الاستفتاء يتدحرج أوروبياً... "الاتحاد" يواجه مأزق الـ"كلا" الشعبيّة

13 ابريل 2016
معظم الدول الأوروبية تؤيد الاستفتاء الشعبي (أتيلا كيسبنيدك/فرانس برس)
+ الخط -
يجزم متابعون وخبراء في شأن الاتحاد الأوروبي أنّ "يوم الخميس 7 أبريل/نيسان الحالي، لم يكن الأسعد في حياة ساسة الاتحاد"، بعد يوم من الاستفتاء الهولندي السلبي على اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، في ظل عدم قدرة هذين الطرفين تخفيف التحفظ الشعبي المتصاعد تجاه فكرة الاتحاد نفسها. وعلى الرغم من تدني نسبة المشاركة في الاستفتاء الهولندي، 32 في المائة، متجاوزاً الـ30 في المائة كحد أدنى لقبول نتيجة الاستفتاء، فإنه يحلو لكثيرين أن يذكروا أن أمستردام، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد في هذه الفترة، هي من المؤسسين في وضع اللبنة الأساسية للاتحاد، على شكل "جمعية الفحم والفولاذ الأوروبية" في أبريل/نيسان 1951. وحتى لو كانت نتائج الاستفتاء غير ملزمة لحكومة أمستردام في التصويت ضد الاتفاقية، إلّا أن رئيس الوزراء الهولندي، مارك روت، وقادة آخرين في الاتحاد باتوا يأخذون الأمر بجدية وقلق.

سعادة المشككين وقلق الاتحاديين
يتساءل كثيرون عن حجم تأثيرات تلك النتائج على التصويت البريطاني في 23 يونيو/حزيران المقبل. فالقلق الذي يعتري قادة الاتحاد، برأي هؤلاء الخبراء، "ينبع أساساً من فهمهم للتصويت السلبي كنوع من الاحتجاج على الاتحاد الأوروبي، الذي لا يرغب معارضوه أن يتحول إلى ما فوق الدولة الوطنية". تلقف المشككون بسعادة واندفاع تلك النتيجة. فأظهرت نتائج استطلاع عدة، وآراء سياسيين ومختصين، أنّ مؤشرات عند جماعات الـ"لا" بلغات مختلفة في تزايد، مع تصاعد نبرة المطالبة بالانسحاب من الاتحاد. أمر يدركه زعيم حزب الاستقلال البريطاني نايجل فاراج (يمين)، إذ ارتفع صوته لدعوة البريطانيين بإظهار مزيد من معارضتهم للاتحاد. من ناحية ثانية، يجد رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون نفسه تحت وطأة "أوراق بنما"، الذي بات يواجه المزيد من الضغوط المُطالبة باستقالته بعد اعترافه بامتلاكه سابقاً حصة في صندوق "بليرمور الاستثماري"، ما يفيد معارضيه في قضية المصداقية التي يعوّل عليها أصحاب "لا" للاتحاد الأوروبي.

في المقابل، لم يخف رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر انزعاجه وتخوفه من هذا التشكك المنتشر في القارة، خصوصاً مع استطلاعات رأي تقول إن بلدان أخرى ستضغط على أحزابها وحركاتها باتجاه "استفتاءات شعبية". ومثل بقية "الاتحاديين"، يقول يونكر إن هذه التطورات، بعد الـ"لا" الهولندية، ستدفع نحو "أزمة قارية كبيرة"، لا يستفيد منها أحد سوى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ورطة الاتحاد بنظر رئيس الوزراء الهولندي روت "ستظهر نتائجها في الأسابيع المقبلة"، أي بعد قبول 27 رئيس حكومة للاتفاق مع أوكرانيا. ولا يمكن، وفق متابعي قرارات الاتحاد، ألا تؤخذ الآراء الشعبية بعين الاعتبار، خصوصاً في المرحلة القصيرة المتبقية للاستفتاء البريطاني. 

وتمّ توقيع اتفاقية الاتحاد الأوروبي مع أوكرانيا في عام 2013 وهي تتألف من 1200 صفحة، وتنص على مجموعة اتفاقيات تمهد الطريق لأوكرانيا نحو تحسين وضعها الداخلي وتأهيلها لعضوية الاتحاد الأوروبي. من بين النقاط المهمة لأوكرانيا، والتي أثارت حفيظة الروس في حينها، التعاون الوثيق بين الاتحاد وأوكرانيا في مجال الطاقة والبدء بسلسلة "الدمقرطة"، من خلال عملية إصلاح شامل في المؤسسات الأوكرانية. تقارب أخاف الروس من الخطوة التالية المتعلقة بانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي مثلما حدث مع بولندا سابقاً.

ليست وحدها المسألة التجارية مع أوكرانيا على المحك، وفق هؤلاء العارفين بما يدور من مفاوضات، بل "اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة إذا ما توصل إليها قادة البلدين". ويتفق الباحث ريم كورتويغ من المركز الأوروبي للإصلاح "Centre for European Reform" مع الرأي القائل إنّ "تصويتاً احتجاجياً شعبياً" يجري في الاستفتاءات التي تشهدها بلدان أوروبية "هو محاولة للتعبير عن إحباط شعبي من طريقة عمل الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن الحكومة الهولندية استخفت بشارعها". ويحذّر كورتويغ من أننا "ربما نشهد تصويتاً بريطانيا من دون تشجيع لدول أخرى للخروج من هذا الاتحاد". ووفق خبراء وساسة ناقدين لآليات عمل الاتحاد الأوروبي من اسكندنافيا حتى إيطاليا مروراً بفرنسا وبريطانيا، ليس بالضرورة أن يكون هناك "رافضون يرغبون بمغادرة بلادهم للاتحاد". لكنهم يجمعون على الضغط في وجود قضايا أساسية تواجه فكرة الاتحاد، هي:

أزمة ثقة
يرى الناخبون وحركاتهم الشعبية والحزبية أنّ أزمة الثقة توسّع الفجوة بين الشعوب والمشروع الأوروبي. ويلاحظ هؤلاء أن الحملات المعارضة هي الأكثر حيوية وتنظيماً على الرغم من أنّ النموذج الهولندي من حيث نسبة المشاركة لم تكن كبيرة، أكثر من الموافقين، وهو ما ينسحب على بلدان أخرى نتيجة ما يطلقون عليه "غياب الثقة" حتى بين المؤيدين. يتفق الطرفان على أن العاصمة البلجيكية بروكسل باتت تفتقد لمصداقية بين الجمهور الأوروبي.

أزمة اللاجئين
فشل اتفاقية محاصصة اللاجئين يمكن أن تصبح أيضاً نقطة جدية. ولا يخفي الحراك المعارض تذمّره مما يسمونه "فشل الاتحاد في مواجهة أزمة اللاجئين". أمر تنطلق منه أحزاب وحركات شعبية لتوجيه انتقادات لاذعة لسياسات بلادهم وجيرانهم، خصوصاً في ما يتعلق بسياسة ألمانيا التي ظلّت تستقبل المزيد من اللاجئين. أحزاب سياسية بدأت تنتقد الاتفاق مع تركيا معتبرة إياه "دليل فشل وفوضى في سياسة الاتحاد، خصوصاً لمسألة حماية الحدود الخارجية".



تنامي المشاعر القومية

ينظر مراقبون ومختصون إلى أنّ سعادة غامرة تصيب الأحزاب المتشددة في عدد من دول الاتحاد، ليس فقط في هولندا حيث يجد زعيم حزب "من أجل الحرية"، اليميني المتطرف خييرت فليدزر، نفسه منتصراً، بل في دول أخرى تعيش فيها الحركات القومية حالة ازدهار غير مسبوق. وتلك أزمة حقيقية برأي هؤلاء المؤيدين للوحدة يمكن أن تقلب الطاولة لو امتدت عدوى الاستفتاءات الشعبية لتطاول عدد من دولهم. ويلاحظ البعض أنّ تكتلات اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي وخارجه، لا تدخر جهداً لتنسيق مواقفها الجماعية، وبعضهم يهدد بـ"براغماتية" (كما في حالة أحزاب اسكندنافية وأوروبية شرقية) للإيحاء بأنهم ضد الاتحاد وفي الوقت ذاته يريدون لأوروبا "أن تكون متحدة في مواجهة أخطار المهاجرين".


فساد مقلق

بعد صدور "أوراق بنما" التي كشفت تورط مئات الشخصيات العربية والعالمية بقضايا التهرّب الضريبي والاستثمار غير الشرعي، وجد البعض قوة دافعة لخطابهم عن "فساد السياسيين". ويتخذون مما تعرض له رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون كمتزعم لحملة التصويت بـ"نعم"، من ضغوط إعلامية وسياسية كمؤشر لما يمكن أن تصبح عليه الأمور. مؤشر غياب الثقة يرى فيه اليسار وأقطاب يمين، حالة من الفرز والشرخ التي يمكن أن تنشأ بين "الشعب" و"بيروقراطيي بروكسل"، بحسب ما يُطلق عليهم.

عموماً، يجد الاتحاديون أنفسهم في موقف عصيب هذه الأيام. فالاتفاق مع أوكرانيا، إذا ما تم ترجمة التصويت الهولندي إلى "فيتو"، سيجدون أنفسهم مجبرين لإعادة التفاوض على بعض البنود. وذلك، برأي ساسة الاتحاد، سيضعف الحركة الأوكرانية المؤيدة للانخراط أكثر غرباً، ما يعني ارتخاء القبضة الأوروبية لمصلحة روسيا وقواها في أوكرانيا. الأمر ذاته ينسحب على تركيا التي تبحث عن مفاوضات قبول العضوية في الاتحاد بالتدرج، إذ يعارض كثيرون، حتى في صفوف الاتحاديين انضمامها إلى الاتحاد. مع الأخذ بعين الاعتبار الحاجة لتركيا، وانهمار النقد على اتفاقية إعادة اللاجئين من جهات متعددة ومختلفة في توجهاتها وأهدافها.

ما يراهن عليه المعارضون للوحدة هو أن تسفر الاستفتاءات البريطانية وغيرها من دول قد تسارع إلى تقليدها، إلى تشكل تكتل تعود بموجبه بريطانيا عضوة في "ايفتا" (رابطة التجارة الأوروبية الحرّة) لتضم أيضاً النرويج، وأيسلندا، وسويسرا "بحيث تكون مفاوضتها مع الاتحاد الأوروبي أقوى من السابق". وهو ما يقوله لافا كنود بروك عضو في الحركة الشعبية ضد الاتحاد في الدنمارك (تسمى أيضاً حركة يونيو). فهؤلاء يأملون بأن تتدحرج الـ"لا" نحو بلدان أوروبية أخرى، لتشكل "بديلاً ديمقراطياً للاتحاد".

لا تتوقف المراهنة على الخروج البريطاني ومؤشرات الاستفتاء الهولندي. فاستطلاعات رأي في عدد من الدول الأخرى تحمل مؤشرات غير طيبة للاتحاديين. ففي كل من الدنمارك، والسويد يجري على قدم وساق جمع توقيعات للدعوة لاستفتاء شعبي على البقاء أو الخروج من الاتحاد. وتظهر آخر الاستطلاعات في ستوكهولم أنّ 49 في المائة منهم يريدون استفتاءً شعبياً. في فرنسا، وهي واحدة من أعمدة الاتحاد، أظهر استطلاع شهر مارس/آذار الماضي، أن 53 في المائة من المستطلعة آراؤهم يرغبون باستفتاء شعبي. وفي هولندا 53 في المائة، وفي ألمانيا 45 في المائة، وفي إسبانيا 47 في المائة، وفي بولندا 39 في المائة، وفي إيرلندا 38 في المائة لديهم ذات الرغبة باستفتاء شعبي.

المساهمون