تجاهل التهديد الروسي بالتصدي للطيران الأميركي لو دخل أجواء غرب الفرات. ويبدو أن موسكو "جديّة" هذه المرة، حسب قراءات أميركية. ويبدو ترامب شبه مستقيل من دوره الخارجي عموماً. لقد "وزّع الملفات الساخنة على فريقه لشؤون الأمن القومي من دون تنسيق بينهم ولا انخرط من جانبه"، كما يرى المعاون الأول السابق لمدير "وكالة الاستخبارات الأميركية" (سي آي إيه)، جارامي باش. ويبدو أن الأخير أصاب في تشخيصه للمشكلة.

كان المأخذ على الرئيس السابق باراك أوباما، أنه تبنى نهج "القيادة من الخلف"، في تعاطيه مع القضايا الخارجية الملتهبة. أما الرئيس ترامب فلا يرغب في هذه القيادة لا من الخلف ولا من الأمام ولا حتى من الوسط. وفي ذات الوقت، لا يقوى على مغادرتها بالمرة. بالنتيجة، وجد نفسه في مأزق. لا هو قادر على ترجمة خطابه الانتخابي لناحية الانكفاء الخارجي والتخلي عن "النهج الذي اعتمدته السياسة الخارجية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية" في ظل النظام الدولي الذي صاغته واشنطن آنذاك. ولا هو راغب في مواصلة العمل بهذا الدور. أصلاً، وجد أنه غير مسموح له بمغادرة هذا الدور. فالكونغرس يقف له بالمرصاد. وكذلك بقية مؤسسات النظام.

قبل أيام صوت مجلس الشيوخ بالإجماع على تأكيد التزام أميركا بالبند الخامس من ميثاق "حلف شمال الأطلسي" (الناتو) الذي ينص على أن الاعتداء على أي عضو في الحلف هو بمثابة عدوان على كافة الأعضاء. التزام تجنّب ترامب ذكره خلال مشاركته في اجتماع "الناتو" الأخير في بروكسل. كذلك، صوّت المجلس وبأغلبية كاسحة لتشديد العقوبات على موسكو. خطوة حازمة تصطدم مع رغبة ترامب الثابتة في لتقارب مع الروس. كما رفض حتى الجمهوريون في المجلس، خفض موازنة وزارة الخارجية الذي اقترحه الرئيس والذي يعكس توجهه في تقليص الحضور والدور الأميركيين في الخارج. ويتعلق الأمر إذاً برسائل متوالية أرسلها مجلس الشيوخ إلى البيت الأبيض للتأكيد على استمرارية الدور الخارجي بصورة أو بأخرى.


في هذا الإطار، يندرج تصعيد موقف البنتاغون في سورية. فإسقاط الطائرة سبقه، عدا عن قصف القاعدة الجوية، "ثلاث غارات جوية على قوات تدعمها إيران قرب مثلث التنف جنوب سورية"، بحسب ما ذكرته شبكة "أي بي سي نيوز". ويعزو مراقبون تفعيل العملية الجوية إلى أمرين في حسابات البنتاغون: الأول، يتعلق باقتراب الدخول في مرحلة جديدة بعد هزيمة تنظيم "داعش" المتوقعة في سورية والعراق، مع ما سوف يستتبع ذلك من تقاسم للوجود والنفوذ فوق الساحة السورية؛ ثانياً، بعث رسالة إلى موسكو بأنه غير مسموح لها الانفراد بتقرير الترتيبات الآتية في سورية، لا سيما في شرق الفرات.

وتخشى بعض الدوائر أن يؤدي ارتفاع منسوب التوتر إلى احتكاكات غير مقصودة تقود بدورها إلى توسيع رقعة الصدام مع ما ينطوي عليه من مخاطر. وتبدو مخاوف كهذه مبررة لأن لهجة التحذير أو التهديد الروسي كانت صارمة، وجاءت مرفقة بقطع خط التواصل مع القيادة الأميركية الميدانية في سورية، الذي يهدف إلى تجنب الاصطدامات الجوية. وربما كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، هذه المرة جاداً في ترجمة تهديده، لاعتقاده بأن ترامب لا يريد وقوع مواجهة مع روسيا. نفس الاعتقاد يسود لدى البنتاغون بأن موسكو لن تذهب في النهاية إلى حد تنفيذ تهديدها، على ما بدا من كلام رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال جوزيف دانفورد، أخيراً، حين أكد أن بلاده ستعمل "على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري في الساعات المقبلة لإعادة العمل بمناطق عدم الاشتباك". لكن يسود قلق لدى بعض الأوساط في واشنطن من أن يكون كلاهما على خطأ في التقدير.

المساهمون