توتر أممي ــ سوداني جديد: الخرطوم تضغط عبر "أوتشا"

توتر أممي ــ سوداني جديد: الخرطوم تضغط عبر "أوتشا"

27 مايو 2016
تقارير لفرايسن حول الأوضاع الإنسانية أزعجت الخرطوم(كريس بورونكل/فرانس برس)
+ الخط -
ما إن تهدأ العلاقة بين الأمم المتحدة والحكومة السودانية قليلاً، حتى تعود إلى مربع التوتر والمواجهة من جديد. فالأحد الماضي أعلن الفريق الأممي الإنساني في السودان أن الحكومة السودانية رفضت التجديد لرئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" في السودان غيفو فرايسن لعام آخر، على الرغم من تقديم المنظمة الأممية طلباً بذلك منذ العاشر من إبريل/نيسان الماضي، لافتاً إلى أن الحكومة أبلغته بانتهاء إقامة رئيس مكتب "أوتشا" اعتباراً من السادس من يونيو/حزيران المقبل، وهي خطوة اعتبرتها المنظمة الأممية بمثابة قرار بالطرد.

بذلك، ترتفع حصيلة مسؤولي الأمم المتحدة رفيعي المستوى الذين طردتهم السلطات السودانية خلال عامين، إلى أربع شخصيات، بينهم اثنان من رؤساء مكتب "أوتشا". ففي العام 2014 قامت الخرطوم بطرد اثنين من مسؤولي الأمم المتحدة في الخرطوم في ظرف 48 ساعة بينهم رئيس مكتب "أوتشا" السابق علي الزعتري على خلفية حوار أجراه مع صحيفة نرويجية نقلته وكالة صحافية تابعة للأمن السوداني، وأشارت إلى أن الزعتري وجّه خلال الحوار انتقادات لاذعة للخرطوم، وتوقعت طرده.

وفيما قالت المنظمة الأممية أن الحكومة السودانية رفضت تجديد التصريح لفرايسن من دون إبداء أي تفسيرات، ردّت الحكومة بعد 24 ساعة في بيان وصفت فيه فترة فرايسن بالضعف لا سيما في ما يتصل بالتنسيق معها، وأكدت حقها الطبيعي في عدم التجديد لفرايسن، الذي قالت إن وجوده في البلاد كان لفترة انتقالية إلى حين اختيار الأمم المتحدة رئيساً لـ"أوتشا" بديلاً له وللزعتري الذي طُرد، وشددت على عدم وجود قانون يلزمها بالتجديد للمسؤول الأممي. وذكر البيان الذي أصدرته مفوضية العون الإنساني في السودان يوم الإثنين الماضي، أن الحكومة ظلت تنتظر خليفة فرايسن طويلاً وفي النهاية قررت الاعتذار له، رافضة وصف الخطوة بالطرد، مشيرة إلى أن العلاقات بين الطرفين شهدت خلال فترة فرايسن توتراً "بسبب المواقف المتمثلة في عدم الدقة والموضوعية في تناول المسائل الإنسانية". وأكدت المفوضية في بيانها أن "الدور الرئيسي في تحديد الاحتياجات وتنسيق الأنشطة الإنسانية يقع على عاتق الحكومة"، مجددة تأكيد حرص الحكومة على التعاون مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات العاملة في الشأن الإنساني، فضلاً عن تقديم كافة التسهيلات لوصول المساعدات الإنسانية.

وتكشف مصادر حكومية أن قرار إبعاد المسؤول الأممي تم وفق توصية من مفوضية العون الإنساني السودانية أسوة بقرار طرد الزعتري قبله، بعد رصد تقارير أرسلها فرايسن لرؤسائه المباشرين في الأمم المتحدة تدين الحكومة السودانية حول الأوضاع الإنسانية في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وإقليم دارفور، وتحمّلها مسؤولية ارتكاب جرائم تنتهك حقوق الإنسان، فضلاً عن إيراد معلومات تتصل بأعداد النازحين رأت المفوضية أنها غير دقيقة ومصادرها مشكوك فيها. يضاف إلى ذلك الغضب الحكومي السوداني للتقييم الذي تم إعداده من دون علمها حول تحديد مدى وصول المساعدات للمتضررين، لا سيما أن الأمم المتحدة اشتكت أكثر من مرة من رفض الحكومة الوصول للنازحين في ولاية وسط دارفور الفارين من الحرب في جبل مرة، على الرغم من تقديمها ستة طلبات للحصول على إذن لزيارة المنطقة وتقديم المساعدات.


ودرجت "أوتشا" على إصدار تقارير أسبوعية عبر نشرة تتصل بالأوضاع الإنسانية في البلاد، تقدّم إحصائية لعدد النازحين في مناطق النزاع المختلفة، فضلاً عن وضع الأمن الغذائي في البلاد. لكن الحكومة السودانية اتجهت إلى انتقاد هذه التقارير وتكذيب بعض المعلومات الواردة فيها أكثر من مرة، بينها معلومات تتصل بحالة النزوح في منطقة جبل مرة التي شهدت عمليات عسكرية ضارية بين الحكومة وحركة "تحرير السودان" جناح عبد الواحد محمد نور، فضلاً عن تحذيرات أصدرتها النشرة حول حدوث مجاعة ببعض مناطق البلاد، وهو ما اعتبرته الحكومة تجاوزاً لمهام المنظمة الأممية، قائلة إنه ليس مسموحاً للمنظمة اعتماد التقارير حول معدلات الإنتاج أو الوضع الغذائي في البلاد. ودق الفريق الأممي الإنساني ناقوس الخطر للمصير الذي ينتظر المنظمات الأممية العاملة في السودان بعد خطوة الحكومة السودانية، معتبراً أن الخطوة من شأنها أن تؤثر على بيئة العمل لكل المنظمات الإنسانية العاملة في السودان، التي توفر الإغاثة في حالات الطوارئ والإنعاش المبكر والمساعدات الانتقالية للمحتاجين.

وحرص الفريق الأممي على إيراد حجم المساعدات التي قُدّمت بالتنسيق مع شركاء المنظمة الأممية خلال العام الماضي، مشيراً إلى تسليم مساعدات تجاوزت قيمتها 600 مليون دولار لمئات الآلاف من الأشخاص في جميع أنحاء السودان. ويرى مراقبون أن خطوة السلطات السودانية عدم التجديد لفرايسن، تأتي كردة فعل استباقية للتحركات الحاصلة حالياً داخل أروقة مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار بشأن دارفور يدين الحكومة في الخرطوم، فضلاً عن تحركات مماثلة لتضمين الانتهاكات التي تمت إبان الحرب الأخيرة في جبل مرة ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ضمن ملف المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير، لاتهامه بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور، لا سيما أن هناك انتقادات حكومية لرئيس مكتب "أوتشا" لإيراده معلومات حول قصف جوي من السلطات السودانية.

لكن محللين يرون أن الاتجاه الأغلب داخل الأمم المتحدة ومنظماتها، هو تحاشي ردود الفعل القوية تجاه قرارات الحكومة السودانية بطرد المنظمات والمسؤولين الأمميين، باعتبار أن السلطات السودانية قد تتعامل بردة فعل أسوأ وتعمد إلى طرد كل المنظمات الأممية من دون أن تهتم لأمر المتضررين، ما من شأنه أن يفاقم من صعوبة الحالة الإنسانية، وهو أمر تعيه الخرطوم جيداً وتتصرف على أساسه.
ويرى المحلل السياسي عبدالمنعم أبو إدريس، أن خطوة الحكومة تأتي كجزء من الضغط على المنظمات الأممية والدولية في ما يتصل بتقارير النزوح في ولايات دارفور، باعتبار أن "أوتشا" هي أكبر جهة تتحدث عن تزايد أعداد النازحين، مضيفاً أن "الهدف من هذه الخطوة أيضاً أن تعيش المنظمات في قلق حول وجودها في السودان". ويستبعد أبو إدريس أن "تؤثر الخطوة على علاقة الحكومة مع الأمم المتحدة باعتبار أن الخرطوم استخدمت حقها في عدم التجديد، على الرغم من أنها تجعل الأجواء متوترة بين الطرفين".

أما الأكاديمي السوداني الطيب زين العابدين، فيعتقد أن الخطوة من شأنها أن تخلق ردة فعل عكسية من قبل المنظمة الدولية وتؤثر على مساعي السودان لإعفائها من الديون ورفع الحصار الأميركي، لافتاً إلى أن "الحكومة تقوم بردود فعل من دون أن تحسب نتائجها السياسية والإعلامية". ويرى أن الخطوة يمكن أن تمثّل ردة فعل حكومية بسبب رفض واشنطن أخيراً منح تأشيرات دخول لعدد من المسؤولين السودانيين.

المساهمون