واعترفت وسائل إعلام تابعة للنظام، أنّ وفد الأخير لم يدخل في المفاوضات في جنيف، حيث لا يزال يحاول دفع المعارضة إلى تقديم تنازلات مؤلمة، تؤكّد مصادر في هذه المعارضة، أنها لن تقدم عليها، وأنّ أي حل يجب أن ينهض على قرارات الشرعية الدولية التي تدعو إلى انتقال سياسي يجب ألّا يكون الأسد جزءاً منه.
وأكدت مصادر مطلعة ومواكبة للجولة الثامنة من المفاوضات لـ"العربي الجديد" أن النظام "وضع حائطاً أمام المفاوضات، وقال للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، بشكل واضح إنه لا يعترف بوفد المعارضة الموحّد المفاوض في جنيف، مطالباً بدعوة ما يُسميه بـ"معارضة الداخل" التي تدور في فلكه، إلى المفاوضات، وهو ما يعتبر "مهزلة"، وفق المصادر. وأوضحت المصادر نفسها، أنّ وفد النظام يطالب بتعديل بيان الرياض2 الذي أصدرته المعارضة السورية، أواخر الشهر الفائت، في ختام اجتماعات لها في العاصمة السعودية، تمخضت عن هيئة تفاوض جديدة تضم كل منصات المعارضة، بحيث يتم حذف كل ما ورد في البيان يتعلق برأس النظام بشار الأسد.
وكانت المعارضة السورية شدّدت في "الرياض2" على أنه لا وجود لبشار الأسد و"زمرته" في السلطة مع بداية المرحلة الانتقالية، في حين كان النظام ينتظر من المعارضة بياناً مهادناً معتمداً على تغيّر في المزاجين الإقليمي والدولي حيال القضية السورية. وأوضحت المصادر، أنه بات واضحاً أن وفد النظام "يريد إطلاق رصاصة أخيرة على مسار جنيف برفضه الانخراط بالمفاوضات"، مشيرةً إلى أنّ رئيس الوفد، بشار الجعفري، رفض كل طروحات المبعوث الأممي، مصراً على مناقشة السلة الرابعة وهي المتعلقة بالإرهاب، ورافضاً أيضاً التطرّق إلى الحكم والدستور والإرهاب، "وبذلك يمكن القول إن نتيجة جنيف8 صفر، كما حال الجولات الفائتة". وأشارت المصادر إلى أنّ التشاؤم "سيّد الموقف في جنيف"، موضحةً أنّ المبعوث الأممي سيطلع مجلس الأمن، مساء اليوم الخميس، على نتائج الجولة، متوقعة أن يطلق "مواقف حادة"، وأن يبيّن للمجلس فشل مساعيه في تجسير الهوّة بين وفدي المعارضة والنظام.
من جانبه، قال عضو وفد المعارضة السورية، أحمد العسراوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن اجتماع وفد المعارضة السورية مع المبعوث الأممي الثلاثاء "كان فيه الكثير من الدقة، إذ إنه تمّ التوافق على متابعة المفاوضات حول الدخول بشكل جدي في العملية السياسية ومناقشة هيئة الحكم الانتقالي خلال لقاءات الأربعاء والخميس". وأشار العسراوي إلى أنّ دي ميستورا "لم يقل لنا أن وفد النظام رفض التفاوض في السلات الثلاث (الحكم والدستور والانتخابات)، ولكن من الواضح أن هذا الوفد ليس في وارد التفاوض في هذه السلال". كلام يناقض إعلان كل من المتحدث الرسمي باسم الهيئة، يحيى العريضي، والمسؤول الإعلامي للائتلاف الوطني، أحمد رمضان، حول تلقيهم رسمياً من دي ميستورا رد النظام الرافض لأي تفاوض خارج بند مكافحة الإرهاب.
ولفت العسراوي إلى أنّ المبعوث الأممي "لا يدفع باتجاه سوتشي"، قائلاً "ليس هناك قرار أممي واضح حول هذه القضية. مؤتمر سوتشي بحاجة لدراسة وخصوصاً حيال مكوناته، وجدول أعماله، ومخرجاته". وشدد على أن موقف المعارضة "مع جنيف وليس مع سوتشي أو أستانة"، مضيفاً "جنيف هي المكان الأساسي لإنتاج الحل السياسي". ونفى العسراوي وجود أي خلافات داخل وفد المعارضة كما تروّج وسائل إعلام النظام، مؤكداً أنّ "هناك انسجاماً تاماً بين أعضاء الوفد جميعاً، وضمن أعضاء هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية".
وأبرزت وسائل إعلام النظام، أمس الأربعاء، ما قاله المبعوث الأممي لوفد المعارضة من أنه "لم يعد هناك دولة في العالم تريد مساندتكم، وإن دولاً من بينها إيران وتركيا باتت تدعم مسار سوتشي". ونقلت صحيفة "الوطن" عن مصدر في النظام أن وفد الأخير "أبلغ دي ميستورا في اللقاء الذي عقد الإثنين أن القراءة الاستنسابية للقرار 2254، غير مقبولة بتاتاً"، مشيراً إلى أنّ رئيس الوفد، بشار الجعفري، قال: إن دمشق ليست بوارد البحث في تسليم السلطة في جنيف، كما أن دمشق لن تناقش مصير الرئيس الأسد الذي يحدده الشعب السوري حصراً، رافضاً الدخول في أي عملية تفاوض مع وفد المعارضة بعد بيانهم في "الرياض2" الذي "يفرض شروطاً مسبقة ويتضمن ألفاظاً نابية بحق الدولة السورية"، وفق ما نقلته الصحيفة عن المصدر.
وكشفت "الوطن" أن وفد النظام "لم يدخل في أي مفاوضات مع دي ميستورا خلال اليومين الماضيين، بل عاد وأكد ضرورة أن يلتزم المبعوث الأممي بدوره كوسيط وميسّر للمفاوضات، وليس من حقه طرح أفكار"، مشيرةً إلى أنّ وفد النظام "رفض البحث في ورقة دي ميستورا التي قدمها، منذ أسبوعين، والتي لا تستند إلى أي عملية تفاوض، بل كانت بمبادرة من دي ميستورا"، وفق الصحيفة. وكان المبعوث الأممي قدّم في بداية الجولة الثامنة 12 سؤالاً للمعارضة والنظام حول مبادئ تتعلّق بمستقبل البلاد، إذ قدمت المعارضة أجوبتها ورفض النظام التعامل معها.
ولم يعد خافياً أنّ النظام يريد تحويل الزخم السياسي والإعلامي إلى مسار بديل، وهو مؤتمر سوتشي الذي أعطته روسيا عنوان "الحوار السوري" والمقرر عقده أواخر الشهر المقبل أو الشهر الذي يليه. وأكّدت مصادر مطلعة أن هناك نية للمبعوث الأممي للمشاركة بـ"فعالية" في مؤتمر سوتشي، ووضع مبادئ حلّ يجري اعتمادها في جولة تاسعة من مفاوضات جنيف كي تأخذ شرعية دولية. وأكدت المصادر أنّ المعارضة السورية لن تنوي المشاركة في سوتشي، ولكن المصادر لم تستبعد مشاركة شخصيات هامة في المعارضة بشكل شخصي في هذا المؤتمر الذي تعوّل عليه موسكو لترسيخ هيمنتها المطلقة على القرار السوري راهناً ومستقبلاً.