منذ إعلان الأمين العام لـ"حلف شمال الأطلسي" (الناتو)، ينس ستولتينبرغ، منتصف العام الماضي خلال مؤتمر صحافي في أوسلو، أن المنظمة تعمل على افتتاح مركز استخباراتي بتونس، اتجهت كل الجهود نحو إتمام وضع أسس هذا الهيكل الجديد. ويبدو أن تونس تسير بثبات نحو إقامة قاعدة استخباراتية لحلف "الناتو" على أراضيها، وهو ما سيترجم الشراكة القائمة بين الطرفين في مجالات الاستعلام والاستخبارات.
ولا يتعلق الأمر بقاعدة عسكرية كما ظن البعض، لأن هذا الأمر ترفضه تونس بشدة، وفق تأكيدات كل مسؤوليها. لكن الحكومة التونسية تسعى للتعاون مع "الحلف الأطلسي" من خلال رفع جاهزيتها وقدراتها الأمنية والعسكرية لمواجهة خطر الإرهاب. وقد رحبت القيادات العسكرية في تونس بهذا البرنامج الذي سيعزز القدرات المحلية في الاستخبارات بهدف مكافحة الإرهاب الذي يتربص بالبلاد ويؤرق القيادة السياسية والرأي العام التونسي.
وفي هذا الإطار، تتالت اللقاءات الماراتونية بين المسؤولين عن الاستخبارات العسكرية في تونس والمسؤولين عن هذا البرنامج في "حلف شمال الأطلسي". وعقدت في أوقات متفرقة، لقاءات معلنة وأخرى سرية، بين الطرف التونسي ممثلاً بوزير الدفاع فرحات الحرشاني، ورئيس أركان جيش البر، الفريق إسماعيل الفتحلي، والمدير العام لوكالة الاستخبارات والأمن للدفاع، الحبيب الضيف، والوفد الأطلسي، الممثل بالأمين العام لـ"الناتو"، ينس ستولتينبرغ، والأمين العام المساعد للمنظمة، أليخاندرو ألفارغونزاليز، والأمين العام المساعد للتخطيط وسياسة الدّفاع بالأركان الدولية في "الناتو"، جوناثان باريش.
وكان مجلس الأمن القومي التونسي أقر في نهاية عام 2016 إنشاء مركز وطني للاستخبارات. وتمت المصادقة على مشروع أمر حكومي يتعلق بإحداث هذا المركز في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2016، بحسب ما أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة، أياد الدهماني، آنذاك. وصدر القرار بالجريدة الرسمية في شهر يناير/ كانون الثاني 2017. والمركز تابع لرئيس الحكومة، وسيتولى مهمة التنسيق بين مختلف أجهزة الاستخبارات الوطنية عبر تجميع التحاليل والتقارير من مختلف هيئات الاستخبارات الوطنية وتسهيل تبادل المعلومات بينها، إلى جانب مهمة إنجاز تحاليل ظرفية ودورية وتقييمات للمخاطر والتهديدات وإعداد بطاقات معلومات تُرفع إلى رئيس الحكومة ورئيس مجلس الأمن القومي، بالإضافة إلى إعداد الخيارات الاستراتيجية والأولويات في مجال الاستخبارات وعرضها على مجلس الأمن القومي.
ويرى مراقبون أن تونس مستفيدة من إنشاء مركز استخبارات بالتعاون مع "الناتو"، وهو ما يزيد من أهلية القوات التونسية واستعدادها في مكافحة الإرهاب والاختراق الأجنبي. غير أن "الحلف الأطلسي" يعد من أبرز المستفيدين، لأن هذه القواعد في تونس ستدعم برنامجه الاستخباراتي في منطقة شمال أفريقيا، كما ستكون دعامة للعملية البحرية متعددة الأهداف في البحر الأبيض المتوسط، والتي أطلقها "الحلف" تحت اسم "الحارس البحري" بهدف ضمان الأمن في البحر المتوسط. وتشير المعطيات المتوفرة لـ"العربي الجديد"، إلى أن هيكلية المركز الاستخباراتي تنقسم إلى "قاعدة الاستخبارات الجغرافية"، وهي المهتمة بالمعلومات الخاصة بطبيعة الأرض والبحر والجو، من أجل الخطط العسكرية، وتنقسم بدورها إلى أقسام، منها قسم خاص بالطبوغرافيا، وقسم مهتم بالأرصاد الجوية، وقسم مهتم بمستجدات الطقس، وقسم مختص بالدراسات الهيدروغرافية (مراقبة أعماق وحركة وأسطح المياه البحرية)، وقسم يهتم بشؤون النقل.
وتتعلق القاعدة الرابعة بشؤون "الاستخبارات الاستراتيجية". وتهتم هذه الوحدة بجمع المعلومات المتعلقة بالشؤون العسكرية أو الأمنية وتنسيقها، وتحليلها، وتوزيعها على المستوى الاستراتيجي وعلى مستوى الدولة. وتهتم أيضاً بجمع المعلومات عن الاتجاهات الاقتصادية والعسكرية والسياسات المتبعة لدى الدول ذات العلاقات المباشرة أو غير المباشرة. وتوجد قاعدة خامسة تسمى "الاستخبارات الوقائية"، التي تُعنى بجمع المعلومات ومعرفة وتنظيم وتحليل النشاط الذي يوجه للقضاء على نشاط الاستخبارات المعادية. والمهمة الأساسية لها هي مقاومة الجاسوسية والاستخبارات العدوة بالتعرف على نشاط عملاء العدو السريين والسيطرة عليه.
وتعنى القاعدة السادسة بـ"الاستخبارات السياسية"، فيما تعنى القاعدة السابعة بـ"الاستخبارات الاقتصادية"، وتهتم أجهزتها بالاستعلام عبر جمع المعلومات المتعلقة بالنشاط التجاري والمالي ومعرفة الفاعلين الاقتصاديين المؤثرين وأصحاب النفوذ في المجال الاقتصادي.