المغرب بعد الزلزال السياسي: أحزاب محصّنة وتغيرات الائتلاف الحكومي

26 أكتوبر 2017
استخدم الملك لأول مرة الفصل47 من الدستور(فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -
لم يمر تهديد ملك المغرب محمد السادس بإحداث زلزال سياسي في البلاد، خلال خطابه الافتتاحي للدورة الخريفية للبرلمان يوم الجمعة قبل الماضية، حتى نفّذ وعيده من خلال قرار إعفاء عدد من الوزراء والمسؤولين، وحرمان آخرين من تقلّد أي مناصب رسمية في المستقبل.

قرار الملك محمد السادس بإعفاء ومعاقبة وزراء سابقين وحاليين ومسؤولين إداريين، يحمل عدة مستجدات وسوابق من نوعها في المشهد السياسي المغربي الراهن، أهمها أنه أول إعفاء لوزراء بهذا العدد والحجم دفعة واحدة في تاريخ المغرب المستقل، إذ بلغ عدد الوزراء المعفيين مباشرة أربعة، وخمسة وزراء سابقين قرر الملك ألا تُسند إليهم أي مسؤولية أو منصب رسمي، ما يعني أن العدد يصل إلى 9 وزراء. وقرر إعفاء ثلاثة وزراء حاليين، هم محمد حصاد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، بصفته وزير الداخلية في الحكومة السابقة، ومحمد نبيل بنعبد الله، وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، بصفته وزير السكنى وسياسة المدينة في الحكومة السابقة، والحسين الوردي، وزير الصحة الحالي وأيضاً في النسخة السابقة من الحكومة.
قرار الإعفاء شمل أيضاً العربي بن الشيخ، كاتب الدولة لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، المكلف بالتكوين المهني، بصفته مديراً عاماً لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل سابقاً، فضلاً عن إعفاء علي الفاسي الفهري، من مهامه كمدير عام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.

المستجد الثاني غير المسبوق في "الزلزال السياسي" في المملكة، الذي تم الإعلان عنه ليلة الثلاثاء-الأربعاء، يتمثل في قرار العاهل المغربي عدم رضاه عن وزراء محددين، وحرمانهم من نيل أو تقلد أي مناصب مستقبلاً، وهو ما اعتبره كثيرون نوعاً من الإعفاء أو الإعدام السياسي لهؤلاء المسؤولين السياسيين. الوزراء السابقون الذين أبلغهم الملك عدم رضاه "لإخلالهم بالثقة التي وضعها فيهم، ولعدم تحملهم مسؤولياتهم، وبالتالي لن يتم إسناد أي مهمة رسمية لهم مستقبلاً"، وفق بيان الديوان الملكي، هم على التوالي: رشيد بلمختار بنعبد الله، بصفته وزير التربية الوطنية والتكوين المهني سابقاً، ولحسن حداد بصفته وزير السياحة سابقاً، ولحسن السكوري بصفته وزير الشباب والرياضة سابقاً، ومحمد أمين الصبيحي، بصفته وزير الثقافة سابقاً، وحكيمة الحيطي، كاتبة الدولة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، المكلفة بالبيئة سابقاً. وإضافة إلى إعفاء وزراء بهذا العدد دفعة واحدة، وهو أمر غير مسبوق في الحكومات المغربية المتعاقبة، وأيضاً منع وزراء سابقين من تقلد مناصب ومسؤوليات في الدولة مستقبلاً بشكل نهائي، فإن اللافت أيضاً أن هذه التدابير جاءت مؤطرة بأول استخدام للفصل 47 من الدستور، لا سيما الفقرة الثالثة منه، التي تقول إن "للملك وبمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضواً أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم".

ومن المستجدات الظاهرة في هذا "الزلزال السياسي"، أنه لأول مرة يتم تفعيل مبدأ دستوري ورد في الفصل الأول من الدستور، والمرتبط بربط المسؤولية بالمحاسبة، إذ تقول الفقرة الثانية من هذا الفصل الدستوري "يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلطات، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة".


هذه الإعفاءات التي وصفها البعض بأنها زلزال سياسي كما توعد العاهل المغربي بذلك في خطاب افتتاح البرلمان، لا شك أن لها تداعيات على المشهد الحزبي وعلى الحكومة التي يقودها حزب "العدالة والتنمية"، إذ بات حتمياً إجراء تعديل حكومي باقتراح رئيس الحكومة أسماء من يخلفون الشخصيات المعفية على الملك.
أما لجهة التداعيات الحزبية، فيمكن تسجيل أن حزبي "التقدّم والاشتراكية" و"الحركة الشعبية" هما أكثر الأحزاب التي هزها الزلزال السياسي للملك، فمن بين الوزراء الأربعة الذين تم إعفاؤهم بشكل مباشر، هناك وزير من "الحركة الشعبية" ووزيران من "التقدّم والاشتراكية"، وضمن الوزراء الذين طاولهم المنع من مزاولة أي منصب حكومي يوجد وزيران من "الحركة الشعبية" ووزير من "التقدّم والاشتراكية". في المقابل، يُلاحَظ أن "الغضبة الملكية" لم تطاول حزبي "التجمع الوطني للأحرار" و"العدالة والتنمية"، فعلى الرغم من أن جميع هؤلاء الوزراء المعفيين عملوا ضمن الحكومة السابقة التي قادها عبد الإله بنكيران، والتي انطلقت في ولايتها احتجاجات منطقة الريف، إلا أنه لم يتم تحديد أي اسم من وزراء "العدالة والتنمية" ضمن الوزراء المعاقبين.

أما من حيث الترتيبات السياسية المرتبطة بهيكلة الحكومة، فتُطرح في هذا الصدد سيناريوهات مختلفة، منها أن حزب "التقدّم والاشتراكية" تحديداً قد يعلن مغادرته للحكومة ما دام لم يعد يملك فيها سوى حقيبة يتيمة تعود إلى شرفات أفيلال المكلفة بالماء، وبالتالي سيضطر رئيس الحكومة سعد الدين العثماني إلى تعويض هذا الحزب بحزب آخر، يرجح الكثير من المحللين أنه حزب "الاستقلال"، خصوصاً بعد تغيير قيادته وانتخاب نزار بركة، المقبول من صنّاع القرار في البلاد، خلفاً للقيادي المثير للجدل حميد شباط.

وهناك سيناريو آخر يتمثّل في مغادرة حزبي "الحركة الشعبية" و"التقدّم والاشتراكية" معاً الحكومة، بعد أن طاولتهما سهام النقد وسخط الملك بشكل واضح. وهنا قد يضطر رئيس الحكومة إلى الاستنجاد بحزب أو حزبين من خارج الحكومة لتعويض وزرائهما، كما يمكنه أن يعطي هذه الحقائب الفارغة إلى الأحزاب المتواجدة في الحكومة من دون الحاجة إلى إدخال حزب جديد.

ويبدو أن معاقبة وزراء "التقدّم والاشتراكية"، وعلى رأسهم محمد نبيل بنعبد الله زعيم الحزب ووزير السكنى، لم يكن مفاجئاً بشكل خاص، بل جاء ليُكمل صفعة قوية تلقاها الرجل من الديوان الملكي قبل أشهر، بسبب تصريح نُسب إليه بشأن مؤسس حركة لكل الديمقراطيين التي تحوّلت إلى حزب "الأصالة والمعاصرة"، فؤاد عالي الهمة، وهو أيضاً مستشار وصديق الملك. فقد انهال الديوان الملكي حينها على بنعبد الله بالتقريع والتجريح، ومنذ ذلك الحين ورأسه "مطلوب"، فكانت إقالته أو إعفاؤه مسألة وقت عند العارفين بخبايا ودهاليز اللعبة السياسية في البلاد.
وتسير الأمور بعد حدوث هذا "الزلزال السياسي" إلى اتجاه أن ينسحب بنعبد الله أيضاً من قيادة حزب "التقدّم والاشتراكية"، وهو معطى مرجح جداً في خضم إعفائه سياسياً من قِبل العاهل المغربي، وبالتالي ستسقط قيادة هذا الحزب كما سقط شباط من قيادة حزب "الاستقلال"، وانتخاب نزار بركة الذي قد يدخل الحكومة الجديدة من بوابة التعديل الحكومي من "أوسع أبوابها".

وكان تقرير المجلس الأعلى للحسابات حاسماً في إسقاط رؤوس وازنة من وزراء ومسؤولين إداريين، بسبب تداعيات حراك الريف الذي اقترب من إكمال سنة كاملة، إذ سجل بأن التحريات والتحقيقات التي قام بها أثبتت وجود مجموعة من الاختلالات تم تسجيلها في عهد الحكومة السابقة، كما أبرز أن عدة قطاعات وزارية ومؤسسات عمومية لم تف بالتزاماتها في إنجاز المشاريع.

وعلى مستوى تنفيذ المشاريع المبرمجة، يضيف تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أنه تمت ملاحظة تأخر كبير في إطلاق المشاريع، بل إن الغالبية العظمى منها لم يتم إطلاقها أصلاً، مع غياب مبادرات ملموسة من قبل بعض المتدخلين المعنيين بإطلاقها الفعلي. كل هذه المعطيات دفعت العاهل المغربي إلى إعفاء وزراء، فيما باقي المسؤولين الإداريين، الذين أثبتت التقارير في حقهم تقصيراً واختلالات في القيام بمهامهم، وعددهم 14، فقد أمر الملك رئيس الحكومة باتخاذ التدابير اللازمة في حقهم، ورفع تقرير في هذا الشأن له.