المعارضة التركية ورفض الانقلاب... قسوة أردوغان ولا جزمة العسكر

إسطنبول

باسم دباغ

avata
باسم دباغ
24 يوليو 2016
34D9C60D-6A0D-4D19-B28B-B559930FA3C8
+ الخط -
كان لموقف أحزاب المعارضة التركية الرئيسية الثلاثة دور أساسي في إفشال المحاولة الانقلابية في 15 يوليو/ تموز الحالي. وعلى الرغم من الانقسام العامودي والاستقطاب الشديد الذي يعاني منه المجتمع التركي على مرّ تاريخه، والذي تعمّق خلال السنوات الأخيرة، لم تتفق الأحزاب التركية الأربعة في البرلمان التركي على بيان موحّد، منذ أكثر من خمس سنوات، سوى في مناسبتين: في إدانة الانقلاب الذي قام به عبد الفتاح السيسي في مصر عام 2013، وفي إدانة المحاولة الانقلابية الأخيرة.

بعد دقائق قليلة من تصريحات رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، والتي أكد خلالها وجود محاولة انقلابية في اليوم الانقلابي، عبّر زعيم حزب "الشعب الجمهوري" كمال كلجدار أوغلو، وريث الكمالية وأكبر أحزاب المعارضة، عن "رفض هادئ" للانقلاب، من دون أن يدعو أنصاره للنزول إلى الشارع، فيما بدا موقفاً أخلاقياً حازماً، يثبت التحول الكبير في ثقافة الكماليين السياسية. وذلك بالنظر إلى الدور الذي أداه الحزب على تاريخ في دعم المحاولات الانقلابية، أو على الأقل السكوت عنها والاستفادة منها للعودة إلى الحكم، كما حصل في انقلابي 1960 و1971، وكذلك في الانقلاب الأبيض 1997.

ويرى كثيرون أنه "لو أبدى الشعب الجمهوري تعاطفاً مع الانقلابيين في 15 يوليو/ تموز، لكان نجاح المحاولة الانقلابية وارداً أكثر، ولاستغلّت ربما المجموعة الانقلابية الموقف، للترويج لطروحات النخب الانقلابية السابقة، في الحفاظ على علمانية الدولة التركية". والأخطر أن موقفاً سياسياً مؤيداً للانقلاب من أحزاب المعارضة كان من شأنه إنزال جماهير المعارضة إلى الشارع لدعم الانقلاب، وهو ما كان من شأنه أن يتيح الفرصة للانقلابيين الضرب بيد من حديد بحجة الرغبة بحسم الموقف بين المواطنين الأتراك وعدم السماح بالاقتتال الأهلي.

موقف "الشعب الجمهوري" كان واضحاً، لصالح مساندة الديمقراطية والحكومة الشرعية، وليس لمساندة حكومة "العدالة والتنمية" أو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وقد عبّر زعيم الحزب كلجدار أوغلو، الثلاثاء الماضي، عن هذا التمايز بشكل واضح، خلال كلمته بالكتلة البرلمانية للحزب، بالتأكيد على مواقف الحزب في رفض التحول إلى النظام الرئاسي، عبر التشديد على أن النظام البرلماني الحر هو الذي حمى الجمهورية، قبل أن يتخذ موقفاً معارضاً لإعلان حالة الطوارئ.




أما بالنسبة لحزب "الشعوب الديمقراطي"، الجناح السياسي لـ"العمال الكردستاني"، فلم يكن من المنتظر منه سوى معارضة المحاولة الانقلابية، بسبب تشكّل جميع قيادات الحزب ونوابه من النخبة المثقفة اليسارية الكردية والتركية، والتي قضت سنوات في السجون وتحت التعذيب، بسبب العسكر وبالذات بعد انقلاب عام 1980 الدموي، والذي يمكن تحميله مسؤولية اندلاع تمرّد "الكردستاني"، بعد سياسات التنكيل التي اتُخذت بحق الشعب عموماً، مركّزة على التيارات اليسارية والقومية الكردية خصوصاً.

فضّل "الشعوب الديمقراطي" ما اعتبر "قسوة" حزب "العدالة والتنمية" في التعامل مع "الكردستاني" على قسوة الجيش، لأن قدوم الجيش يعني تدمير الحدّ الأدنى من الحريات، التي ما زالت تتمتع بها الحركة القومية الكردية. لذلك حرص الحزب، بعد فشل المحاولة الانقلابية، على إظهار مواقفه الناقدة بشدة لسياسات "العدالة والتنمية"، محمّلاً الأخير مسؤولية إيصال البلاد إلى الدخول في محاولة انقلابية، بعد اتباعه سياسات قاسية في محاولة السيطرة على مفاصل الدولة بحجة تطهيرها من "حركة الخدمة"، بما أطلق عليه نواب "الشعوب الديمقراطي"، الانقلاب المدني الذي جلب الانقلاب العسكري. قبل أن يعارض في وقت لاحق إعلان الحكومة حالة الطوارئ، لأسباب عدة، يأتي على رأسها ذاكرة المناطق ذات الغالبية الكردية في جنوب شرق الأناضول، عن حالة الطوارئ التي عاشتها لأكثر من 12 عاماً، ولم تنتهِ إلا بوصول "العدالة والتنمية" إلى الحكم عام 2002. أما السبب الثاني فهو خشية قيادات الحزب من أن تُسهّل حالة الطوارئ استمرار سياسات حكومة "العدالة والتنمية" في مواجهة "الكردستاني" وضرب أجنحته السياسية، المستمرة منذ عودة الاشتباكات في يوليو/ تموز 2015.

من جانبه لم يخرج حزب "الحركة القومية" (يميني قومي متطرف) عن مواقفه التاريخية، عندما رأى بأن "الدولة والنظام والأمة" هي المستهدفة، ولتشابك القواعد الشعبية بين "الحركة القومية" و"العدالة والتنمية"، استمر في سياسة المزايدات القومية. وبينما حاول حزب "العدالة والتنمية" امتصاص المطالب الشعبية بإعادة حكم الإعدام وتنفيذه بحق الانقلابيين، عبر اتخاذ موقف موارب منه، برمي الكرة في ملعب البرلمان، عندما أكد الرئيس التركي أنه سيصادق على قرار برلماني بإعادة حكم الإعدام، جاء ردّ "الحركة القومية" بالتأكيد بأن الحزب سيؤيد أي محاولة لإعادة حكم الإعدام في حال دعت الحكومة لذلك. ثم أيّد إعلان حالة الطوارئ في البرلمان. ويشير مراقبون إلى أنه "لو لم يتخذ حزب العدالة والتنمية القرار بإعلان حالة الطوارئ، لكان دولت بهجلي زعيم الحركة القومية هو الذي دعا لذلك".

كما لم تستهدف جميع التحركات الحكومية التركية بعد الانقلاب إلا أنصار "حركة الخدمة"، الأمر الذي تعيه كل الأحزاب التركية المعارضة جيداً. ومن الواضح من سرعة تحرك الحكومة في الإبعاد أو الاعتقال، بأن القوائم كانت جاهزة وتنتظر الوقت المناسب، وبينما لم يتوقف حزب "الشعب الجمهوري" عن معارضة الإجراءات الحكومية بحق النخبة الكمالية العسكرية، في وقت سابق، كان موقفه، هذه المرة هادئاً، بالتأكيد على ضرورة أن يجري كل شيء في إطار القانون.

وإن كان أردوغان "إسلامياً يميل نحو الاستبداد"، في نظر "الشعب الجمهوري"، إلا أنه وبعد 14 عاماً من الحكم أثبت بأنه لا يعادي العلمانية، بقدر ما يودّ إعادة تعريفها بشكل تبتعد فيه عن النموذج العلماني الفرنسي الصارم، مقتربة أكثر من النموذج العلماني الأنغلوساكسوني. كما أن "الشعب الجمهوري" يرى بأن تغلغل "حركة الخدمة" وسيطرتها على الدولة سيعني تحويل الجمهورية العلمانية إلى ما يشبه الجمهورية الإسلامية بولي فقيه مستتر، هو زعيم الحركة فتح الله غولن، المقيم في منفى اختياري في ولاية بنسلفانيا الأميركية منذ 1999.

ورغم أن العداء لـ"العدالة والتنمية" جمع "الكردستاني" و"حركة الخدمة" في مناسبات عدة منذ عام 2014، إلا أن قيادات "الشعوب الديمقراطي" تعي خطورة "حركة الخدمة" عليهم، في حال عودتها إلى مفاصل الدولة بنجاح الانقلاب، خصوصاً أن الحركة هي التي عارضت، أثناء تحالفها مع "العدالة والتنمية"، كل السياسات الهادفة لحلّ القضية الكردية بشكل سلمي. وكان لمنتسبيها في صفوف القضاء والادعاء العام، والذين سيطروا على المناصب في جنوب وشرق تركيا، دوراً رئيسياً في مواجه "الكردستاني" عبر التغلغل في المجتمع الكردي باستخدام الدين، لضمان ولاء المجتمع الكردي وتجفيف دعم "العمال".

وحاولت "حركة الخدمة" بعد طرد كوادرها من حزب "العدالة والتنمية"، التغلغل في صفوف "الحركة القومية"، الأقرب أيديولوجياً لها، الأمر الذي دفع دولت بهجلي عام 2014 لشن حملة تطهير واسعة في صفوف الحزب.


ذات صلة

الصورة
احتجاج ضد مقتل الطفلة نارين غوران في تركيا، 9 سبتمر 2024 (فرانس برس)

مجتمع

لم تلق جريمة قتل بتركيا، ما لقيه مقتل واختفاء جثة الطفلة، نارين غوران (8 سنوات) بعدما أثارت قضيتها تعاطفاً كبيراً في تركيا واهتماماً شخصياً من الرئيس التركي
الصورة
عبد الله النبهان يعرض بطاقته كلاجئ سوري شرعي (العربي الجديد)

مجتمع

تنفذ السلطات التركية حملة واسعة في ولاية غازي عنتاب (جنوب)، وتوقف نقاط تفتيش ودوريات كل من تشتبه في أنه سوري حتى لو امتلك أوراقاً نظامية تمهيداً لترحيله.
الصورة
الشاب الفلسطيني بسام الكيلاني، يونيو 2024 (عدنان الإمام)

مجتمع

يُناشد الشاب الفلسطيني بسام الكيلاني السلطات التركية لإعادته إلى عائلته في إسطنبول، إذ لا معيل لهم سواه، بعد أن تقطّعت به السبل بعد ترحيله إلى إدلب..
الصورة

سياسة

أثار اعتقال اللاعب الإسرئيلي ساغيف يحزقيل في تركيا أمس، ردود فعل غاضبة في إسرائيل، دفعت وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت لاتهام تركيا بأنها ذراع لحركة حماس.
المساهمون